عالم دين سعودي: الجهال من رموز التطرف خلقوا إشكالات فقهية في حياة الناس مثل مفاهيم التكفير ونقض البيعة الشرعية

تساءل في ظهوره للمرة العاشرة كيف خول كاتب الرسالة لنفسه أن يقول لا توجد دار إسلام وهو قاطن في لندن

الشيخ عبد العزيز الحميدي كما ظهر للمرة العاشرة في مراجعاته على التلفزيون السعودي
TT

عاد أكاديمي سعودي متراجع عن أفكار متشددة، موضحا بعض الإشكالات الفقهية التي خاض فيها بعض من وصفهم بـ«الجهال وقليلي التبصر من رموز التطرف والغلو»، خاصة في مسائل عظيمة تمس حياة الناس، مثل مفاهيم التكفير ونقض البيعة الشرعية.

وواصل الدكتور عبد العزيز الحميدي الأستاذ المساعد في كلية أصول الدين بجامعة أم القرى، هجومه على من بات يصفهم بـ« رموز التطرف والغلو»، بعد أن انكفأ الأسبوع الماضي على رفقة أيام التطرف، وهاجم عددا من الرموز المتطرفة في تلك الحقبة.

وللمرة العاشرة، وفي حلقة عنونها بـ«الجرأة على الله» فند الحميدي رسالة أحد المتطرفين، والذي يكني نفسه أبو قتادة، ووضعها باسم «الطائفة المنصورة»، معتبرا تلك الرسالة مدخلا لفتنة عظيمة في مسائل التكفير، وحذر في ذات الوقت من يقرأ هذه الرسالة من الغافلين والشباب، والذين ربما يغترون بها، ومن ثم يرتكبون حماقات عظيمة وبدعا كبيرة.

وذهب لإيضاح ما يكتنف الغلو والتزمت والتشدد والتطرف دينيا، وما يتحقق عنه من الأمور والأهداف، للقيام بما سماه أكاديمي ورجل فقه سعودي «توظيف النص الشرعي ومقومات الدين» بهدف إحداث فرقة أو خلاف شرعي في قضايا دينية، مما يندرج في إطار استغلال العاطفة الدينية، وهو أمر يسهل على من نعتهم بـ«المتدثرين» أن يستغلوه في أمور تخدم آيديولوجيا متشددة ربما تقود لدرجة القتل وإراقة الدماء، وهو أخطر ما يمكن حدوثه.

ويعيد الأكاديمي السعودي «الغلو أو التشدد والتطرف الديني» سنوات طويلة للوراء، باعتباره ظاهرة عانت منها الأمة قديما، وتعاني حديثا، وأخطر ما في تلك الظاهرة «توظيف مقومات الدين والنص الشرعي واستغلال مكامن التدين والعاطفة الدينية لدى الناس وتوجيهها لتصبح سيئة الظن منعزلة»، وهو ما ذكر آنفا، والأمر الذي لا يمكن أن يتحقق الغلو من دون وجوده، وهو «إحداث شرخ داخل الجماعة المسلمة - المجتمع المسلم - لتحقيق انقسام داخل صفوف ذاك المجتمع، ليصبح جزء من أفراده بمثابة شوكة في خاصرة الأمة، تكون مهمتها إضعاف المجتمع وإتعابه».

وبالعودة للرسالة التي يرى الحميدي أن واضعها وقع في مشكلة علمية خطيرة، فالصورة التي يتحدث عنها هو، لا وجود لها لا في الواقع قديما ولا في الواقع حديثا، ولذلك لا وجود لنص من علماء الإسلام فيها، لأنها لا وجود لها وهو تصور أن جميع أئمة المسلمين وحكامهم مرتدون، وليس هذا فقط، بل كل من تابعهم أو انضم إليهم أو بايعهم أو سكت عنهم مرتد، بل يرى بأن شعائر الكفر قامت، وبهذا صارت كل ديار الإسلام ديار كفر، معتبرا أن هذه الصورة ما وقعت ولن تقع أصلا أن تصبح كل ديار المسلمين ديار كفر، وديار الكفر الأصلي باقية على أصل الكفر.

وسدد عالم الدين سعودي، الحاصل على الدكتوراه في علوم الفقه وأصول الدين الإسلامي، ضربة جديدة موجعة للمرة العاشرة على التوالي، لتيارات متطرفة منتشرة في العالم العربي والإسلامي، خصوصا في بلاده السعودية، بعد أن عاد ونكث وفضح عددا من الدوافع التي كان يعتنقها في مرحلة من عمره مضت بالتوافق مع تلك الفئات المتطرفة، واعتبر عودته وانكفاءه على تلك التيارات عودة «لجادة الصواب والحق، وابتعادا عن مزالق الضعف»، وبات يتعامل مع تلك المرحلة الماضية على اعتبارها «خداعا وتدليسا على الأمة» تكتنفها دعوات لـ«تشتيت الأمة، بل تشظيها وتمزيق صفها».

ويكشف الشيخ الحميدي كيف ينقل أبو قتادة النصوص والاستدلالات بطريقة مبرمجة، ليوظفها للقضية الخيالية التي لا وجود لها إلا في ذهنه ويركبها على ما سماه المرتدين وهم كل المسلمين سواه هو ومن يقبل بكلامه، وهذا - بحسب الحميدي - من أغرب ما يمكن في التصور وأفسد ما يمكن في الاستدلال وأخطر ما يمكن في النتائج.

ويتساءل الحميدي كيف سوغ أبو قتادة لنفسه أن يقول لا توجد دار إسلام أصلا وهو قاطن في لندن بين ظهراني غير المسلمين ويقول كل الحكام المسلمين كفار ملغيا دار الإسلام.

ويوجه الدكتور في هذه الحلقة كلمة للشباب مفادها أن المسلم لا يزال في فسحة من دينه بحكم أن مال المسلم ودمه حرام، فماذا يستفيد الشاب المسلم من اعتناق فكر فاسد يدفعه لقتل أو التسبب في قتل نفس بريئة، بناء على خيالات بنيت على أهواء وأحاديث ضعيفة أو فهم معوج وتأويل فاسد.

ولقيت مراجعات الحميدي صدى كبيرا جراء نقضه للكثير من المفاهيم التي أسس عليها رموز متطرفة مثل، عصام البرقاوي، وأبو قتادة الفلسطيني، مفاهيمهم المغلوطة وتضليلهم للكثير من الشباب دون علم وبصيرة، وقد وعد الدكتور الحميدي طلابه ومتابعيه بمتابعة مشروعه التصحيحي وإبراء الذمة خاصة أنه أستاذ متمرس في العقيدة ورأس قسم العقيدة بجامعة أم القرى وله مؤلفاته ودروسه المعتبرة عند طلاب العلم.

ويرى الحميدي أن مفهوم الكفر البواح الوارد في حديث عبادة بن الصامت الوارد في الصحيح محور بالنسبة له، لكن الخطأ العظيم الذي وقع فيه أنه فسر الكفر البواح تفسيرا من نفسه، وبنى عليه الحكم على جميع بلاد المسلمين حكومات وشعوبا بالردة والكفر، وأعلن بالتالي وجوب القتال والحرب والجهاد ضديهم، ليكون في ذلك الفتنة التي أرادها.

ويضرب الحميدي مثلا بفتنة خلق القرآن التي تبنى القول بها بعض الخلفاء العباسيين :«ودعوا إليها وعذبوا العلماء، فمن العلماء من قُتل في سبيلها كالبويطي تلميذ الإمام الشافعي، قُتل، دعوه إلى أن يقول بخلق القرآن ونفي الصفات فأبى فقتلوه، ونعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري قُتل، وتأسف عليه أهل العلم حتى قال البخاري: صبر على الفتنة حتى قتل، أبو مسهر عبد الله بن مسهر تلميذ الأوزاعي وارث علم الأوزاعي إمام أهل الشام سجن عشرين سنة حتى مات، خرج من السجن ميتا، فسُجن بسبب هذه المسألة والإمام أحمد (معروف) سجنوه سنتين وأربعة أشهر بقي في السجن - رحمة الله عليه - وجلد حتى أغمي عليه، ورفض أن يقول إن القرآن مخلوق ويقول بهذه العقائد، وهو ثابت، (طيب)، هل حكم هؤلاء كلهم - الذين منهم من قُتل، ومنهم من عُذب، ومنهم من ضُرب، وهذه العقائد كفرية بالإجماع - على أعيان هؤلاء الخلفاء بالكفر الصريح، وكفروا من انضم إليهم وناصرهم من قضاة وعلماء ووزراء وحملوا الأمة على مناجزتهم بالسيوف أم ماذا فعلوا، صبروا على الحق وقالوا به ولم ينزعوا اليد من الطاعة، كموقف عملي إجماعي، لأنه بقيت الأمور الكبرى، كالزكاة وصيام رمضان وأمر النسك والحج».

فالقضايا الفكرية المهمة في معالم الطائفة المنصورة طبقا للحميدي، هي حقيقة منطلقات غلو في كثير من الأفكار الغالية المتجهة نحو المجتمع، أما الحديث عن مفهوم الكفر البواح، وعلمنا أن مفهوم الكفر البواح الشرعي هو أصول الشريعة، أصول الدين الكبرى، الصلاة «ما أقاموا فيكم الصلاة»، فما أقاموا فيكم الصلاة؛ ما دام أنه وجدت الصلاة فلا كفر بواحا ممكن أن نتحدث فيه، نريد أن نتحدث ما هو مفهوم الكفر البواح لدى صاحب هذه الرسالة؟، فحديث عبادة يكاد يكون هو الحديث الوحيد في هذه الرسالة الذي من صحاح الأحاديث من «البخاري»، ضمن تلك الأحاديث الضعيفة التي تكلمنا عليها في البداية، وبنى عليها معظم أفكاره في هذه الرسالة ووجه الخطورة في تفسيره أنه أعرض عن كل هذه المعاني وأحاديث النبي - عليه الصلاة والسلام - الأخرى المفسرة، ولفظ الحديث، كما أخرجه البخاري وفقه البخاري في ذكره له في كتاب الفتن لا في كتاب الجهاد، ومواقف هؤلاء الأئمة الذين تحدثنا عنهم في فتنة أيام الدولة العباسية في عقائد الجهمية، وجعل هو الكفر البواح تفسيرا من عنده، أن كل النواحي العملية التي جاء وصفها ربما في بعض النصوص، بوصف الكفر التي تحتمل أن تكون كفرا أصغر، أو يدخلها التأويل، فمثلا موالاة الكفار مثلا، كل علاقة نعتبرها مع الكفار بصلح أو بتعاون أو بهدنة بموادعة كما تحدثنا في دروس سابقة يعتبرها من هذا الجنس.

ويرى الحميدي أن من يقرأ الرسالة من الغافلين أو من الشباب المساكين الذين لا يعلمون هذه الأمور، وربما يغتر بها فيرتكب حماقات عظيمة وبدعا كبيرة، لأنه يعلم أنه «ما في» أدله فيه رأي: «ما قدمناه ما رأيناه ما قلناه»، وما قيمة رأيك أمام فتاوى الأئمة كما ذكرنا وأمام تفسير النبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه في حديث أم سلمه وعوف بن مالك، لمعنى ما أقاموا فيكم الصلاة، وأزيد هنا كلام عبد الله بن عمر، وهو تفسير آخر لمعنى قيام الإسلام ودرء أي معنى آخر لأي قتال باسم الجهاد ضد بغاة أو حكام أو نحوه جاء في صحيح البخاري في كتاب التفسير في تفسير سورة البقرة عقد البخاري بابا قال «وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة» وهي مما يذكره هذا، أن الفتنة، ويعني قاتلوهم على أي وجه، ويفسر الفتنة عنده على أي معنى من معاني المنكر والشرك (في تفسيره هو).

ويضيف الحميدي: ابن عبادة وهو وليد بن عبادة تابعي مشهور عن أبيه ذكر نفس الحديث «بايعنا النبي - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا وأثرة علينا، وعلى ألا ننازع الأمر أهله» هنا لم يقل إن لم تروا و«أن نقوم بالحق أينما كنا لا تأخذنا في الله لومه لائم»، وهذا ما صنعه الأئمة لما جاءت عقائد الجهمية قالوا الحق وصبروا على الإمام لأن مصالح الإسلام الكبرى أعظم من قتله والخروج عليه، ولو تبنوا بعض العقائد الفاسدة التي يدخلها التهويل وأعجب من ذلك، أن الإمام أحمد كان يدعو لهؤلاء «كان يدعو»، ابنه عبد الله يقول: «كنت أسمع أبي يدعو في صلاته لأبي إسحاق فكت أظنه أحد أصحابه فقلت: من أبو إسحاق، قال: المعتصم» الذي ضربه حتى أغمي عليه ودعاه لقول خلق القرآن «لأن في صلاحه صلاح الأمة».

ويرى الحميدي أن شيخ الإسلام ابن تيمية أيضا واجهته عقائد من جنس هذه العقائد في زمنه من الخلفاء المماليك، كان في زمن المماليك وكانت مصر والشام تخضعان لحكمهم وعاصمة الحكم في القاهرة كان الحاكم في زمنه الخليفة اسمه جانشكير، كان متبنيا لعقائد بعض فلاسفة المتصوفة، وهو محيي الدين بن عربي، مشهور جدا، دعا لعقيدة من أفسد العقائد وأشدها ضلالا، بل وكفرا، وهي وحدة الوجود، هل تتصور أن مسلما يقول لمسلم يعتقد أن الله هو كل شيء، أنا وأنت وهذه الخشبة والسقف والأرض والجبال كلها هي الله، يقول ابن عربي: «ما الله إلا هذه الأعيان السائرة في الوجود، لا شيء سواها»، وبالتالي بنى على هذا ضلالا عظيما وكان الوالي هذا المملوكي، وأحد كبار وزرائه ويسمى نصر المنبجي متبنيين عقيدة ابن عربي، وبنيا له ضريحا ضخما جدا على قبر محيي الدين في دمشق، وكان موجودا في عهد ابن تيمية - رحمه الله - فابن تيميه لعلمه أراد أن يكشف هذه العقائد الفاشلة أن يقول بالحق فكتب رسالة مشهورة مقروءة مطبوعة مستقلة وموجودة، ضمن «مجموعة الفتاوى» بهذا العنوان «رسالة إلى نصر المنبجي في عقائد محيي الدين ابن عربي»، يوضح له هذه العقائد وفسادها وأن هذا ضلال بل وكفر، ويدعوه إلى أن يتوب منها (الوزير هذا والوالي أيضا)، فما الذي حصل؟، لم يقبلوا نصيحته بل وأخذوه وسجنوه في الإسكندرية 7 أشهر كاملة.

ويزيد الحميدي: «شيخ الإسلام ابن تيميه ما حصل منه لا تكفيرا لهم ولا خروجا عليهم لأجل ذلك، بل أعجب من ذلك أنه حصل تناحر سياسي، يعني انقلاب على هذا الحاكم من ابن عم له كان واليا قبله فهو انقلب عليه، فعاد ابن عمه واسمه الناصر قلاوون وانقلب عليه وسجن هذا الخليفة الجاشنكير المتبني هذه العقائد وسجن معه قضاته ومنهم هذا (نصر المنبجي)، ثم أخرج شيخ الإسلام ابن تيمية من السجن وقال أفتني في هؤلاء؛ تريد أن نضرب أعناقهم؟ لو كان لهذا الرجل إمام هوى لقال افعل، لكن قال: (إن بحثت في ولايتك ودولتك لا تجد خيرا من هؤلاء القضاة الذين في سجنك الآن)، الذين أفتوا بسجنه وتبنوا العقائد الفاجرة، فأخرجهم إلى مناصبهم السابقة وعاد الشيخ مرة أخرى إلى دمشق يواصل حياته ورسالته العلمية، فالشاهد من هذا الكلام أن كل شيء على فتوى ابن عمر باحتجاجه على حديث (بني الإسلام على خمس) في جوابه لنافع بن الأزرق، لما قال له (ألا تقاتل حتى لا تكون فتنة؟) إذا ظهرت معالم الإسلام الكبرى من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأمر المناسك فمنازعة الأئمة ممنوعة وهذا معنى قوله (ما صلوا)، أضيف هنا ملحظا علميا مهما جدا في جواب النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث عوف بن مالك لما قال له ألا نناجزهم بالسيوف قال: (لا ما صلوا) وهو ما اتفق عليه أهل أصول الفقه وقواعد الاستدلال على أن الحكم الصادر من النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان أمرا أو نهيا وعلق بشرط فيقع الحكم لوقوع الشرط، ويرتفع الحكم بارتفاع الشرط، وهذه نص عليها ابن القيم، وقد نقلت الكلام لكن لا أدري أين هو بالضبط».

ويلحظ في هذه الرسالة، أن كاتبها يقرر مسألة فكرية في ذهنه ثم يأتي بأقوال الفقهاء والعلماء، ليضعها داعمة لهذه الفكرة ثم يأتي ليقرر أمرا عظيما يخرج فيه ولي الأمر أو المجتمع الإسلامي من الملة ويتهمهم بالردة، فالحديث عن مسألة الغلو وكيف توجه المجتمعات بطرق ملتوية نحو الهاوية، ففي هذه الرسالة أجد أمر عجيب جدا، هو الآن يقرر حكم قتال طوائف الردة، ثم يأتي ليقرر أن ولي الأمر مرتد، ويأتي بأقوال الفقهاء ليلوي هذه الأقوال نحو وجهته ونحو هواه، فيقول إنه لو طرأ على الإمام كفر وتغيير للشرع أو بدعة، خرج عن حكم ولايته ثم يؤيد هذا بكلام، يقول: «إذا دخل الكفار دار الإسلام فالجهاد فرض عين»، وتساءل ما علاقة هذا؟ ثم يقول إذا دخل العدو بلاد المسلمين فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب في فالأقرب، كلام البغوي يقول هذا فرض عين على من قرب وفرض كفاية على من بعد، ثم يأتي ليقرر، يقول ولي الأمر مرتد، وهو متسلط، فبناء على هذا يجب قتاله ويجب قتله، لماذا قال تسلط المرتدين وهذا كلامه هو تفسيره، فهو يقول تسلط المرتدين على بلاد المسلمين هو من جنس دخول الكفرة بشوكتهم بلاد المسلمين، هو وقع في مشكلة علمية كبيرة، فأراد أن يرقعها بهذا التصرف الذي أشرنا إلى طرف منه وسأنبه عليه، الصورة التي يتكلم عنها هو لا وجود لها لا في الواقع قديما ولا في الواقع حديثا، ولذلك لا وجود لنص من علماء الإسلام فيها، لأنها لا وجود لها وهو تصور أن جميع أئمة المسلمين وحكامهم.

فهو يراهم مرتدين، وليس هذا فقط، بل كل من تابعهم أو انضم إليهم أو بايعهم أو سكت حتى عنهم مرتدون بل لاحظت، قال ماذا: ما دام هذا الحال حاصلا وأن شعائر الكفر قامت، صارت كلها ديار حرب ديار كفر فصارت كل ديار الإسلام ديار كفر، هذه الصورة ما وقعت ولن تقع أصلا أن تصبح كل ديار المسلمين ديار كفر، وديار الكفر الأصلي باقية على أصل الكفر، فما بقي إسلام أصلا في الأرض، فهذه الصورة غير موجودة، ولم تقع أصلا في الماضي ولا تقع أصلا ليس لها وجود، وجودها فقط في ذهنه هو وتصوره الفاسد، وهذا المدخل يقول علماء المنطق ندخل قليلا في قضية المنطق، لأنها تخدمنا هنا الآن حتى في تفهيم القضية، علماء المنطق يقولون هذا يسمى «المطلق بشرط الإطلاق» والمطلق بشرط الإطلاق في التصور لا وجود له في الأعيان ولا يمكن أن يوجد في الأعيان، هو وجوده في الأذهان أنت «ممكن تتصور» - يا أخي الكريم - أنك ستعيش إلى يوم القيامة في ذهنك في الواقع ما يمكن أن تتصور أنك الآن ملك العالم كله، ممكن أنا الآن أتصور أني ملك الدنيا كلها وكل الدنيا تأتمر بأمري، هذا في ذهني خارج ذهني أنا كما أنا على هذا الكرسي، ما عندي ما أملكه أصلا هذا التصور الذهني وجوده ذهني فقط، وهو يدخل في باب في الفلسفة قد يقع فيه الإنسان وهو لا يعرفه وهو يسمى الخيالية أو الإشراقية أو الطوباوية أو الخيالية والبوهيمية، ويتصور أشياء فهو متصور أو يريد ويتصور وينقل تصوره أن كل ما في الأرض الآن، ممن يسمى مسلمين أئمة وحكاما وقضاة ومشايخ... ولكن هناك فتوى هنا لعلنا نتكلم عليها الآن، يقول فتوى خطيرة يقول كل الخطباء، وهذه كلها دار كفر، أين سيجد فتوى في كلام عالم قديم أو حديث على هذا النحو والصورة، هي موجودة في ذهنه المطلق فقط. شرط الإطلاق كما يقول المناطقة وجوده في الأذهان لا في الأعيان، ويمكن أن يتصور في ذهنه أشياء لا تقع أصلا خيالية لا وجود لها، ولا يمكن أن تقع أبدا، يمكن يتصور أنه نبي مرسل خيالا وضلالا، وفي الواقع ما هو نبي ولا شيء، هو كذاب دجال فاضطر بعد ذلك بعد هذا التصور أن يأتي بكلام للأئمة في مسائل أخرى.

الحميدي يرى أن صاحب الرسالة يعاني من ضيق لا مخرج منه، بسبب إعارته عقله ودينه قبل ذلك وقلبه لغرباء لا يريدون نصحه بقدر ما يريدون فتنته، والمشايخ والأساتذة والعلماء موجودون وكتب العلم كذلك، فلا يوجد عند أهل السنة سر، العلم لا يهلك حتى يكون سرا، فالكتب مكشوفة واضحة معلومة، وكذلك نحن ندعو ونبين، وأنا شخصيا أقول: مستعد للنضال في هذه القضايا مع أي كائن بالدليل والحجة والبينة وكتب الأئمة ولن نخرج عن القرون الأولى إذا ما أثبتنا هذه القضايا بالحق وأزهقنا الباطل فنحن لسنا على شيء والله ولي الصالحين.