العراق: بريق الذهب يخفت في عيون الصاغة المهددين بالقتل في أي لحظة

ارتفاع سعره جعله هدفا جذابا للعصابات.. وتاجر: حتى لو وضعنا مدفعا فلن نتمكن من حماية متجرنا

لم يعد لدى أبو إيهاب الكثير لبيعه، فقد سرق منه المسلحون معظم الحلي الذهبية في محله ببغداد (نيويورك تايمز)
TT

داخل متجر أمجد عابد الصغير للذهب، تجد نصف طاولات ونوافذ العرض فارغة وذكريات نجليه الراحلين حاضرة في الثقوب التي أحدثتها طلقات الرصاص في الجدران. وقد اقتحم ثلاثة مسلحين المتجر، في الربيع الماضي، وقاموا بنهب ما فيه من الخواتم التي ترتديها العرائس في حفلات الزفاف، والقلادات التي يشتريها الأزواج لزوجاتهم في ذكرى زواجهم، وقاموا بقتل نجلي التاجر عابد، اللذين كانا يديران المتجر.

ويقول عابد، (55 عاما): «لقد فقدت ابنيّ، وفقدت كل أموالي. لا أستطيع أن أصف ما حدث». ما حدث، وفقا لمسؤولين، كان جزءا من حلقة العنف التي لا تزال دائرة في العراق، فقد قتل أكثر من 40 شخصا في عمليات سطو استهدفت متاجر الذهب والمجوهرات في مناطق مختلفة من العراق خلال الأشهر الستة الماضية. ويوم الثلاثاء، هاجم مسلحون مجهولون يحملون قنابل يدوية وقذائف صاروخية أكبر سوق للذهب في مدينة كركوك بشمال العراق، مما أسفر عن مقتل 10 أشخاص وإصابة 15 آخرين.

وقد أظهرت عمليات السطو قوة المسلحين وعصابات الجريمة وأنهم لا يزالون قادرين على استغلال الثغرات الأمنية. وعلى الرغم من أن عمليات الهجمات الدامية في العراق تراجعت بشكل حاد، ويرجع ذلك جزئيا إلى الإجراءات الأمنية الصارمة وتراجع العنف الطائفي بين الجماعات السنية والشيعية، فقد رصد المسؤولون وقوع الكثير من الاغتيالات والتفجيرات والسرقات البسيطة، وذلك لأن جماعات التمرد بدأت تتحول إلى العمليات الإجرامية على نحو متزايد.

وقال البرجيدير جنرال رالف أو بيكر، نائب قائد القوات الأميركية في بغداد: «أنت ترى زيادة في الهجمات الصغيرة التي تقع في بغداد أكثر مما اعتدنا أن نراه من تنظيم القاعدة في الماضي. هذه محاولة من (القاعدة) لتأكيد حضورها مرة أخرى في المدينة».

ويقول مسؤولون أمنيون إن تراجع حجم جرائم العنف هو علامة على أن الأمن قد تحسن، وأن المتمردين هم أقل قدرة على القيام بالتفجيرات الضخمة التي كانوا يقومون بها خلال ذروة الصراع الطائفي، لكن الاعتداءات غير المتوقعة تثبت ضعف العراق، في الوقت الذي تستعد فيه الولايات المتحدة لسحب قواتها المتبقية والبالغة خمسين ألف جندي، ومع استمرار الخلاف بين السياسيين العراقيين حول تشكيل الحكومة الجديدة.

وقال اللواء قاسم عطا، المتحدث باسم قيادة عمليات بغداد، إن عمليات السطو هذه تستخدم لتمويل شبكات مثل تنظيم القاعدة، لكن لم تعلن أي جماعة مسؤوليتها عن الهجمات التي استهدفت محلات الذهب والمجوهرات، ولم تعلن الشرطة عن اعتقال أي شخص على صلة بهذه الهجمات.

وتشير التقارير الأخيرة المقبلة من مناطق مختلف في العراق إلى أن المهاجمين يستخدمون بشكل متزايد كواتم للصوت لقتل ضباط الشرطة، ويقومون بتفجير سيارات فردية باستخدام قنابل مغناطيسية، ويشنون هجمات على التجار الأثرياء الذين ليس لديهم حماية كافية، خاصة تجار الذهب والمجوهرات. وقد ارتفعت أسعار الذهب بنسبة 25 في المائة في العام الماضي، لتتجاوز 1300 دولار للأوقية، مما جعل محلات الذهب هدفا جذابا للعصابات الإجرامية بصورة متزايدة. ولكن عمليات السطو التي قتل فيها عدد من الأشخاص أثارت خوف تجار الذهب، مما دفع بعضهم إلى إغلاق محلاتهم بصورة مؤقتة ويقول آخرون إنهم يضطرون إلى تغيير ساعات عملهم كل بضعة أيام.

وقد أدى هذا إلى تباطؤ العمل بهذه المتاجر والمحلات، حتى إن بعضهم فكر في تصفية أعماله بصورة نهائية.

ولكن البعض الآخر لم يستطع القيام بذلك، ويتساءل فهد الطائي (22 عاما) الذي بدأ جده نشاط بيع الذهب في كربلاء، ونقله والده إلى العاصمة «ماذا سنفعل إذا كان لنا أن نبيع الذهب؟ نحن لا نعرف أي عمل آخر. نحن الآن ننتظر الموت».

وقام تاجر آخر اسمه أبو أحمد، 48 عاما، بسحب المجوهرات من نافذة العرض الأمامية، وإخفاء مسدس أسفل زجاج نافذة العرض الداخلية، وهو ما يقوم به الكثير من التجار: «أضع رصاصة في داخله، حتى يكون جاهزا. لكن حتى مع ذلك فنحن لن نستطيع حماية أنفسنا. وحتى لو وضعنا مدفع هنا، لن نتمكن من حماية متجرنا».

ويقول ضباط الأمن وشهود عيان إن هذه السرقات تتم بحرفية عالية، حيث يقوم اللصوص بإطلاق النار على النوافذ، ويقومون بسرعة بقتل الموجودين في المتجر ونهب الذهب والمجوهرات، في حين يقف شخص واحد يراقب عند الباب.

وقال الكثير من تجار الذهب إن قدرة أفراد هذه العصابات على الهروب والاختفاء بسرعة في مدينة مليئة بالاختناقات المرورية وتنتشر بها المئات من نقاط التفتيش، جعلهم يشكون في تورط بعض ضباط الشرطة في هذه العمليات. وقال محمد عبد الحسين آل صالح، الذي يعمل في متجر للمجوهرات في حي الكرادة المزدحم: «إنهم عديمو الفائدة، نحن لا نعتمد على الشرطة أو الجيش. الله وحده هو الذي يحمينا». في حي البياع هنا، يوجد تاجر ذهب اسمه أبو إيهاب يدير متجر ذهب قتل فيه شقيقه وابن شقيقه واثنان من أبناء عمه في مايو (أيار)، في واحدة من هذه الهجمات التي قتل فيها نجلا التاجر عابد المجاور له. وقال إنه لم يتبق له شيء ليبيعه إلا القليل من المال الذي اعتمد عليه في محاولة استئناف عمله، وهو يقضي معظم اليوم وهو يعيد تذكر ما حدث، قائلا: «لم يظهروا أي رحمة، جاءوا للقتل. نحن نشهد نوعا جديدا من الجرائم في العراق».

* خدمة « نيويورك تايمز»