عمليات الخداع الاستخباراتية تسلط الضوء على توتر علاقات المسلمين مع المباحث الأميركية

أحدثت أثرا مفزعا لدى رواد المساجد.. ومخاوف من معتنقي الإسلام الجدد

TT

قام عملاء فيدراليون بالتظاهر بأنهم عملاء سريون لتنظيم القاعدة، في عملية خداع استخباراتية استمرت شهورا، استخدمت خلالها نصوص القرآن في إرسال رسائل مشفرة.

عندما ألقت السلطات الفيدرالية القبض على فاروق أحمد، الأميركي من أصول باكستانية (34 عاما) هذا الأسبوع بتهمة التخطيط لتفجير محطة قطارات مترو رويال شمال ولاية فيرجينيا، اختلفت الجماعات الإسلامية في الولاية حول ما ينبغي أن يقال علنا.. هل يدينون الرجل صراحة ويشيدون بتطبيق القانون، أم أن عليهم أن ينتظروا؟

ومع ورود تفاصيل عملية القبض، تجنب الكثير من أفراد الجالية المسلمة التصريح بأي شيء للغرباء، واكتفوا بالتعبير لبعضهم بعضا عن قلقهم من الأساليب التي استخدمت في الإيقاع بفاروق.

وقد سلط هذا التناقض الضوء على العلاقة المعقدة والمثيرة للقلق في كثير من الأحيان بين هيئات إنفاذ القانون والأميركيين المسلمين ـ حيث يشير البعض إلى معاناتهم من مثل ذلك العام الماضي تحديدا، من خلال عدد كبير من العمليات الشبيهة بعملية الخداع هذه داخل الجالية المسلمة.. فهناك شعور متنام لدى المسلمين بأن السلطات تتجسس عليهم حتى وإن تعاونوا مع مكتب التحقيقات الفيدرالي في محاربة الإرهاب.

وكان لهذه الشكوك أثر عميق، حيث يقول بعض أئمة المساجد إن المصلين في تلك المساجد أصبحوا فجأة غير مرحبين بالغرباء، والذين اعتنقوا الإسلام حديثا، ويقول بعض المسلمين إنهم وجدوا أنفسهم يتحسبون لما يقولونه، ولمن يحدثونه، وينظرون للناس في مجتمعهم بعين الشك لاحتمال أن يكونوا مخبرين يتربصون بهم حتى يتم القبض عليهم.

وقال إبراهيم هوبر، المتحدث الرسمي باسم مجلس العلاقات الأميركية - الإسلامية، الذي أنهى مكتب التحقيقات الفيدرالي تعاونه معه العام الماضي حول جهود الدعم «إن العلاقة بسلطات إنفاذ القانون متوترة الآن. فهناك نوع من الحصار المفروض على الكثير من الجاليات المسلمة، فالناس يفترضون أن هناك عملاء ومخبرين في مساجدهم الآن باعتبار ذلك واقعا».

بيد أن مكتب المباحث الأميركية أكد أنه لا يجري تحقيقات بشأن جاليات مسلمة أو مساجد بل بشأن أفراد، حيث صرحت المتحدثة باسم المكتب، كاثرين شويت، قائلة «سوف نلتزم بالمعايير الدستورية عندما نحتاج إلى التحدث مع الأفراد الذين نود التحدث معهم. لكننا لا نسعى لاختراق أي شيء سوى الأفراد الذين يسعون لإيذاء الآخرين». وكان أكثر من 60 مواطنا أميركيا قد اتهموا أو أدينوا في قضايا إرهاب العام الماضي، بحسب ما أفاد به مسؤولون فيدراليون.

وقال الإمام جوهري عبد الملك، إمام مسجد دار الهجرة، إن مسجده يعمل عن قرب مع مسؤولي إنفاذ القانون، لكنه أوضح في الوقت ذاته أنه يعتقد أن عمليات الخداع الاستخباراتية أحدثت أثرا مفزعا لدى رواد المسجد. ويقول «عندما يدخل غريب مسجدنا الآن، خاصة البيض الذين تحولوا إلى الإسلام، لا يتحدث معه الناس، فهم ينظرون إلى أحدهم ولسان حالهم يقول إنه متشدد إلى حد ما، ولا يثير الكثير من الريبة، ربما يكون عميلا، ومن ثم يطلبون منه التحدث معي».

في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) تحملت المساجد في الولاية المشاق حتى تثبت رغبتها في التعاون مع السلطات، حتى إنهم دعوا مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى العشاء، ومنحوا عملاء فيدراليون جوائز، كما يعقدون اجتماعات ربع سنوية مع عملاء فيدراليين من أجل التواصل وبناء العلاقات، بل ويتم إبلاغ هؤلاء العملاء أنفسهم بجرائم الكراهية والثأر وأي مظاهر أخرى للخوف المرضي من الإسلام. وأضاف عبد الملك «نحن نفضل أن يأتوا من الباب الرئيسي علنا عن أن يأتوا من الباب الخلفي، لكن هذه العلاقة ذات اتجاه واحد، فبينما نخبرهم بكل ما نعرفه، لا يخبروننا بالكثير مما يفعلونه في صفوف جالياتنا، ربما ينبغي أن يكون الأمر كذلك عندما يكون كل شيء قيد التحقيق، لكن هناك قضية بناء الثقة».

يشير المسلمون في الولاية إلى بعض الحالات التي تابعوها في الآونة الأخيرة والتي تقف كأمثلة على القضايا الشائكة التي يواجهونها في التعامل مع مكتب التحقيقات الفيدرالي، فعندما لاحظ آباء خمسة شبان مسلمين العام الماضي غياب أبنائهم، أبلغوا السلطات الفيدرالية، لكنهم فوجئوا في يونيو (حزيران) بإدانتهم بتهمة الإرهاب في باكستان. تمثل دعوى قضائية أقامها رجل من كاليفورنيا ضد مكتب التحقيقات الفيدرالي أهم ملامح الهوة بين السلطات والجاليات المسلمة، فالرجل يقول إنه عمل كمخبر لأربع سنوات، ظل خلالها يجول المساجد في مدينة إرفين بحثا عن متطرفين، لكن لم يؤكد مكتب التحقيقات الفيدرالي ذلك أو ينفه. لقد استشهد مسلمون بهذه القضية كثيرا كدليل على تجسس السلطات، التي حاولوا أن يساعدوها لسنوات، عليهم. وبعد إقامة الدعوى القضائية العام الماضي بفترة قصيرة، هددت جماعات أميركية مسلمة بقطع العلاقات مع مكتب التحقيقات الفيدرالي نتيجة لما أطلقوا عليه أساليب «حقبة ماكارثي». وقالت شويت «القول إننا نرسل عملاء يجولون المساجد غير صحيح، فهناك حماية تامة للحقوق التي نصت عليها التعديلات الدستورية الأولى، وإذا لم تتضمن محادثة ما نشاطا إجراميا، فما التأثير غير المحبب الذي يمكن أن تحدثه؟».

لكن يقول بعض المسلمين في الولاية إن المخبرين وعمليات الخداع الاستخباراتية بدأت تتطرق بالفعل إلى حياتهم اليومية.

فتقول ميريام عبد الرحمن، التي تدير خدمة دفن إسلامي في مدينة شانتيلي «أتمنى أن أستطيع أن أتصرف على طبيعتي، فرغم وجود حرية تعبير في هذا البلد، ليس في وسعنا أن نعبر عما نفكر به دائما. يجب أن نتحسب لمن نتحدث وما الذي نقوله. ليس هذا أمرا جيدا».

* خدمة «نيويورك تايمز»