تنامي أصحاب الثروات في الهند يدفعهم للإنفاق أكثر على العمل الخيري

عدد مليارديرات الهنود زاد 25 في عام.. وشركات تكنولوجيا المعلومات في مقدمة الجهات المانحة

TT

جمعت أسرة مالكاني ثروتها من بيع تذاكر الطائرات وتنظيم الرحلات السياحية لأفراد الطبقة الوسطى المتنامية في الهند، وتأسيس أول شركة هندية للسياحة والسفر على الإنترنت.

ويعتبر أفراد أسرة مالكاني الآن من بين عدد متزايد من رجال الأعمال الهنود الناجحين الذين يضيئون دربا جديدا هو العمل الخيري.

وتقول إنجيل مالكاني، التي ساعد زوجها أسرته على بدء هذه الأعمال التجارية: «في الماضي، إذا سافر أحد الهنود، كان نادرا ما تجد 25 شخصا يذهبون لتوديعه في المطار بإكليل الزهور. لكن هذا قد تغير تماما، لقد كنا محظوظين وأصبحنا نتمتع بالكثير من المزايا في حياتنا. ونحن نريد أن نرد الجميل».

ومع استمرار تنامي الثروة في الهند، فإن عددا متزايدا من الأثرياء وأصحاب الملايين هنا قد وجدوا بعض السبل لبذل المزيد من أجل دعم الفقراء، لا سيما أن الجهات المانحة الأجنبية تعاني الآن من أزمات مالية، بما في ذلك الولايات المتحدة، مما اضطرها إلى تقليص المساعدات والمنح التي تقدمها للفقراء. وقد امتدت الرغبة في الإنفاق والمشاركة في الأعمال الخيرية لتضم بعضا من كبريات الشركات العاملة في الهند، خاصة الشركات التي تعمل في قطاع تكنولوجيا المعلومات.

وتوجد في الهند تقاليد قديمة من العطاء، فجميع الأديان الرئيسية بها، الهندوسية والإسلام والبوذية، تعتبر الأعمال الخيرية ومساعدة الفقراء ركنا أساسيا في الحياة السعيد والنبيلة. وقد كانت الأسر الغنية تقوم لفترة طويلة بحفر الآبار وبناء المدارس في القرى، وحتى أفقر مواطن في الهند يترك على الأقل روبية للأعمال الخيرية في المعبد أو المسجد. ولكن المشاركة الكبيرة للأثرياء والشركات الهندية في الأعمال الخيرية تعتبر ظاهرة حديثة جاءت متواكبة مع تزايد النمو الاقتصادي في الهند.

ويقول بريا فيسواناث، وهو خبير في العمل الخيري: «كان المال قديما يستخدم للحد من حدة الفقر وتنمية المجتمعات المحلية، خاصة في المصانع، من خلال توفير الخدمات وتقديم التسهيلات للعمال. لكن المال الآن يهدف إلى تمكين الفقراء من المشاركة في عملية الازدهار».

وقد ارتفع عدد المليارديرات الهنود من 27 في 2009 إلى 52 هذا العام، وفقا لتقرير صادر عن مؤسسة «باين» العالمية للاستشارات. وكان نصف الـ25 مليارديرا الأكثر ثراء في آسيا هنودا، وذلك وفقا لدراسة أجرتها مؤخرا مجلة «فوربس».

وخلال زيارة قاما بها إلى الصين الشهر الماضي، حث بيل غيتس وبافيت ارن، المليارديرات الآسيويين على المساهمة بالمزيد في دعم الأعمال الخيرية. وقالا إن تجمعا مماثلا للأثرياء الهنود سيكون الهدف المقبل لدعوتهم.

ووفقا للتقرير «باين»، فإن المساهمات الخيرية التي يقدمها مليارديرات الهند تزيد عن تلك التي يقدمها مليارديرات الصين، ولكنها تقل عن مساهمات نظرائهم في الدول المتقدمة، التي من بينها الولايات المتحدة.

وتمنح الوكالة الأميركية للتنمية الدولية الهند 131 مليون دولار سنويا لتمويل تعليم الفتيات والبرامج الزراعية ومشاريع الطاقة الشمسية. ولكن هذا التمويل كان مصدر حرج للحكومة الهندية لفترة طويلة، حيث إن الحكومة قد أقامت تحالفا مع الشركات الهندية للحد من ظاهرة الفقر، وقال ناريندرا جادهاف، وهو عضو بارز في لجنة التخطيط للتنمية الاقتصادية التي يرأسها رئيس الوزراء الهندي، مانموهان سينغ: «يتعين على الشركات وطبقة الأثرياء المتنامية في الهند أن تقدم الكثير، لأن تحقيق الأرباح يحتاج إلى حالة استقرار. ويجب على الشركات، بدافع من النظر للمصلحة الذاتية برؤية مستنيرة، الانضمام إلى الجهود الهادفة إلى تغيير أوضاع المحرومين في الهند من خلال تمكينهم من المشاركة في حالة الازدهار التي تشهدها الهند».

ويقول مسؤولون أميركيون وهنود كبار إن الرئيس أوباما سيركز في لقاءاته مع كبار رجال الأعمال، خلال زيارته للهند المقررة هذا الشهر، على سبل دعم الطبقة المتوسطة المتنامية في الهند وانتشال مئات الملايين من براثن الفقر.

وقال مسؤول كبير في الحكومة الأميركية: «العلاقة بين الهند والولايات المتحدة لم تعد علاقة بين دولة مانحة وأخرى متلقية للمنح. لقد أصبحت علاقة أكثر ندية، ونحن نتطلع للمساعدة في دعم ذلك الاتجاه».

ومع ذلك، فإن بعض الأغنياء في الهند يقولون إنهم لا يقدمون الكثير للمؤسسات الخيرية لأنهم لا يعلمون كيف سيتم إنفاق هذه الأموال. وقال أربن شيث، وهو شريك في مؤسسة «باين» ومؤلف التقرير سالف الذكر: «يوجد في الهند شعور عام بعدم الكفاية، لذلك لم يصل العمل الخيري في الهند إلى ذروته بعد. لذلك لا تزال هناك حاجة لمزيد من المؤسسات حتى يشعر الناس بمزيد من الراحة تجاه الأعمال الخيرية، وهناك قدر كبير من الثراء. والسؤال الآن سيكون ماذا نفعل بهذه الثروة؟».

وفي الشهر الماضي، تبرعت مجموعة «تاتا» الهندية بمبلغ 50 مليون دولار لكلية هارفارد للأعمال، وهي أكبر منحة تتلقاها المؤسسة من أي جهة خارجية. وجاءت هذه المنحة بعد يوم من قيام رجل الأعمال الهندي أناند ماهيندرا، المتخرج في جامعة هارفارد، بمنح مركز العلوم الإنسانية بجامعة هارفارد 10 ملايين دولار.

وقال شيث: «كان هناك الكثير من الانتقاد لهذه المنح في الهند، وتساءل الهنود: لماذا لم يتم إنفاق هذه الأموال هنا؟ لكن آخرين كان يقولون، حسنا، المؤسسات هناك في جامعة هارفارد. والجميع يعلم أين سيتم إنفاق الأموال بصورة واضحة».

وقد عاد ديفال سنغافي وزوجته، نيرا نوندي، اللذان كانا يعملان في المصارف الاستثمارية في نيويورك إلى الهند مؤخرا، ويديران الآن مؤسسة «داسرا» التي مقرها مدينة مومباي، وتقدم المساعدة للمانحين المحتملين، من خلال دراسة 3.4 مليون منظمة غير حكومية تعمل في البلاد بصور رسمية لتحديد أيها سيقوم بأفضل الأعمال بأموال المتبرعين. وفي مارس (آذار) الماضي، عقدا أول منتدى للمؤسسات الخيرية في الهند لتعريف المانحين المحتملين بالبرامج الخيرية التي يمكن تنفيذها، كما نظما ورش عمل فصلية وزيارات لمشاريع المدارس والمؤسسات الصحة.

وقال سنغافي، الذي نظم مؤخرا حلقة تبرع ضمت 10 من كبار الأثرياء المعروفين بإسهاماتهم في الأعمال الخيرية، بما في ذلك مالكاني، التي ستدفع 600 ألف دولار إلى المدارس العامة في مدينة مومباي على مدار السنوات الثلاث المقبلة: «في الهند، هناك حاجة ملحة وروح حقيقية للعطاء. نريد أن نخلق مجتمعا من أصحاب الأعمال الخيرية الذين يشجعون بعضهم بعضا».

بعد ظهر أحد الأيام الأخيرة، زارت مالكاني مؤسسة «سلام بئلاك»، وهي ملجأ تقدم له المساعدة. وكان الأطفال هناك يستعدون للاحتفال بديوالي، واحد من أهم الاحتفالات الهندية، وقد نظمت هذه الحفلة تحت رعاية مصرف هندي كبير ودعم من عشرات المهنيين الشباب، وبدا أن البعض قد غمرته المشاعر في البداية، لكن في غضون بضع دقائق كان الجميع يرقصون مع الأطفال.

وبينما كانت الحلوى تقدم للأطفال، أوضحت مالكاني أن والدها كان طبيبا ينتمي إلى الطبقة الوسطى، وكان يقدم المساعدة في كثير من الأحيان لمرضاه الفقراء، وفي أحد الأيام، ترك أحد المرضى، الذين لم يكن باستطاعتهم في الماضي سداد فاتورة الكشف، توصية لوالدها بشأن صعوبات التكفل برحلته.

وقد وجدت أسرة مالكاني هذه الوصية بالفعل بعد ذلك، وقررت أن تبدأ به شركة خاصة لسياحة والسفر، وقالت مالكاني: «لقد استفادت عائلة والدي من كرم هذا الرجل. آمل أن يبدأ الكثيرون في الهند مثلي في القيام بأعمال خيرية، فبالعطف نستطيع تجاوز كل الآلام».

* خدمة واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»