عضو في هيئة كبار العلماء السعودية يعارض استهداف «الكنائس»

على خلفية الهجوم الذي استهدف كنيسة «سيدة النجاة» في بغداد

TT

سجل رجال دين سعوديون موقفا معارضا لما تعرضت له إحدى دور العبادة المسيحية ليلة أول من أمس في العاصمة العراقية بغداد، بعد هجوم نفذته «القاعدة»، وخلف مقتل 52 ضحية.

فما خلفته تلك الحادثة الأليمة التي أقدم عليها بعض المتطرفين دينيا في العراق ربما يكون تحولا كبيرا في العلاقة بين «المسلمين والمسيحيين» للناحية الإيجابية، بعد أن كانت بعض الآراء المتزمتة دينيا ترفض ظهور الآخر من أتباع الديانات الأخرى بأي شكل من الأشكال. وتجلى التحول الجذري في العلاقة بين أتباع الديانتين في ظهور رجال دين بارزين في السعودية ممن لهم ثقل على مستوى الوطن العربي والإسلامي، مطالبين بضرورة قبول الآخر، وسبق ذلك الطلب التنديد والاستنكار للحادثة التي تعرضت لها كنسية بغداد أول من أمس الاثنين الأول من نوفمبر «تشرين الثاني» الجاري.

فما يراه البعض تحولا، لا يراه رجل الدين السعودي البارز الشيخ الدكتور قيس بن محمد آل الشيخ مبارك عضو هيئة كبار العلماء في السعودية كذلك، على اعتبار أن المبارك يستند على حجة بينة في التعاطي مع الآخرين، تجلت في استدلال وضعه الشيخ السعودي في مواجهة نقاش «الشرق الأوسط» له فيما يتعلق بتعامل المسلمين مع غير المسلمين.

عضو هيئة كبار العلماء السعودي قابل هذا التفاعل الإنساني بالقول إن «غير المسلمين كانوا يعاملون معاملة الرعايا من المسلمين، فيما عدا الأمور الدينية، فكانوا يخالطون المسلمين في الطرقات والبساتين والأسواق أخذا وعطاء وبيعا وشراء، بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي ودرعه مرهونة عند يهودي، وقد كان الإسلام يومها عزيزا، وكان اليهود في حالة من الذلة والصغار، وكان عليه الصلاة والسلام في غنى عن ذلك، وكأنه، صلوات ربي وسلامه عليه، يضع أمامنا برهانا للدلالة على مظهر التسامح، الذي فرضه الله عز وجل على المسلمين، وجعله شريعة محكمة، فالعدل والتسامح وصفان جليلان يؤكدان حرص الشرع على استدامتهما ما دام الليل والنهار».

وأسهب الشيخ قيس في تقديم عدد من البراهين على تعامل الرسول المرسل للمسلمين من رب العالمين مع أصحاب الديانات الأخرى، أو «المشركين» كما كان يطلق عليهم في ذاك الزمان، واستشهد بوفود «كانت تفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فيستقبلهم ويقربهم، ويعطي كبيرهم وسيدهم حقّه، فينزله المنزل اللائق به، وربما استقبلهم داخل حرم المسجد، كما فعل مع وفد ثقيف، الذين كانوا على الشرك حينها، حيث أنزلهم في المسجد». وأخذ الشيخ قيس على نفسه أن يبين جليا معاني تسامح الدين الإسلامي مع الآخر، ولعل «أعظم مظهر يتجلى فيه معنى التسامح في هذا الدين، وجود اليهود والنصارى في البلاد التي يحكمها المسلمون إلى اليوم، وقد مضى على ذلك أربعة عشر قرنا من الزمان، ولعلنا نرى وجودهم جماعات موزعة في الكثير من القرى والمدن دليلا آخر على أنهم في أمان وحفظ، فنجدهم في كثير من قرى الشام والعراق ومصر، فلم يضطروا إلى اللجوء إلى طرف منعزل من بلادنا، فضلا عن أن يلجأوا إلى بلاد مجاورة». ورغب عضو هيئة كبار العلماء في السعودية، وهي السلطة الدينية الأعلى مستوى في السعودية، بإيضاح في «عدم وجود غرابة في أن نجد فخرا واعتزازا بالإسلام من الأحرار من النصارى، الذين عاشوا سماحة هذا الدين، واستظلوا بظل عدله، فكان شكرهم للإسلام واعتزازهم بحضارته عنوان وفاء نقدره لهم ونشكرهم عليه، فحسن العهد وكرم الوفاء من أجل المروءات».

من جهته طالب الشيخ عبد الله النفيسان بضرورة التآخي مع الآخر وقبول ذوي الديانات الأخرى من غير المسلمين، مستنكرا بشدة الاعتداء على دار العبادة المسيحية في العاصمة العراقية، وأُزهقت أرواحا بريئة خلال إقدام متطرفين على الهجوم عليها في وضح النهار، وفيما يبدو من المعطيات الأولى أنهم يعملون لحساب تنظيمات متطرفة في العراق، تسير وفق خطى أجندات يحسب راسموها على الإسلام بشكل واضحٍ وصريح. وبالتأكيد فإن تلك الدعوات من رجال الدين السعوديين، تسهم بشكل أساسي في انكفاء أصوات وانزوائها على ذاتها، بعد أن واجهت تلك الأصوات أصواتا أخرى تنادي بضرورة تنحيها عن المنابر، التي تم استغلالها لتحقيق أهداف دنيوية، بعيدة كل البعد عن الأهداف الدينية، وانزوت أصوات كانت مساهمة في اتساع الفجوة بين المسلمين وغيرهم، خلال السنوات القريبة الماضية.

وقطع تلك الأصوات قرار رسمي تدعمه رغبة شعبية بضرورة إسكاتها مهما كلف الأمر، لا سيما بعد أن وجدت الرياض نفسها ليست ببعيدة عن استهداف «الإرهاب» لأمنها، وتجسد ذلك في هجمات البعض الكثير منها «فشل في تحقيق أهدافه» لوجود قرار رسمي أيضا، تعاضده رغبة شعبية ويستند عليها، لمواجهة ما يسمى «بخلايا القاعدة النائمة» التي أثرت فيها الأصوات المتشددة، وساقتها للاعتداء على أهلها، على اعتبار أن تلك الخلايا، كان يمثلها في الغالب، صغار سن، ممن استطاع التنظيم العائد من أفغانستان أن يستخدمهم قنابل تقض مضاجع ذويهم، ويجندهم لصالح أجندته التخريبية.