حزب مغربي يدعو بوتفليقة إلى توفير الشروط لنقاش حقيقي حول القضايا العالقة بين البلدين

مصادر مغربية: إصابة المنشق الصحراوي ولد سيدي مولود برصاصة عقب محاولة فرار

TT

اعتبر حزب يساري مغربي القفز على الإشكالات العالقة بين المغرب والجزائر، بدعوى دعم الشعوب لتقرير مصيرها، بأنه هروب من مواجهة الحقيقة التي هي الأساس والمنطلق.

ودعا الحزب العمالي الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إلى تهيئة وتوفير الشروط لنقاش أخوي مغربي - جزائري حقيقي وصادق حول كل القضايا العالقة بين البلدين بما فيها احترام سيادة المغرب ووحدة ترابه، التي هي المدخل الوحيد لتوفير مناخ الثقة المفقودة خلال السنوات الماضية.

وأضاف الحزب العمالي في رسالة وجهها أمس إلى الرئيس الجزائري أنه لا جزائر قوية ومستقرة في غياب مغرب قوي ومستقر.

وزاد قائلا: «مصالحنا متداخلة ومصيرنا مشترك، أحببنا أم كرهنا، بل ستسجل علينا الأجيال القادمة التي هي في حاجة لأجوبة مجتمعية ملموسة أننا أخطأنا الطريق، وزرعنا ألغاما لن تجني من ورائها هذه الأجيال سوى الدمار والمأساة».

وخاطبت الرسالة الرئيس بوتفليقة متسائلة: «ماذا يعني فخامة الرئيس إصرار دولة الجزائر على اقتناء أسلحة متطورة هجومية وفتاكة، بأموال باهظة تخدم مصالح التكتلات الصناعية المصدرة للدمار على حساب تنمية الشعوب وازدهارها؟».

وزادت الرسالة متسائلة: «أليس في عالمنا العربي نماذج لأنظمة راكمت السلاح، وافتعلت حروبا وهمية لإضفاء الشرعية على خياراتها، فكان مصيرها إما العزلة أو الزوال؟».

وأشارت الرسالة إلى أن ملف الصحراء عرف تعاقب عدة شخصيات وازنة كلفت من لدن الأمم المتحدة لإيجاد صيغة كفيلة بإخراج المنطقة من التوتر والجمود، وأن كل تلك كل المجهودات المبذولة وصلت إلى الباب المسدود «مما يحتم علينا جميعا تحمل مسؤولية الخروج من نفق مظلم قد يجر المنطقة بأكملها نحو المجهول».

وذكرت الرسالة أن إضافة كيان صغير وغير وازن في المنطقة لن يكون في المستقبل إلا لعبة في يد مصالح أجنبية، على حساب استقلال المنطقة وازدهارها وقدرتها على التفاوض مع جيرانها من موقع وحدوي وقوي، مشيرة إلى أن ما يقع في منطقة الساحل، حيث تلتقي الجريمة المنظمة والإرهاب والتطرف الديني لمؤشر خطير، هو بداية لمشروع سيستهدفنا جميعا، مما يحتم علينا التنسيق والتفكير في حلول جماعية، وأن ذلك لن يتأتى إلا بتعبئة شعوبنا وتأطيرها وزرع قيم الأخوة فيما بينها، مع نبذ كل أشكال الحقد وإحداث قطيعة حقيقية مع الماضي بكل شجاعة وتجرد.

وأثارت الرسالة، التي قررها المجلس الوطني للحزب، انتباه الرئيس بوتفليقة لما يجري منذ أكثر من 30 سنة داخل الأراضي الجزائرية من انتهاك صارخ لأبسط حقوق الإنسان المتعارف عليها كونيا، مشيرة إلى اعتقال واحتجاز وتعذيب المنشق الصحراوي، مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، وقالت إن ذلك دليل على أن جبهة البوليساريو عاجزة عن استيعاب، بشكل ديمقراطي، أصواتا تعبر عن توجهات أخرى مغايرة لقيادتها وأكثر واقعية وباستقلالية تامة عن أي تأثيرات خارجية.

وعلى صعيد ذي صلة، قالت مصادر مغربية إن ولد سيدي مولود الذي كان يشغل منصب مفتش عام الشرطة، والمعتقل حاليا في مقر قيادة البوليساريو في تندوف، حاول الفرار من معتقله لكن محاولته لم تنجح، وأطلق عليه حراسه النار مما أدى إلى إصابته برصاصة في ساقه.

ونسبت وكالة الأنباء المغربية إلى مصادر في لجنة تطالب بإطلاق سراحه قولها إن أسرة ولد سيدي مولود تلقت معلومات تفيد بأنه حاول الفرار «من التعذيب الجسدي والضغط النفسي اللذين تمارسهما عليه جبهة البوليساريو، في مكان احتجازه منذ أكثر من خمسة أسابيع، وتعرض لإطلاق النار من طرف حراسه، وهو الآن يعاني إصابة في ساقه».

وأعربت اللجنة عن قلقها الشديد تجاه هذه التطورات وعن تخوفها مما قد يتعرض له من انتقام وتهديد لحياته، مطالبة بفتح تحقيق عاجل حول ملابسات إطلاق النار على ولد سيدي مولود وتعريض حياته للخطر.

ونددت اللجنة بالضغوطات التي تمارس عليه لإجباره على العدول عن موقفه الداعم لمشروع الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب لتسوية نزاع الصحراء. ونددت اللجنة أيضا بمنع السلطات الجزائرية وجبهة البوليساريو لعائلة مصطفى ولد سيدي مولود من زيارته.

وكان ولد سلمى زار المغرب وعقد مؤتمرا صحافيا في مدينة سمارة في الصحراء، وأعلن أنه بات مقتنعا بمقترح الحكم الذاتي، وأنه سيعود إلى مقر قيادة «البوليساريو» للدفاع عن هذا المقترح.

إلى ذلك، قال عبد الكريم بن عتيق، الأمين العام للحزب العمالي المغربي، إن حكام الجزائر من عسكر ومخابرات لا يهدأون في معاكسة حق المغرب التاريخي على أراضيه الجنوبية، وذلك على الرغم من المجهودات التي بذلتها بلاده لإنهاء هذا الصراع المفتعل باقتراحها منح الصحراء حكما ذاتيا موسعا، يضمن للمواطنين فيها تدبير شؤونهم بأنفسهم في ظل السيادة المغربية، والسماح بحق كل التعابير داخل الوطن التي تضمن حرية الاختلاف والتعدد.

وأشار بن عتيق، الذي كان يتحدث أمس أمام اجتماع للمجلس الوطني للحزب، في دورته الجديدة التي أطلق عليها اسم «المناضل مصطفى سلمى ولد سيدي مولود»، والذي عقد تحت شعار «مغرب متعدد ضمن مغرب موحد» إلى أنه إذا كان المغرب قادرا على استيعاب هذه التعابير في ظل مناخ ديمقراطي وهامش أوسع لحقوق الإنسان، فإن الجزائر تمارس قبضة الحديد والنار داخل مخيمات تندوف (مخيمات البوليساريو)، وبمنطق خارج سياق التاريخ والمتغيرات الكونية، واضعة المنطقة رهينة لحساباتها البائدة، وفاتحة المجال لتوسع وانتشار شبكات تهريب المخدرات وكل أنواع الأسلحة، ما يجعل منطقة الساحل مجالا خصبا لتوسع نفوذ الإرهاب وتنظيم القاعدة.

وتساءل بن عتيق، وهو وزير سابق في حكومة التناوب التوافقي، التي رأسها عبد الرحمن اليوسفي، الأمين العام السابق لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية: «لمن تتسلح الجزائر بأحدث ترسانة عسكرية؟»، وقال إن الوضع الجيوستراتيجي يحتم طرح هذا السؤال.

وزاد متسائلا: «هل تستعد الجزائر لمواجهة دول شمال حوض البحر الأبيض المتوسط (فرنسا - إسبانيا - إيطاليا - اليونان - صربيا) أم لترهيب الأشقاء في تونس وليبيا؟ أم للهيمنة وفرض الزعامة على شمال أفريقيا؟».

وفي الشأن المغربي الداخلي، قال بن عتيق إن أهم السمات السياسية الراهنة «سبق أن حددتها ولخصتها الورقة السياسية التي قدمت باسم المكتب السياسي بمناسبة انعقاد المجلس الوطني الأخير يوم 23 مايو (أيار) الماضي بالقنيطرة، والتي صادق عليها هذا الأخير»، مشيرا إلى أن المجلس الوطني للحزب أجمع على أن ظاهرة العزوف السياسي أضحت معطى سياسيا ثابتا ومخيفا وذلك منذ انتخابات 2007، مرورا بالانتخابات الجماعية (البلدية) لسنة 2009، والتي على الرغم من المجهودات الاستثنائية التي بذلت وعلى الرغم من طبيعة الانتخابات نفسها القائمة على معطى القرب حيث المواطن يعتبر نفسه معنيا مباشرة بها.

وزاد بن عتيق قائلا: «إن العزوف السياسي ظل سيد الموقف»، وعزاها إلى خيبة الأمل التي لحقت بتطلعات كل الطبقات ذات المصلحة في التغيير، وذلك من جراء ما تمخضت عنه مرحلة التناوب التوافقي من الابتعاد التدريجي للمشهد السياسي عن مقتضيات الانتقال الديمقراطي، وتنامي اتساع الهوة بين المواطن والسياسة، وتفشي ثقافة اليأس واللامبالاة في صفوف عامة الشعب المغربي، والتي غذتها بعض الجهات الإعلامية بالهجوم الممنهج على الأحزاب الوطنية، وتبخيس عملها، محملة إياها مسؤولية التردي الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، إضافة إلى تنامي تأثير سلطة المال والنفوذ على هيكلة المشهد السياسي، وتأثيره القوي على ابتعاد هذا المشهد السياسي عن مقتضيات الانتقال الديمقراطي».