الرئيس التونسي: بناء عالم أكثر أمنا واستقرارا بعيدا عن مظاهر التعصب والإرهاب يتوقف على مدى عنايتنا بالشباب

بن علي: لا شيء يهددهم أكثر من الفراغ القيمي والشعور بانسداد الآفاق

TT

قال الرئيس التونسي، زين العابدين بن علي، إن بناء عالم أكثر أمنا واستقرارا وأوفر عدلا ونماء بعيدا عن النزاعات والتطرف وشتى مظاهر التعصب والإرهاب، «يتوقف على مدى عنايتنا بالشباب وسهرنا على حسن تنشئته على القيم والمثل الكونية وإعداده أفضل إعداد ليكون في مستوى الآمال المعلقة عليه».

واعتبر الرئيس بن علي، في رسالة وجهها أمس إلى المشاركين في الندوة الدولية حول «الشباب وتحديات اليوم»، وتلاها نيابة عنه رئيس الوزراء، محمد الغنوشي - أن تلك العناية مسؤولية حضارية تتقاسمها جميع الدول والمجتمعات وسائر الهيئات والمنظمات العالمية المتخصصة، من خلال دورها في تعميق الوعي بمنزلة الشباب وفي دعم الجهود للنهوض بأوضاعه والسعي إلى الإصغاء إليه وأخذ مشاغله وتطلعاته في الاعتبار.

وزاد الرئيس بن علي قائلا: «لا بد من فتح المزيد من الآفاق أمام الشباب وتمكينه من اكتساب مقومات الفاعلية والاقتدار على مواجهة الصعوبات ورفع التحديات، وهي مهمة بالغة الدقة ورهان مطروح على الجميع في سياق التحولات التكنولوجية والاقتصادية والمعرفية التي انعكست على أنماط السلوك وأساليب العيش وأشكال العلاقات الاجتماعية بما يؤثر حتما في نظرة الشباب على القيم والمفاهيم المعهودة، ويبدل أشكال وعيهم وعلاقتهم بالمرجعيات الثقافية ويؤسس لواقع جديد لا بد من التعامل معه والتفاعل مع معطياته على الوجه الأمثل».

وأشار الرئيس بن علي إلى أن حركة التاريخ لا تتوقف، وأن أنساق التطور من مقتضيات التقدم وشروطه الحتمية، ومن مقومات تواصل ارتقاء الإنسان من حالة إلى حالة عبر العصور والأزمان.

«إن اهتمامنا بمشاغل الشباب وتطلعاته وحرصنا على الحوار معه وإشراكه في الحياة العامة وفي رسم معالم المستقبل - يقول الرئيس التونسي - تعد من أقوم المسالك التي تساعدنا على التصدي لتلك التأثيرات وتفادى القطيعة بين الأجيال، وعلى حفز الشباب إلى الاهتمام بشؤون وطنه وعالمه درءا لمخاطر الانزلاق إلى التعصب والكراهية والتطرف والإرهاب».

وأضاف الرئيس التونسي قائلا: «إنه لا سبيل إلى رفع هذا التحدي إلا بمقاربة شاملة ومتكاملة في جوانبها التربوية والتثقيفية والإعلامية تمكن الشباب من مرجعية قيمية يسهم من موقعه في تصورها وإنتاجها، مرجعية تواكب حركة التقدم والتطور وتكرس الثوابت والمبادئ الإنسانية السامية، مرجعية تحفز الشباب إلى تحقيق الذات بوعي ومسؤولية من خلال الفعل والإنجاز ومن خلال النضال في سبيل القضايا النبيلة والمثل العليا».

وشدد الرئيس بن علي على القول إنه من واجب المدرسة وفضاءات الثقافة والإعلام في العالم مضاعفة الجهد لإعلاء قيم البذل والعطاء والتضحية والتطوع والتضامن وغرسها في نفوس الشباب، مشيرا إلى أنه لا شيء يهدد الشباب أكثر من الفراغ القيمي والشعور بانسداد الآفاق، والضياع في عالم تغذي مقتضيات الأحداث فيه الإحساس بغياب العدل وسيطرة القوة وازدواج المعايير والمكاييل والمصالح الأنانية.

وأضاف: «إنها مسؤولية نتحملها إزاء الشباب الذي يظل في حاجة دائمة إلى القدوة والمرجعية الصادقة، والى واقع يكرس بالفعل ما ندعوه إليه من المبادئ والقيم».

وتطرق الرئيس بن علي إلى الثورة الرقمية، وقال إنها غيرت إيقاع حياة الإنسان ونقلته إلى طور متقدم من مساره الحضاري، وفتحت أمامه آفاقا جديدة لا عهد له بها، كما مكنت تكنولوجيات الاتصال الحديثة من تقليص المسافات وإسقاط الحدود بين الناس، وتحويل العالم إلى قرية متصلة الأطراف، وأتاحت للإنسان سبلا جديدة للمعرفة وفرصا كبيرة للعمل والربح والاستثمار وكما لا حد له من المعلومات، مشيرا إلى أنها أفرزت تحديات ورهانات غير مسبوقة لا بد من الوعي بأبعادها وأحكام التفاعل معها حتى لا تتحول الثورة الرقمية من رهان تقدم وحداثة إلى مخاطر استلاب، وتراجع وحتى تحقق الإضافة المنشودة إلى رصيد المكاسب والإنجازات التي حققتها الحضارات الإنسانية عبر التاريخ.

وقال الرئيس بن علي إنه «اذ راهنا في بلادنا على بناء مجتمع المعرفة، وحفزنا الشباب إلى الاندراج فيه، وشجعناه على استعمال التكنولوجيات الحديثة للاتصال والتحكم فيها، ولم ندخر أي جهد لنشرها وتعميمها، ولا سيما في المؤسسات التربوية والجامعية وسائر الفضاءات الثقافية، فقد حرصنا كذلك على أن يكون انخراط شبابنا في مجتمع المعرفة انخراطا واعيا، رهانه الاستفادة القصوى من وسائل الاتصال المتطورة والتصرف الأمثل فيها، بما يؤكد انتسابه إلى العصر وامتلاكه لأدواته مع الحفاظ على هويتنا الوطنية وعلى خصوصياتنا الحضارية».

وذكر الرئيس التونسي بالقرارات والتوصيات الصادرة عن القمة العالمية حول مجتمع المعلومات، التي احتضنتها تونس سنة 2005، وما تلاها من اللقاءات الإقليمية والدولية، أكد ضرورة إيلاء الشباب في علاقته بالثورة الرقمية مزيدا العناية والاهتمام، وتنفيذ ما اقترح من برامج وآليات لتحقيق العدالة بين شباب العالم في مجال استعمال التكنولوجيات الحديثة للاتصال والسيطرة عليها.

وجدد الرئيس التونسي الدعوة إلى الإسراع بردم الفجوة الرقمية التي لا تزال للأسف قائمة بين البلدان الغنية والبلدان الفقيرة، وإلى استغلال ما يوفره مجتمع المعرفة من الفرص والإمكانات لتشغيل الشباب وخلق مواطن الرزق وتعزيز مقومات التنمية الشاملة.

وأشار الرئيس بن علي إلى أن شباب اليوم هم صانعو القرار في المستقبل، ولا بد من تعويدهم على تحمل المسؤولية والمشاركة في تصريف شؤون المجتمع، وأن ما يلاحظ من عزوف الشباب عن الاهتمام بالشأن العام، ولا سيما عن المشاركة السياسية «يجب أن يدفعنا إلى التفكير في هذه الظاهرة والوقوف على أسبابها، والبحث عن الحلول الملائمة لها حتى يظل الشباب معنيا بالقضايا الوطنية والدولية، منخرطا فيها، مساهما في الحياة العامة، مشاركا في العمل السياسي بما يتيحه من مجالات التحرك والتمرس بالسلوك الديمقراطي».