البرازيليون انتخبوا روسيف أول رئيسة لبلادهم تشبثا بمواصلة مسيرة لولا

«امرأة حديدية» ولدت لأب مهاجر بلغاري تضع اجتثاث الفقر ضمن أهم أولوياتها

برازيلي يطالع صحيفة تصدر موضوع فوز روسيف بالرئاسة صفحتها الأولى، في ريو دي جانيرو، أمس (أ.ب)
TT

انتخبت ديلما روسيف، التي دعمها الرئيس المنتهية ولايته لويس إيناسيو لولا دا سيلفا لخلافته، رئيسة للبرازيل أول من أمس بحصولها على 56 في المائة من الأصوات في الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية مقابل 44 في المائة لخصمها الاشتراكي الديمقراطي جوزيه سيرا، لتصبح بذلك أول امرأة تتبوأ سدة الرئاسة في تاريخ هذه القوة الاقتصادية الثامنة في العالم. وشكرت روسيف مرشدها السياسي لولا، متعهدة بمواصلة جهوده من خلال اجتثاث الفقر من البلاد، وذلك في أول خطاب لها بعد الفوز، حيث بدت على الرئيسة المنتخبة علامات التأثر. وعلى وقع أناشيد حماسية، اجتاح آلاف المناصرين شوارع المدن الرئيسية في البرازيل للاحتفال بفوز مرشحة حزب العمال (يسار).

وتدين روسيف بفوزها بشكل رئيسي إلى الرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا الذي لا تزال شعبيته في أوجها بحسب استطلاعات الرأي، كما أنه دعمها بالكامل طوال فترة الحملة الانتخابية. وبعد ثمانية أعوام في الحكم، كسب لولا رهانه الأخير من خلال نجاحه في انتخاب المرأة التي اختارها لخلافته في يناير (كانون الثاني) الماضي. وعلى الرغم من معدل قياسي للتأييد الشعبي، فإن الدستور يمنع على لولا الترشح لولاية ثالثة. لكن حتى لو غادر هذا العامل السابق في مجال صناعة المعادن، والبالغ من العمر 65 عاما، قصر بلانالتو الرئاسي، فسيحافظ على نفوذ كبير داخل الحكومة.

وبعد أن وجهت «بتأثر شديد» الشكر للولا، قالت الرئيسة المنتخبة «سأقرع مرارا بابه وأعلم أنه سيبقى دوما مفتوحا». واعتبرت أمام أنصارها الذين تجمعوا داخل فندق كبير في برازيليا، أن «مهمة خلافته صعبة وتمثل تحديا، لكنني سأعرف كيف أكرم هذا الإرث وأوسع مداه». وجددت روسيف التزامها العميق بـ«اجتثاث البؤس لدى جميع البرازيليين والبرازيليات». وأضافت «لن نستكين، طالما أن هناك برازيليين يعانون الجوع».

واستطاع لولا انتشال 29 مليون برازيلي فقير من حالة البؤس التي كانوا يعيشونها، كما نجح في تخفيض معدلات البطالة وتوفير صحة جيدة للاقتصاد الوطني، جالبا الازدهار إلى هذا البلد، الذي يضم 193 مليون نسمة وتبلغ مساحته ضعف مساحة الاتحاد الأوروبي. وأكد وزير المال غيدو مانتيغا، الذي يشغل هذا المنصب منذ عام 2002 أن «الشعب صوت لصالح استمرارية هذه الحكومة، وسنواصل التنمية من خلال استحداث وظائف وتعزيز الاستهلاك الداخلي».

وليلة فوزها وبعد حملة انتخابية حافلة بالتهجمات الشخصية، أبدت ديلما روسيف حرصا على التوافق مع المعارضة، معلنة «مد اليد» إليها وداعية إلى «الوحدة». وفي وقت لاحق، هنأ خصم روسيف الانتخابي جوزيه سيرا الرئيسة المنتخبة، إلا أنه أحجم عن تلقف يدها الممدودة. وقال هذا الحاكم السابق لساو باولو «إلى الذين تصوروا أننا خسرنا، أن نضالنا الحقيقي بدأ لتوه». ووجهت روسيف، التي تلت خطابا أشبه ببرنامج العمل، بعيدا عن التصريحات الارتجالية للولا، انتقادات إلى سياسة الحمائية من جانب الدول الغنية وطالبت بـ«قواعد أكثر وضوحا» لمكافحة المضاربة التي تزيد من هشاشة العملات.

ومن المفترض أن تكمل روسيف احتفالات الفوز عند ساحة الوزارات في قلب العاصمة الفيدرالية التي اجتاحها المناصرون. وفي الخارج، كان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أول المهنئين للرئيسة المنتخبة، إذ أشار إلى أن فوزها «يشهد على امتنان الشعب البرازيلي للعمل اللافت الذي أنجزته مع الرئيس لولا لجعل البرازيل بلدا حديثا وعاجلا». أما وزير خارجيته برنار كوشنير، فأكد في معرض تهنئته الرئيسة الجديدة أن على فرنسا والبرازيل أن تكملا سويا تعاونهما من أجل «عولمة أكثر تنظيما». من جهته أشاد زعيم اليسار الراديكالي في أميركا اللاتينية الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز، بفوز مرشحة الحزب العمالي، قائلا إنه: «سيرسل قبلة إلى عزيزته ديلما» واصفا إياها بـ«عملاقة أخرى» من عمالقة السياسة في أميركا اللاتينية.

وديلما، كما يحلو للبرازيليين تسميتها، هي امرأة لا تتمتع بالكثير من الكاريزما ولم تنتخب في أي استحقاق سابق، وقد ناضلت ضد الديكتاتورية العسكرية في سبعينيات القرن الماضي. ولدت ديلما عام 1947 في ميناس جيريس، لأب بلغاري مهاجر وأم برازيلية، وناضلت في صفوف حركة المقاومة المسلحة في أوج الديكتاتورية في البرازيل. وتم توقيفها عام 1970 في ساو باولو، وحكم عليها بالسجن ست سنوات غير أنه أفرج عنها في نهاية 1972 من دون أن تخنع تحت وطأة التعذيب. وفي بداية 1980 أسهمت في إعادة تأسيس الحزب الديمقراطي العمالي (يسار شعبوي) بزعامة ليونيل بريزولا، قبل انضمامها إلى حزب العمال في 1986. وفي الحكومة التي لعبت فيها دورا أساسيا، اكتسبت روسيف سمعة «المرأة الحديدية»، لشدتها وطاقتها الكبيرة على العمل.

ولإدراكها أن الفوز بالانتخابات يمر أيضا عبر التلفزيون، فقد خضعت لعدة عمليات جراحة تجميلية. وبدت إثرها أكثر نضارة وأنحف وزنا وتخلت عن نظاراتها السميكة التي كانت تعطيها صورة المجتهدة أكثر منها ذكية. وأعلنت العام الماضي أنها خضعت للعلاج من السرطان، مما أسهم في تخفيف حدة صورتها لدى الجمهور. ويقول الأطباء إنها شفيت من المرض. وديلما «السيدة الحديدية» مطلقة بعد أن تزوجت مرتين. وهي أم لابنة تدعى باولا، وأصبحت جدة منذ بداية سبتمبر (أيلول) الماضي.