مصادر فرنسية لـ«الشرق الأوسط»: دعوة طهران لرعاياها بعدم التوجه إلى فرنسا «مثيرة للسخرية»

رفضت التشبيه بين المظاهرات الأخيرة التي شهدتها فرنسا والقمع الذي تعرض له المعارضون الإيرانيون

TT

ردت الخارجية الفرنسية على الدعوة التي وجهتها إيران إلى رعاياها بالامتناع عن التوجه إلى فرنسا وتوخي الحذر بسبب «خطورة الوضع» المتأتية عن المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، بأنها «مثيرة للسخرية» ومحاولة «للتغطية» على ما هو سائد في إيران والتمويه على الملف النووي الإيراني.

وقالت مصادر دبلوماسية فرنسية لـ«الشرق الأوسط» إن محاولات إيران «مكشوفة»، إذ إنها «دأبت على اتباع هذا الأسلوب عن طريق اختلاق الأخبار والتلفيق وتوجيه اتهامات أو ملاحظات لا أساس لها على الإطلاق»، مضيفة أن ما قالته الخارجية الإيرانية عن الوضع الأمني في فرنسا «لا يحتاج إلى تعليق بسبب حجم الاختلاق» الذي عمدت إليه الخارجية الإيرانية. وفي رأي باريس، فإن مثل هذه الأقوال والدعوات «تنزع الصدقية عن كل ما يمكن أن يصدر عن إيران، لأن الإيرانيين يريدون أن يسير العالم بالمقلوب».

ورفضت باريس الموازنة بين المظاهرات التي عرفتها فرنسا في الأسابيع الأخيرة التي هي «التعبير الأوضح» عن حرية الرأي وبين القمع الذي تعرض له الإيرانيون عندما نزلوا إلى الشوارع العام الماضي للاحتجاج على نتائج الانتخابات النيابية التي وصفوها بـ«المزورة».

وقالت الخارجية الفرنسية إن المشكلة الكبرى مع إيران، إلى جانب ملفها النووي، هي موضوع حقوق الإنسان والانتهاكات التي تتعرض لها على نطاق واسع، مما تمثل في آلاف الاعتقالات وأحكام الإعدام وخلافها، مضيفة أن المشهد الذي نراه في إيران «مثير للحزن».

وكان الناطق باسم الخارجية الإيرانية، رامين مهمان باراست، قال في مؤتمره الصحافي الأسبوعي، أمس، إن «الأزمة الاقتصادية والاضطرابات الاجتماعية أخذت في فرنسا بعدا أخطر مما هو عليه الوضع في باقي الدول الغربية، ونحن ندعو مواطنينا إلى عدم السفر إلى هذا البلد إذا لم تكن هناك ضرورة لذلك»، داعيا إلى «اتخاذ الإجراءات المناسبة لتوخي الحذر» في حال سفرهم إلى فرنسا.

وأشار المتحدث إلى أن هذا التحذير نشرته الوزارة على موقعها الإلكتروني وكذلك على الموقع الإلكتروني للسفارة الإيرانية في باريس.

وكانت فرنسا نصحت رسميا مواطنيها بعدم السفر إلى إيران إثر الاضطرابات التي تلت انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد لولاية ثانية في يونيو (حزيران) 2009، وهو تحذير لا يزال ساريا حتى اليوم. وخلال تلك الاضطرابات اعتقلت السلطات الإيرانية آلاف المواطنين وعددا من الأجانب بينهم الفرنسية كلوتيلد ريس التي أمضت قرابة عام معتقلة لمشاركتها في مظاهرة.

وفي آخر تحديث لإرشادات السفر لمواطنيها إلى إيران، أجرته وزارة الخارجية الفرنسية في أغسطس (آب) 2010، أشارت الوزارة إلى أن «الوضع لا يزال متوترا» في هذا البلد، حيث لا تزال «الاعتقالات والاستجوابات التي لا تستثني رعايا الدول الغربية» متواصلة، لتنصح الفرنسيين بـ«الامتناع عن أي رحلة غير ضرورية إلى إيران (...) سواء كانت رحلة عمل أم سياحة».

وكان ملايين الفرنسيين نزلوا إلى الشوارع في 19 و28 أكتوبر (تشرين الأول) للاحتجاج على إصلاح لنظام التقاعد يؤخر سن التقاعد الدنيا من 60 إلى 62 عاما، في حين شهدت مظاهرات عدة جرت احتجاجا على هذا الإصلاح خلال الأسابيع الماضية أعمال عنف.

ولا تفرض باريس قيودا غير عادية على الإيرانيين الراغبين في السفر إلى فرنسا غير المطلوبة للحصول على تأشيرات إن للإقامة أو لمتابعة الدراسة أو للسياحة. وتعطى التأشيرات بعد فحصها وفقا للمعايير المتبعة بموجب نظام «شينغين» الأوروبي مع الأخذ بعين الاعتبار الجوانب الأمنية.

وتقيم باريس وطهران علاقات دبلوماسية، ولكل منهما سفارة وقنصلية لدى الأخرى، كما أن هناك رحلات جوية متبادلة. وتشكو إيران بشكل عام من رفض الأوروبيين تزويد طائراتها التجارية بالوقود. وباستثناء الإيرانيين الممنوعين من السفر إلى فرنسا وبلدان أخرى بسبب وجودهم على لوائح الأمم المتحدة بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي وملحقاتها بالنظر إلى دورهم في البرنامج النووي، فإن باستطاعة أي مواطن إيراني تقديم طلب تأشيرة إلى فرنسا. وقالت الخارجية الفرنسية إن باريس «لا تريد إغلاق أبوابها أمام الطلاب الإيرانيين الذين يرغبون في متابعة دراستهم في معاهدها وجامعاتها». غير أنها بالمقابل، لا تشجع الطلاب الفرنسيين على الانخراط في الجامعات الإيرانية بسبب ما لحق الجامعية كلوتيلد ريس التي بقيت محتجزة لشهور طويلة في إيران بسبب اتهامات بالتجسس ثم أطلق سراحها بفضل تسوية بين باريس وطهران. ويقدر عدد الإيرانيين الموجودين في فرنسا بثلاثين ألفا. ويضاف إليهم عدة آلاف يحملون الجنسيتين، الفرنسية والإيرانية، فضلا عن وجود مجموعات من المعارضين إما من الموالين للنظام السابق أو من أنصار «مجاهدين خلق»، وبينهم مريم رجوي، المقيمة في مدينة متوسطة شمال باريس تدعي أوفير سور واز.