أزمة القمامة في نابولي تهدد برلسكوني

رئيس الوزراء الإيطالي مدافعا عن نفسه بعد فضيحة جديدة: أحب النساء

برلسكوني في بروكسل أمس (أ.ب)
TT

في عام 2008، فاز رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني، في الانتخابات العامة، وكان الفضل الكبير في ذلك يعود إلى إطلاقه وعودا بالتخلص من القمامة التي تراكمت في شوارع نابولي. وفي خضم ضجة دعائية كبرى، استدعى برلسكوني الجيش، وافتتح مواقع جديدة للتخلص من القمامة، وبنى منشأة لمعالجة النفايات، وأعلن انتصاره في معركته ضد القمامة.

اليوم، أصبح هذا النصر كأنه لم يكن، حيث عاودت أكوام القمامة ظهورها في نابولي، ولم تعد منشأة معالجة النفايات تعمل بكامل قدرتها، وهنا في تيرزينيو، الواقعة عند تل لماونت فيسوفيوس، بدأ التمرد ينتشر بين السكان الذين تحيطهم الروائح الكريهة المنبعثة من أحد مواقع التخلص من النفايات، وفي الأيام الأخيرة، خرج المئات إلى الشوارع، وأعاقوا شاحنات نقل القمامة، ودخلوا في مناوشات عنيفة مع الشرطة.

ومرة أخرى، وعد برلسكوني بتسوية المشكلة، لكن الاختلاف هذه المرة أن قليلين فقط هم من يصدقونه، وعلى مدار سنوات، نجح برلسكوني في البقاء في منصبه، معتمدا على إلقاء النكات وإطلاق الوعود الكبرى. إلا أنه يكافح الآن من أجل إبقاء قبضته على ائتلاف يمين الوسط الذي يتزعمه، في وقت تتراجع شعبيته بشدة مع تفاقم مشاعر الضجر في نفوس الإيطاليين تجاه التشاحن داخل صفوف الحكومة، الذي يبدو بمعزل عن القضايا الحياتية التي تعنيهم.

هنا في تيرزينيو، المدينة الكئيبة ذات المنازل الخراسانية والواقعة على بعد أميال من بومبي، ربما تلوح في الأفق بدايات مشكلة ستخلف تداعيات على الصعيد الوطني، ذلك أن سكان المنطقة لا يرغبون في التخلص من أكوام القمامة في منطقتهم فحسب، وإنما كذلك تراودهم للمرة الأولى الرغبة في حرمان برلسكوني، الذي ساعدوا في انتخابه في البداية عام 1994، من منصبه.

مثلا، قالت لوتشا فابوتسو، العاملة في مجال الرعاية الصحية من بوسكوريالي، بينما كانت تقف إلى جوار مكب النفايات: «نعم، بالطبع منحته صوتي، فأنا أنتمي إلى الجنوب، لكنه لن يناله مجددا. لقد تخلى عنا، ولم يجلب لنا سوى القمامة».

في الأيام الأخيرة، احتشد مئات السكان أمثال فابوتسو على الطريق المؤدي إلى مكب النفايات، معربين عن سخطهم ورافعين شعارات معارضة. وقال أحدهم: «هناك أشياء يتعذر عليك شراؤها، وبالنسبة للباقي، هناك برلسكوني».

خلال عطلة نهاية الأسبوع، قامت حفنة من العناصر الراديكالية بإطلاق قنابل مولوتوف، مما أضرم النيران في صف من الشاحنات المحملة بالقمامة على امتداد الطريق الرئيسي هذا الأسبوع، إلا أن معظم المتظاهرين بدوا من أبناء الطبقة الوسطى المسالمين الذين سئموا من الرائحة الكريهة والمشكلات الصحية التي يعتقدون بأنها ناجمة عن العيش بجوار مقالب للقمامة.

بدأت الاضطرابات الأسبوع الماضي، عندما شرعت الحكومة في توسيع موقع للتخلص من القمامة بالقرب من تيرزينيو. وقد توقف الموقع مؤقتا عن استقبال مزيد من النفايات، لكن سكان المنطقة يهددون بشن حرب طاحنة ضده في حال استئنافه عمله.

ويدعي السكان أن الحل الذي طرحه برلسكوني لأزمة القمامة عام 2008، تمثل في معظمه في تعديل القانون الإيطالي، بحيث يسمح بإقامة مكب ضخم للنفايات داخل متنزه يخضع لحماية منظمة اليونيسكو مقام فوق بركان نشط، وهي ظاهرة فريدة من نوعها بالتأكيد على مستوى غرب أوروبا. من جانبها، افتتحت الحكومة العام الماضي منشأة جديدة لمعالجة النفايات خارج نابولي، لكنها تعالج النفايات التي تم فرزها أولا، وهي مهمة عجز نظام جمع القمامة المنهار بالمنطقة في الغالب عن الاضطلاع بها.

وخلال مؤتمر صحافي عقد أول من أمس، أكد برلسكوني الذي بدا عليه الإرهاق أنه سيتعاون مع السلطات المحلية لإصلاح المشكلة خلال الأيام المقبلة، وأضاف بنبرة حانقة أن التغطية الإعلامية لأزمة القمامة أضرت بصورة إيطاليا.

والملاحظ أن قليلين فقط تساورهم الدهشة حيال فشل برلسكوني في حل مشكلة مزمنة تعود إلى فترة سابقة له، وربما تستمر لما بعده. في مجملها، تعد أزمة القمامة نتاجا لسلبية الحكومة المحلية ونشاطات الجريمة المنظمة التي اعترف المسؤول الحكومي الأول عن أزمة القمامة بأن لها «دورا قويا» بالمنطقة.

بيد أنه نظرا لأن برلسكوني راهن بصورته العامة على حل أزمة القمامة، فإن عجزه عن القيام بذلك تحول إلى رمز لانحسار شعبية رئيس الوزراء على نحو متزايد، والفساد السياسي الكامن، على ما يبدو، تحت سطح حكومته التي تجتاحها الفضائح.

وهذا الأسبوع، أشارت تقارير إعلامية إيطالية إلى أن محققين عكفوا على دراسة مزاعم أطلقتها فتاة في الـ17 من عمرها حول مشاركتها في حفلات أقامها برلسكوني. وأوردت تقارير أن الفتاة «روبي» زعمت خلال التحقيق أنها زارت فيلا سان مارتينو الخاصة برئيس الوزراء في ثلاث مناسبات بعدما اتصل بها ا. فيد، وهو مقدم برنامج في قناة تلفزيونية تملكها شبكة «ميدياست» التابعة لبرلسكوني.

وذكرت الفتاة، حسب المزاعم، أن فيد اصطحبها في البداية إلى فيلا برلسكوني لحضور حفل بمناسبة عيد الحب في 14 فبراير (شباط)، وزعمت أن الحفل حضره أيضا نحو 20 فتاة ورجلان فقط، هما فيد وبرلسكوني. ونقلت وكالة أنباء «إنسا» عن فيد قوله: «أعتقد بأنني التقيت بتلك الفتاة في مأدبة عشاء في منزل برلسكوني»، غير أنه نفى تقارير زعمت فيها الفتاة أنه قدمها لرئيس الوزراء، كما نفى فيد أنه يخضع للتحقيق، وقلل برلسكوني من أهمية هذه التقارير، وقال ممازحا مصوري التلفزيون على هامش قمة للاتحاد الأوروبي في بروكسل «انظروا إلى الضجة التي أثاروها حول لا شيء».

وقال برلسكوني في وقت لاحق للصحافيين، لما سئل عن القضية: «إنني فخور جدا بقدرتي على الضيافة.. أن أكون مضيفا نادرا وربما فريدا من نوعه». وأضاف: «أنا شخص مرح، مفعم بالحياة. أحب الحياة وأحب النساء». وتابع رئيس الوزراء الإيطالي أنه يحق له أن يأخذ قسطا من الاستجمام بعد إجهاد العمل الذي يتطلب منه العمل 19 ساعة يوميا طوال أيام الأسبوع. وأضاف: «أعيش حياة صعبة تتطلب جهودا تفوق طاقة البشر. لا أحد يعمل مثلي حتى الثانية والنصف صباحا». ومضى يقول: «بين الحين والآخر، أشعر بحاجة إلى مساء أسترخي فيه.. ألقي فيه بعض النكات بغرض العلاج الذهني وتنقية دماغي من هذه المشاغل، وأعتقد أن هذا جزء من شخصيتي، وفي سني هذه لا يمكن للشهرة أن تدفعني لتغيير أسلوب حياتي». وتطرق بوضوح أكثر إلى المشكلة، فقال إنه ساعد الفتاة عندما كانت في مشكلة مع الشرطة، وإنه حاول العثور لها على مأوى، لكنه نفى دفع أموال لها أو القيام بأي تدخل غير قانوني في النظام القضائي.

وبدورها، اعتذرت الفتاة وقالت: «إنني آسفة عن كل ما حدث»، مضيفة أنها تأسف لأنها تسببت في إزعاج «أشخاص أرادوا فقط مساعدتي ولم يطلبوا أي شيء في المقابل».

* خدمة «نيويورك تايمز»