إرهاب «الفوضويين» يطال اليونان

الأزمة المالية والإجراءات الأوروبية تثير استياء الحركات اليسارية الراديكالية والشبان المهمشين

خبراء متفجرات يهرعون إلى مكان طرد مفخخ عثر عليه قرب مقر الرئاسة في أثينا أمس (رويترز)
TT

أخذت أعمال الشغب التي ينفذها في العادة شبان مرتبطون بجماعات يسارية راديكالية معروفة باسم الجماعات الفوضوية في اليونان، منحى جديدا، تمثل في إرسال طرود مفخخة متزامنة إلى عدد كبير من السفارات الغربية.

وتفيد مصادر أمنية أنه تم خلال اليومين الماضيين اكتشاف نحو 13 طردا مفخخا في أثينا وحدها، تمكنت الشرطة من إبطال مفعول عدد منها. واكتشفت الشرطة أمس عدة طرود مفخخة أرسلت إلى السفارات السويسرية والبلغارية والروسية والتشيلية والألمانية، انفجر اثنان منها على الأقل من دون أن يسفرا عن ضحايا. والطرد الأول انفجر في ساحة السفارة السويسرية وسط أثينا، مخلفا خسائر مادية بسيطة، في حين انفجر الطرد الآخر في السفارة الروسية وهو عبارة عن صندوق حديدي ألقاه مجهول من خارج سور السفارة، ولم يسفر هو الآخر عن إصابات. وفي وقت سابق أرسلت طرود أخرى إلى السفارات الهولندية والبلجيكية والبنمية إضافة إلى البرلمان اليوناني وعنوان منزل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. وأرسل طرد آخر إلى قسم شرطة ضاحية بنقراتي حيث يوجد مكتب بريد، تسبب انفجاره في إصابة موظفة في مكتب البريد.

وتأتي هذه الأحداث في سياق اجتماعي متوتر في اليونان قبل أيام من انتخابات محلية حاسمة للحكومة القائمة التي فرضت برنامج تقشف غير شعبي في محاولة لتسوية الديون الهائلة لليونان.

وحذر بيان رسمي صادر عن الحزب الشيوعي اليوناني من التهديدات والأخبار التي تبثها وسائل الإعلام التي تأتي في إطار المنافع الشخصية لجهات أو دول معينة وخلق مناخ استفزاز في البلاد، ودعا بيان آخر أكبر الأحزاب السياسية في البلاد إلى توخي الحذر معتبرا أن هذه التهديدات تشبه تهديدات زعيم القاعدة بن لادن ضد فرنسا والرئيس ساركوزي.

وقالت كاترينا باسكوبولو وهي طبيبة علم نفس، لـ«الشرق الأوسط»، إن مثل هذه الأحداث تهدف إلى الإرباك فقط، ويقوم بها شبان أو فتيان هدفهم الرئيسي زعزعة البلاد، وقد يأتي ذلك خوفا من المستقبل الذي ينتظرهم، مشيرة إلى أن الحكومة والمعارضة لا تهتمان هذه الأيام سوى بالانتخابات المحلية المقررة الأحد المقبل ولا تهتم بالمعاناة التي يعيشها الشارع اليوناني.

وتشهد أثينا حاليا إجراءات أمنية مشددة، للسيطرة على شبح الطرود المفخخة، واعتقلت الشرطة شابين، عثر بحوزتهما على أسلحة وسترة واقية من الرصاص ومعهما طرد مماثل لذلك الذي انفجر في شركة البريد. وذكرت الشرطة أن أحد الشابين، عمره 22 عاما، كان اتهم في وقت سابق بالانتماء إلى منظمة «خلايا مؤامرة النيران». وتستبعد الشرطة صلة الطرود المفخخة في اليونان بتنظيم القاعدة، وتعتقد أن لها صلة بمتمردين يساريين فوضويين، خاصة أولئك الذين يحتجون على السياسات الأوروبية ضد اليونان أو الإصلاحات الحكومية، لا سيما أن البلاد ستشهد انتخابات محليات الأحد المقبل وهناك اهتمام كبير بهذه الانتخابات من قبل الحكومة ورجال السياسة في حين يعاني الشعب من إجراءات تقشفية صارمة.

ووفقا للمصادر، فإن أحد المعتقلين المشار إليهما، كانت الشرطة تبحث عنه منذ أشهر بشبهة الانتماء إلى مجموعة «مؤامرة الخلايا النارية» الفوضوية. وتضم هذه المنظمة عناصر من الشبان والطلاب صغار السن، وتبنت منذ عام 2008 كثيرا من الاعتداءات التي لم توقع ضحايا من بينها هجوم بالمتفجرات على البرلمان اليوناني في يناير (كانون الثاني) الماضي.

يذكر أنه في يونيو (حزيران) الماضي انفجر طرد أرسل إلى وزير حماية المواطن (وزير الأمن العام) حينذاك ميخاليس خريسويودس، وانفجر الطرد في غرفة انتظار مكتب الوزير مما أدى إلى مقتل المسؤول عن أمن الوزير. وألقي القبض على تسعة من أعضاء حركة «مؤامرة الخلايا النارية» منذ ظهورها بعد عثور الشرطة في سبتمبر (أيلول) 2009 على مخبأ في إحدى ضواحي أثينا ووضع ثلاثة منهم في الحبس الاحتياطي، وكانت قد استخدمت الجماعات اليسارية المتطرفة والمسلحة اليونانية الرسائل الناسفة في الماضي ضد الوزارات والشركات الحكومية.

وقال ورغوس بانغوبولوس، وهو محلل سياسي لـ«الشرق الأوسط» إن عملية الطرود الملغومة والعمليات الاعتدائية من وجهة نظره ستظهر في الفترة المقبلة بصورة أكثر، نظرا للاحتقان الذي يعيشه الشعب اليوناني جراء الأزمة المالية وجراء السياسات الأوروبية السلبية ضد اليونان، حيث تدارست القمة الأوروبية الأخيرة اقتراحا باستثناء الدول الفقيرة والمدانة (مثل اليونان) من التصويت في قرارات الاتحاد الأوروبي، ولهذه السبب تم خلق قاعدة عريضة من الشعب اليوناني تكره وتغضب من الاتحاد الأوروبي.