بوادر أزمة دبلوماسية بين روسيا واليابان بسبب جزر متنازع عليها

استدعاء سفيري البلدين وتقديم مذكرتي احتجاج بعد زيارة ميدفيديف إلى الكوريل

TT

في خطوة وصفها اليابانيون بالاستفزازية، قام الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف أمس بزيارة جزيرة كوناشير، إحدى جزر أرخبيل الكوريل المتنازع عليها منذ سنوات الحرب العالمية الثانية بين الاتحاد السوفياتي واليابان بعد هزيمة الأخيرة وفرض الأولى لسيطرتها على هذه الجزر التي تواصل اليابان تسميتها بالأراضي الشمالية.

وبينما وصف رئيس وزراء اليابان ناوتو كان، هذه الزيارة التي تعتبر الأولى لرئيس روسي منذ احتلال الجزر في أربعينات القرن الماضي بأنها «أمر مؤسف»، قامت وزارة الخارجية اليابانية باستدعاء السفير الروسي في طوكيو لتسليمه مذكرة احتجاج جاء فيها: «إن زيارة السيد ميدفيديف إلى الأراضي الشمالية ستشكل عقبة خطيرة على طريق العلاقات بين البلدين»، بينما هددت باتخاذ إجراءات جوابية قد تصل إلى سحب السفير الياباني من موسكو. وفي المقابل أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أن الرئيس ميدفيديف رئيس روسيا قام بزيارة أراض روسية ولا معنى لأي احتجاج من جانب اليابان بهذا الشأن، بينما أعلن عزمه على استدعاء سفير اليابان في موسكو لتسليمه مذكرة احتجاج واستيضاح لما صدر عن المسؤولين اليابانيين من تصريحات وصفها لافروف بـ«غير الودية». كذلك، أعلن ميخائيل بيلي سفير روسيا في طوكيو، عقب استدعائه إلى الخارجية اليابانية أن زيارة الرئيس ميدفيديف شأن داخلي، مؤكدا دعوته إلى الجانب الياباني بضبط النفس والتمسك بالعقلانية ومراعاة الطابع الاستراتيجي لعلاقات البلدين وما يربطهما من صداقة، على حد تعبيره.

وجاءت هذه الزيارة التي سبق أن وعد ميدفيديف بالقيام بها، في توقيت بالغ الحرج نظرا إلى إتمامها قبيل زيارته لليابان للمشاركة في منتدى التعاون في آسيا والمحيط الهادي في وقت لاحق من الشهر الحالي. ومن المعروف أن روسيا تعتبر هذه الجزر التي تشمل ايتوروب وكوناشير وشيكوتان وهابوماني، أراضي روسية سبق أن استولت عليها اليابان في مطلع القرن العشرين، بينما أكد ميدفيديف مصلحة بلاده في تنميتها وتوفير الظروف الملائمة لاستمرار بقاء الرعايا الروس هناك.

ورأى محللون أن زيارة الرئيس الروسي إلى جزر الكوريل التي تطالب بها اليابان، تعكس فتورا في العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، لكن لا يتوقع أن تؤثر على مبادلاتهما الاقتصادية نظرا إلى اعتماد طوكيو على موارد الطاقة الروسية. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن فاليري كيستانوف، رئيس مركز الدراسات اليابانية في أكاديمية العلوم الروسية، قوله إن «ميدفيديف بتوجهه إلى هناك أظهر أنه زعيم قوي وأن روسيا ليست بلدا يخضع رئيسه إلى إملاء من الخارج بشأن أين يمكنه الذهاب أو عدم الذهاب». وأضاف كيستانوف: «إذا كانت اليابان ردت بهدوء على رغبة ميدفيديف في التوجه إلى جزر الكوريل لما كان تسبب ذلك في توتر العلاقات، لكن الفعل يؤدي إلى رد فعل»، موضحا أنه كان على الرئيس الروسي، لعدم «فقد ماء الوجه»، المضي حتى النهاية في مشروعه بعد رد فعل طوكيو العنيف.

ويرى هذا الخبير أن رد فعل طوكيو العنيف هذا ناجم أساسا عن رغبة الحزب الحاكم في التمكن من تحسين صورته على الساحة السياسية اليابانية. وأوضح أن الحزب الديمقراطي الياباني الذي تولى الحكم مؤخرا «كثيرا ما يتعرض في الواقع للانتقاد بسبب افتقاره إلى الخبرة في مجال السياسة الخارجية والدبلوماسية». واعتبر أن هذا هو السبب الذي جعل اليابان تقرر إظهار سياسة الحزم حيال روسيا. إلا أن المحللين يرون أن هذا الفتور السياسي لن يكون له تأثير كبير على العلاقات الاقتصادية بين البلدين. فرغم أن اليابان هي الشريك الثاني لروسيا في آسيا بعد الصين مع حجم مبادلات بلغ 30 مليار دولار عام 2008 مقابل 4 مليارات عام 2005، فإن طوكيو أكثر اعتمادا - بكثير - على روسيا وعلى مواردها الطبيعية من اعتماد الأخيرة عليها. وقال رولاند ناش، المحلل في بنك «رونيسانس كابيتال» للاستثمار، إن «روسيا هي أكبر مصدر للموارد الطبيعية في آسيا». واعتبر هذا المحلل أنه «من المؤكد أن أهمية العلاقات بين البلدين أكبر كثيرا بالنسبة إلى اليابان منها بالنسبة إلى روسيا». وأضاف أن اليابان «في حاجة إلى مواردنا من الطاقة، وهي لن توقف وارداتها». وعلاوة على ذلك، يقول ناش إنه حتى إذا كانت روسيا تنمي مبادلاتها مع اليابان، فإن الصين لا تزال هدفها الأول في السوق الآسيوية، حيث تريد موسكو تعزيز وجودها إجمالا. وقال: «اليابان واحدة من محفزين كبيرين للنمو الاقتصادي في آسيا. ولا شك في أنه من المهم لروسيا أن تبقى على علاقة طيبة باليابان، لكن هل هي بأهمية العلاقة مع الصين نفسها؟.. لا. وهل هي بأهمية العلاقة مع أوروبا نفسها؟.. لا أيضا».