مدينة الصدر تتنفس الصعداء بعد تراجع سطوة «جيش المهدي»

حفلات الزفاف الصاخبة تعود بعد غياب دام سنوات.. وصالونات الحلاقة تزدهر مجددا

نضال حسين في محلها المتخصص ببيع فساتين الزفاف في مدينة الصدر (نيويورك تايمز)
TT

هل من المبكر إعلان ربيع مدينة الصدر؟ كان هذا هو المشهد في مساء قريب في حي يشتهر بمسلحين متشحين بالسواد وتقاليد متشددة: شباب ذوو تسريحات شعر على الموضة يلعبون البلياردو على مناضد مجاورة للرصيف، ومقاه تعج بمدخني النارجيلة والأفلام الأميركية وحفلة زفاف صاخبة تدق بها الطبول واستوديوهات تصوير تعرض صورا لنساء أكتافهن عارية.

ربما كان كل ذلك خطيرا قبل عام أو اثنين، لكنه يمثل الآن ليلة أخرى في هذا الحي المترامي الأطراف الذي يعد القلب الشيعي النابض داخل بغداد منذ فترة طويلة.

وبينما تراوح جهود تشكيل حكومة عراقية مكانها منذ سبعة أشهر حتى الآن، قد يقدم التحول الكبير بمدينة الصدر لمحة تنبئ بالمرحلة المقبلة في البلاد. ويظهر داخل الحي، الذي قمعه صدام حسين وكان مخيفا في مقاومته للغزو الأميركي ووحشيا في تنكيله الديني، نمط حياة يمزج بين العلمانية والدين.

وقال مجيد لطيف (32 عاما) الذي كان يتجول مع أصدقائه في يوم جمعة بعد تجمع المئات في الميدان الرئيسي للصلاة: «ليست المتاجر وحدها الشيء الجديد، حيث يغير الشباب هنا آراءهم ومواقفهم». وأضاف: «لا يدفعنا أحد إلى التفكير بطريقة بعينها. التدين متاح وأنا أتقرب إلى الله، لكن الذين يصلون ويذهبون إلى المساجد يلعبون كذلك البلياردو ويرتادون المقاهي».

لقد سيطر جيش المهدي، وهو جماعة مسلحة تتبع رجل الدين مقتدى الصدر فرضت نهجا متشددا، على الكثير من السبع سنوات الماضية. وكان يختبئ سكان المدينة في منازل مزدحمة ولم يكن الآباء يسمحون لأبنائهم بالخروج من المنزل بعد حلول الظلام، لكن بعد سيطرة قوات الشرطة والجيش العراقي، تحول الصدر وأتباعه إلى قوة انتخابية ليفوزوا بـ40 مقعدا في الانتخابات العامة في مارس (آذار).

ولم تعد قوتهم في الشوارع ولكن داخل البرلمان. وبدوره سمح جيش المهدي، الذي طالما مثل عنفه تهديدا يدفع نحو تهميش الصدريين، لسكان المدينة بأن يلعبوا.

وقال عمار كريم (26 عاما) الذي كان يلعب البلياردو على منضدة على الرصيف: «هؤلاء الفاشلون الذين كانوا يزعمون أنهم يقومون بذلك من أجل الإسلام، لا حول لهم ولا قوة حاليا. لا يستمع الناس إليهم الآن».

لكن تبقى ذكريات الماضي بالقرب من السطح، فيرى البعض أن هذه المناضد نتاج التاريخ، فقد منع صدام حسين كل المظاهر الشيعية، ثم بدأ الناس بطبيعة الحال يبحثون عن الاحتفالات الدينية، لكن اكتفى الناس من هذا حاليا وبدأوا يبحثون عن الراحة وأدركوا أنهم أحرار الآن».

وتذكر سعد صابر (34 عاما) في صالون حلاقة صغير حلاقته اللحى سرا لأنه كان ينظر إلى ذلك على أنه مخالف للشريعة الإسلامية. وقال مترددا في ذكر جيش المهدي: «لقد كان من يسيطرون على الحي يقتادون ذوي تسريحات الشعر الغريبة من الشارع إلى المسجد، ثم كانوا يضربونهم ويحلقون رؤوسهم». وأضاف مرددا جملة شائعة هنا: «الآن أستطيع أن أفعل ما يحلو لي والحمد لله».

ويقول البعض في المدينة إن مقاتلي جيش المهدي المسجونين بدأوا يعودون إلى الحي بعد دعم الصدر لرئيس الوزراء نوري المالكي في الشهر الحالي. وقال حيدر مزبان (24 عاما) الذي يرتدي قميصا رماديا إن جيش المهدي، مركزا على كلمة جيش، يمكن أن يعود المسلحون في أي وقت. وقال إنه في هذه الأثناء: «يستغل الفرصة لسماع الموسيقى في سيارتي وتناول الخمر». وتشهد مدينة الصدر، مثل مناطق أخرى من بغداد، ازدهارا في حفلات الزفاف. ويقول حيدر علي حسين (28 عاما) إنه مدّ فترة خطوبته لأكثر من عام بسبب الظروف الأمنية وعندما تزوج أخيرا منذ شهرين أقام حفل زفافه في الشارع وكانت به موسيقى ورقص. وأوضح قائلا: «كان الناس في السابق يقيمون حفلات الزواج سريعا إن أقاموا حفلا، وبالطبع لم يكن هناك رقص في الشارع لأنهم كانوا خائفين».

والآن حفلات الزفاف في كل مكان. وقالت نضال حسين، التي تعمل في متجر «برينسيس برايد» لتأجير وبيع فساتين الزفاف المطرزة والملونة، إنها ساعدت على تجهيز 50 زفافا في الشهر مقارنة بـ15 أو 20 قبل عام. وأضافت «لم نتلق أي تهديدات، لكن تم إغلاق المتاجر الأخرى ومحلات تصفيف الشعر»، مضيفة أنه مع استقرار الأمن أصبحت أذواق العرائس أكثر انفتاحا. وقالت وهي تعرض فستانا أرجوانيا مطرزا بالجواهر ذا حمالات رفيعة يتم تأجيره مقابل نحو 50 دولارا في الليلة: «كانت النساء في السابق يطلبن غطاء للشعر والكتف، والآن يطلبن ما يحلو لهن».

لكن يظل هناك قدر من الحذر، حيث قال حماد كريم، الذي فتح صالة لألعاب الفيديو، إنه تم تحذيره من توصيل أجهزة الكومبيوتر بعضها ببعض حتى لا يستطيع اللاعبون أن ينافسوا بعضهم لأن «الناس هنا بسيطة ويعتقدون أن هذا مقامرة وبالتالي هو حرام».

ويؤدي باب لا يحمل أي لافتة في أحد شوارع الحي الرئيسية إلى مقهى بالطابق الثاني يسمى «عصير البرتقال» افتتح منذ خمسة أشهر. وقد سمي المقهى باسم أغنية لها مقطع مصور مبتذل. قال مدير المقهى، نوار صباح، إن المقهى مفتوح فقط لمن يعرفهم لأن السماح بدخول الغرباء قد يؤدي إلى مشكلات. ويشاهد مرتادو المقهى مباريات كرة القدم أو أفلام الحركة الأميركية ويدخنون النارجيلة في أغلب الليالي. وأضاف نوار: «يأتي الناس إلى هنا ويتحدثون بحرية في أي شيء يريدونه». وقال إن المالك كان عليه أن يؤدي قسما في مكتب الصدر بألا يقدم الخمور أو المخدرات. وأوضح أن هذا التساهل، الذي تشهده مدينة الصدر حديثا، لا يعني الابتعاد عن الدين. وتابع «نعم لقد أصبح الكثير من الشباب أكثر انفتاحا على أشياء جديدة ونغير مواقفنا وسلوكنا وتسريحات شعورنا وملابسنا تحاكي النمط الغربي، إلا أن ذلك لا يؤثر على قيمنا». وأضاف مشيرا إلى شعار «نايك» على القميص الذي يرتديه: «إنك ترى شعري وملابسي، لكنني أؤدي الصلوات، إنه اتجاه جديد لجيل جديد».

* خدمة «نيويورك تايمز»