السياسيون الأميركيون يواجهون وسائل الإعلام الإخبارية بجنون

الحملات الانتخابية من نيويورك إلى ألاسكا تعج بالمواجهات العدائية ضد الصحافيين

TT

يرجح أن يذكر هذا العام في التاريخ تحت اسم «عام الناخب الغاضب»، لكنه سيكون كذلك عام انتخابات سيتميز بنوع آخر من الغضب، حيث يسمح السياسيون لشعورهم بالازدراء إزاء وسائل الإعلام ليصل إلى درجة يصعب معها السيطرة عليه.

ويعج موسم الحملات الانتخابية لعام 2010 من نيويورك إلى ألاسكا بالمواجهات العدائية والغريبة للغاية بين المرشحين ووسائل الإعلام الإخبارية. وحتى قبل أن تصل العلاقة بين السياسيين والصحافة لأسوأ حالاتها قبل أسبوعين، عندما قيد حراس جو ميلر، المرشح الجمهوري لعضوية مجلس الشيوخ عن ولاية ألاسكا، صحافيا، فقد وجه الديمقراطي العدواني تشارلز رانغيل، من حي هارلم، انتقادات لمراسل قناة «إم إس إن بي سي» أمام الكاميرات.

وقال رانغيل في يوليو (تموز) الماضي رافضا سؤالا عن قضيته الخاصة بانتهاك الأخلاق: «إنه سؤال غبي ولن أرد عليه»، وأضاف بمرح: «إليّ بالسؤال التالي».

وخلال الشهر الماضي، تم فض اشتباك بين كارل بالادينو، المرشح الجمهوري لمنصب حاكم ولاية نيويورك ومراسل لصحيفة «نيويورك بوست»، حيث تلاسن الاثنان أيضا أمام الكاميرات، بشأن تغطية الصحيفة لموضوع عن ابنة بالادينو التي جاءت من علاقة خارج نطاق الزواج.

وصرخ بالادينو غاضبا، وهو يشير بأصبعه إلى المراسل قائلا: «سوف أقضي عليك يا هذا».

وأسكتت شارون أنغيل، المرشحة الجمهورية لمجلس الشيوخ عن ولاية نيفادا، التي أثارت ضيق الصحافيين برفضها المتكرر الإجابة عن أسئلتهم مؤخرا، مراسلا لقناة تلفزيونية محلية، قبل أن يتمكن من نطق السؤال. كذلك منعت حملة أنغيل الانتخابية دخول محطتين تلفزيونيتين إلى حفلتها الجمعة الماضي، بعد أن فاجأها مراسلوها بأسئلة في المطار.

وهددت كريستين أودونيل، المرشحة الجمهورية لمجلس الشيوخ، الأسبوع الماضي في ديلاوار بإقامة دعوى قضائية على محطة إذاعية، إذا أذاعت شريطا مصورا لمقابلة أجرتها مؤخرا.

ولأسباب كثيرة أصبحت دورة الانتخابات تشهد اتجاه الكثير من المرشحين إلى تجنب وسائل الإعلام الإخبارية المعتادة لصالح الشبكات الاجتماعية أو منابر إعلامية يعتقدون أنها مؤيدة لبرامجهم الانتخابية. لكن صعد بعض السياسيين بغضهم للصحافيين وعدم ثقتهم بهم، إلى مستوى متقدم من خلال شن هجوم مباشر على الصحافة كمؤسسة.

لقد جعلت سارة بالين، التي كثيرا ما تبدو فخورة بازدرائها لما تسميه «الإعلام الكسيح»، وعضو مجلس النواب مايكل باكمان من ولاية مينيسوتا، الذي اتهم الصحافة بالخيانة، من انتقاد الصحافيين رياضة لهما هذا العام.

وفي حين يظل التوتر بين الصحافة والسياسيين عاملا فاعلا في الحملات الانتخابية، تلاشت سلوكيات طالما منعت بشكل عام العلاقات من التحول إلى عداء شامل.

وقالت نيكول والاس، المخططة الاستراتيجية السابقة لجورج بوش وجون ماكين: «وصلت العلاقة بين السياسيين والإعلام، خاصة من جانب اليمين، إلى مستوى متدن». وأضافت: «هناك مرشحون جمهوريون يستطيعون القيام بالأمرين معا، وهما التحدث إلى قاعدة الحزب الجمهوري، ويكونون متشككين وليسوا محتقرين للإعلام. وهناك كذلك جناح سارة بالين داخل الحزب الذي أصبح مرتابا منذ فترة طويلة ودخل في حرب مع الإعلام».

وتعد بالين، التي لا تتلطف في كلامها، العدو الأول للصحافة من اليمين، حيث نعتت، في مقابلة مع سين هانيتي، المضيف بقناة «فوكس نيوز»، الصحافيين الذين يستعينون بمصادر لا يتم الكشف عن هويتها بـ«العاجزة والكسيحين والجبناء» كرد فعل لمقال عنها نشر في مجلة «فانيتي فير» به اقتباسات لمصادر لم يكشف عن هويتها.

وقد استخدمت المقابلة مع هانيتي أيضا لانتقاد صحافي من «كونجريجيشانل كوارترلي» لم تسمه قائلة: «أيها المراسل الأحمق» لأنه كتب أن السيدة بالين سعت إلى التعاقد لإلقاء كلمة في ولاية أيوا، وهو ما نفته بالين.

وقالت بالين، الحاصلة على شهادة في التواصل ومذيعة البرامج الرياضية المحلية السابقة، في خطاب وداعها كحاكمة لولاية ألاسكا: إن الصحافة «يمكن وينبغي أن تكون مهنة محترمة وصادقة»، وأضافت: «لهذا تموت قواتنا من أجلكم. فلماذا لا تكفون عن اختلاق الأشياء تقديرا لشرف الجندي الأميركي؟».

ويقول خبراء في وسائل الإعلام الإخبارية: إن استراتيجية مهاجمة الصحافة ربما يكون لها معنى، كلعبة سياسية بحتة، ففي حين أظهرت استطلاعات الرأي أن أغلب الجمهوريين والمحافظين يرتابون من وسائل الإعلام الإخبارية، تزداد المشاعر السلبية بين الديمقراطيين والليبراليين.

وقد كشف استطلاع رأي عن المواقف الشعبية إزاء وسائل الإعلام الإخبارية - الذي يجريه مركز أبحاث «بيو ريسيرش» كل عامين - العام الماضي، أن الديمقراطيين مسؤولون إلى حد كبير عن تزايد الآراء السلبية عن وسائل الإعلام. حيث صرح 59 في المائة من الديمقراطيين لأول مرة العام الماضي بأن تقارير المؤسسات الإخبارية كثيرا ما تكون غير دقيقة، مقارنة بـ43 في المائة عام 2007.

وأوضح مايكل ديموك، المدير المشارك في المركز، أن هذا الرقم يعكس اتجاه الديمقراطيين لتحميل الصحافة جزءا من المسؤولية عن الأحداث المؤسفة الأخيرة، لكنه قال إنه يعتقد أن الأمر يتعلق بشيء أكبر، وهو فقدان الثقة في مؤسسات الكبرى.

وقال ديموك: سواء كانت الصحافة أو الحكومة، «فمصداقية الكثير من المؤسسات في أميركا متدنية» وأضاف: «سم ما شئت من أسماء، لكن من الصعب إيجاد جماعة أو مؤسسة لا ينظر إليها بعين الريبة هذه الأيام».

ويتفق مخططون استراتيجيون سياسيون على أن القسوة التي اتسمت بها الانتقادات الموجهة للصحافة هذا العام تبدو مختلفة.

وقالت دانا بيرينو، المستشارة الجمهورية التي كانت متحدثة رسمية باسم البيت الأبيض أثناء حكم إدارة بوش: إن التوتر، على ما يبدو، يتعدى المفاهيم عن تحيز الصحافة للتوجه الليبرالي التي ظلت لفترة طويلة. وأوضحت قائلة: «أعتقد أن هناك شيئا أكبر يحدث».