الحظر الصيني للمعادن النادرة خلق تداعيات عالمية معقدة

مساع دولية للبحث عن مناجم جديدة.. والصين تدفع تكلفة بيئية عالية جراء هيمنتها على المواد الحيوية

TT

عندما علم تجار المعادن اليابانيون أواخر سبتمبر (أيلول) بأن الصين قد فرضت حظرا على تصدير إحدى السلع الحيوية، فإن هذا القرار لم يُعلن عنه عن طريق بيان حكومي رسمي، بل وصل إلى التجار عن طريق العاملين الصينيين في موانئ شنغهاي.

ويوم الخميس الماضي، بدأ التجار يسمعون أن الحظر الذي لم يُعلن عنه، والمفروض على ما يسمى بالمعادن الأرضية النادرة، قد انتهى.

ومرة أخرى، لم يتم هذا عبر بيان من الحكومة الصينية، ولكن من خلال معلومات خلفية من الموزعين.

وطوال خمسة أسابيع من الحظر، حتى عندما قامت الصين بتوسيعه ليشمل صادرت متجهة إلى الولايات المتحدة وأوروبا، فإن بكين كانت تنفي وجود أي حظر على تصدير هذه المواد. ومهما كانت التسمية، فإن تعليق تصدير هذه السلعة، الذي بدأ على خلفية نزاع دبلوماسي بين الصين واليابان حول سفينة صيد تحول إلى قضية تجارة دولية كبيرة.

وقد أثار هذا الحظر قلق الشركات التي تعتمد على المعادن النادرة، في جميع أنحاء العالم، وتستخدمها في تصنيع عدد كبير من المنتجات عالية التكنولوجيا، بما في ذلك الهواتف الذكية والقنابل الذكية.

وتسيطر الصين حاليا على جميع إمدادات العالم من المعادن الأرضية النادرة تقريبا، ويشهد الطلب على هذه السلعة ارتفاعا.

وبالنسبة للكثيرين من غير المتابعين، فإن الحظر غير المعلن عنه بدا كما لو كان لعبة إظهار قوة صرفة، وعلامة على أن الصين ستستخدم قوتها الاقتصادية المتزايدة وتقوم بتطبيق سياسية حظر وتضييق على مورد صناعي مهم، ولن تكترث بالتزاماتها التي تنص عليها اتفاقيات التجارة الدولية. إن نظام الحصص الذي لا تزال تفرضه الصين على صادرات المعادن الأرضية النادرة، حتى بعدما سمحت باستئناف التصدير وخروج بعض الشاحنات من الموانئ، يقيد الإمدادات العالمية من هذه المعادن، ويجعل الأسعار ترتفع في الأسواق العالمية بصورة أكبر بكثير مما تدفعه الشركات الصينية.

لكن من وجهة النظر الصينية، فإن الأمر يبدو مختلفا تماما، وتشعر الصين بالمسؤولية بسبب حسابات بيئية صعبة؛ إنها تسيطر حاليا على معظم الإمدادات العالمية من المعادن الأرضية النادرة ليس فقط بسبب ثروة جيولوجية جيدة، على الرغم من صحة ذلك جزئيا، ولكن لأنها كانت على استعداد للقيام بأعمال ملوثة وسامة ومشعة ترفض معظم بلدان العالم منذ فترة طويلة القيام بها.

وعلى الرغم من أنها تنتج 95 في المائة من المعادن الأرضية النادرة المنتجة عالميا، فإن احتياطات الصين المؤكدة من هذه المعادن تمثل 37 في المائة فقط من احتياطيات العالم المؤكدة. ومن المعروف أن هناك احتياطات كبيرة في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا والهند والبرازيل وعدد آخر من الدول.

واستجابة للطلب المتزايد على هذه المعادن النادرة، وبسبب القلق الذي أثاره الحظر الأخير، فإن كثيرا من تلك البلدان بدأت في البحث عن مناجم جديدة أو تجديد المناجم الموجودة، التي طالما اعتبرت أنها لا تستحق كل هذا الجهد والعناء، ومن بين هذه المناجم منجم مهجور في ولاية كاليفورنيا الأميركية، تحاول شركة «مولي كورب» تجديده وإعادة تشغيله.

لكن الخبراء يقولون إن أي إنتاج جديد من خارج الصين لن يتم قبل خمس سنوات على الأقل، وسيأتي بحساباته الخاصة فيما يتعلق بالتكلفة البيئية.

وقال تشانغ بتشين، نائب مدير البحوث بمعهد «باوتو» لمعادن الأرضية النادرة المدعومة من الحكومة الصينية، وهو المؤسسة البحثية الرئيسي لهذه الصناعة في الصين: «إن إنتاج الصين من معادن الأرض النادرة لا يمكن زيادته بسرعة كافية لتلبية احتياجات العالم كله، كما أن هناك عوامل بيئية يجب أن تؤخذ في الاعتبار مع زيادة إنتاج هذه المعادن».

وفي جميع أنحاء الصين، شوهت مناجم المعادن الأرضية النادرة الوديان، من خلال تجريد التربة السطحية، وضخ آلاف الغالونات من الأحماض في المجاري المائية. والتكلفة البيئية واضحة هنا في باوتو، فقد أصبحت مدينة ملوثة بالدخان الكثيف الناتج عن عمل المناجم وصناعة الصلب. وتقع هذه المدينة في منطقة منغوليا الداخلية في الصين، حيث كان الهواء هذا الأسبوع لاذعا، وبه طعم معدني.

وتأتي نصف الإمدادات العالمية من المعادن الأرضية النادرة من منجم واحد لخام الحديد، يقع في شمال تلال باوتو. وبعد إزالة الحديد، يتم معالجة الخام في مصافي تكرير متهالكة في ضواحي باوتو الغربية، ويتم استخلاص المعادن الأرضية النادرة منها. وتقوم المصافي ومصانع خام الحديد بإلقاء نفاياتها في بحيرة اصطناعية هنا. والخزان، الذي تبلغ مساحته أربعة أميال متر مربعة، ومحاط بجسر ترابي ارتفاعه أربعة طوابق، يحتوي على رواسب رمادية داكنة ذات إشعاع خفيف، ومليئة بالمركبات الكيميائية السامة.

وهذه البحيرة القاتلة ليست بعيدة عن مساقط مياه النهر الأصفر، الذي يمد مناطق شمال الصين بمعظم احتياجاتها من مياه الشرب. ويغطي هذا الخزان مساحة تصل إلى 100 أضعاف مساحة بركة نفايات مصنع الألمنيوم التي انهارت الشهر الحالي في المجر، وأدى انهيارها إلى تضرر عدد من القرى، ومقتل تسعة أشخاص على الأقل.

وحتى قبل وقوع كارثة المجر، كانت السلطات في باوتو قد بدأت برنامجا لتعزيز السدود هنا. وتقوم جرافات ضخمة بإضافة طبقة سميكة من الصخور التي تم تكسيرها إلى السدود لحمايتها من العوامل الجوية القاسية في المنطقة.

ولكنه لم يكن أسفل الخزان معدا بشكل صحيح عندما بني منذ عقود، وذلك وفقا لمهندس يعمل في قطاع المعادن الأرضية النادرة، الذي أصر على عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الحكومة الصينية في تعاملها مع هذه المشكلة.

ويأتي معظم النشاط الإشعاعي المرتبط بالمعادن الأرضية النادرة من عنصر الثوريوم، وهو عنصر غير نادر، ولكنه يوجد عادة في نفس الخام. ومع استثناء تشكيلات الصلصال غير العادية في جنوب الصين، التي تحتوي على المعادن الأرضية النادرة المتوسطة والثقيلة ولا تحتوي على عنصر الثوريوم، فإن كل الاحتياطات التجارية المعروفة للمعادن الأرضية النادرة في العالم مليئة بعنصر الثوريوم.

ويعمل المهندسون والمحامون في أستراليا منذ ثلاثة عقود من أجل البحث عن سبيل آمن وقانوني لإنتاج المعادن الأرضية النادرة من منجم غني جدا في وسط البلاد، عند «مونت ويلد». ويأمل مالك المنجم الحالي، شركة «لاينس كوربورشن»، في بدء الإنتاج على نطاق صغير في أواخر العام المقبل، على الرغم من التحديات التقنية التي لا تزال تواجها. وكان منجم المعادن الأرضية النادرة، الذي تملكه شركة «مولي كورب»، ويقع في موانتين باس بولاية كاليفورنيا، في وقت من الأوقات، المصدر الرئيسي لهذه المعادن في العالم.

وكان ذلك قبل أن يسرب سوائل مشعة إلى صحراء مجاورة في أواخر تسعينات القرن الماضي، مما تسبب في عملية تنظيف مكلفة أدت إلى إغلاق المنجم في عام 2002. وبحلول ذلك الوقت، فإن الأسعار المنخفضة للمعادن الأرضية النادرة التي تنتجها الصينية جعلت الإبقاء على المنجم غير ذي جدوى اقتصاديا.

* خدمة «نيويورك تايمز»