فحص الشحنات الجوية يشكل الحلقة الأضعف في مجال النقل الجوي

المخاطر الكبرى تأتي من بعض طرود العملاء العشوائيين وتشكل معضلة

TT

تشكل صناعة الشحن الجوي، التي يقدر حجمها بالمليارات، أحد المحفزات الضرورية للاقتصاد العالمي - تنقل كل يوم ملايين الطرود العاجلة من مختلف الأشكال والأحجام حول العالم، تحتوي على أشياء متنوعة مثل أجزاء إلكترونية أو أعضاء بشرية.

لكن اكتشاف استخدام الإرهابيين شركتي «يونايتد بارسل سيرفس» و«فيدكس»، الأسبوع الماضي، لشحن جهازي تفجير أعاد النقاش مجددا حول ما يمكن القيام به لتطوير أمن النقل الجوي دون تدمير صناعة تقوم على توصيل الطرود إلى أي مكان بصورة سريعة ورخيصة.

نتيجة لذلك، يتوقع أن تعلن إدارة أوباما عن بعض التدابير خلال الفترة القليلة المقبلة لتشديد الرقابة على الشحنات الجوية، المجال الذي ينظر إليه بعض الخبراء الأمنيين على أنه الحلقة الأضعف في الإجراءات الأمنية في فترة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). لكن الكثير من خبراء الأمن يرون أن تطبيق إجراءات مراقبة كاملة على طائرات الشحن الجوي - مثل المطبقة على طائرات الركاب - سيتسبب في تردي نظام خدمة الشحن الجوي مما يهدد بتوقفها.

وقد أشار هؤلاء الخبراء إلى أن غالبية الشحنات التي تنقلها الطائرات - 80 في المائة منها - تأتي من عملاء يستخدمون هذه الوسيلة بصورة متكررة، وعلى علم بالإجراءات الأمنية المطبقة. أما المخاطر الأكبر، فيقولون إنها قد تأتي من بعض الطرود من أحد العملاء العشوائيين مثل الشحنتين الملغومتين من اليمن اللتين كانتا متوجهتين إلى شيكاغو واللتين مرتا دون اكتشاف أمرهما.

ويقول يوسي شيفي، مدير مركز النقل والدعم اللوجيستي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، «لا يمكنك إيقاف تدفق الشحنات الجوية التي تتطلب سرعة في نقلها».

من جانبهم رفض مسؤولو أمن المواصلات في الإدارة الأميركية يوم الاثنين الحديث عن الإدارة الجديدة التي يتوقع فرضها. لكن مساعدين في الكونغرس قالوا إنهم يتوقعون أن تطالب إدارة الرئيس أوباما بالتفتيش الكامل لبعض الشحنات التي تشكل «خطورة عالية» على كل الشحنات الجوية، خاصة الشحنات الآتية من بعض الدول حيث توجد منظمات إرهابية نشطة، مثل اليمن.

كما تدرس الإدارة أيضا المطالبة بالمزيد من المعلومات حول محتويات الشحنات الجوية المتجهة إلى الولايات المتحدة، حتى يتمكن المسؤولون من التدخل لطلب تفتيش إضافي قبل إقلاع الطائرة. والمطلب الأمني الحالي يشترط الحصول على سجلات الشحنة قبل أربع ساعات من الموعد المقرر لوصولها.

ويقول الخبراء إن الشحنات الجوية تشكل معضلات مهمة بسبب الكمية الهائلة للطرود والنظام المهترئ للتشريعات التي تحكم عملية التفتيش. وإضافة إلى حركة الشحنات على طائرات النقل الجوي وطائرات الركاب، ووجود لاعبين عمالقة مثل «فيدكس» و«يو بي إس» ومئات من الشركات الصغيرة.

فإلى الآن لا توجد إجراءات صارمة تحكم نقل الشحنات على الطائرات كما هو الحال في طائرات الركاب. أيضا فإن شركات النقل الأجنبية التي تنقل الشحنات إلى الولايات المتحدى تعمل وفق قواعدها التي تختلف بصورة كبيرة من دولة إلى أخرى.

ويقول روبرت مانر، خبير صناعة الطيران في «بورت واشنطن»، بولاية نيويورك: «المشكلة هي أنك لا تملك مجموعة متسقة من المعايير التي يمكن تطبيقها عالميا بنفس المستوى من الحساسية».

بيد أن مسؤولي إدارة أمن المواصلات أكدوا يوم السبت أنه رغم الحادث الأخير، فقد شهد أمن المواصلات تطورا كبيرا في السنوات الأخيرة كما طلب الكونغرس، خاصة على طائرات الركاب، حيث تخضع الشحنات المنقولة على طائرات الركاب للتفتيش قبل صعودها إلى الطائرة.

وقال جون بيستول، مدير إدارة أمن المواصلات في بيان له: «لقد اتخذنا خطوات مهمة لتعزيز أمن الشحنات الدولية. وستواصل إدارة أمن المواصلات تطوير إجراءات الأمن».

تشير إحصاءات اتحاد النقل الجوي إلى أن نحو 20 مليون رطل أو 16 في المائة من إجمالي حجم الشحنات التي تنقل جوا إلى أو من الولايات المتحدة تنقل عبر طائرات الركاب، وأن الغالبية العظمى من هذه الطرود تحملها طائرات الشحن.

ويقول إدموند غرينسلات، ناشر كتاب «ذا إيرلاين مونيتور»: «فحص كل الطرود ليس في سهولة فحص الركاب، بل هو أكثر صعوبة، حيث يصعب القيام بفاعلية. إنه الحلقة الأضعف في عملية النقل الجوي ككل».

نظام الشحن الجوي مكون مهم في عمل الكثير من الشركات، فقد أنشأت شركة «مدترونيكس»، أضخم شركة في العالم لإنتاج الأجهزة الطبية على سبيل المثال مركز توزيع بالقرب من محور «فيدكس» في مدينة ممفيس لإرسال آلاف الأجهزة مثل أجهزة تقويم العظام في العمود الفقري ومنظم ضربات القلب بصورة يومية إلى المستشفيات حول العالم.

ويشير ستيفن لورد، مدير الأمن الداخلي والعدل بمكتب المحاسبة الحكومي، إلى أن الصورة التي يتم من خلالها تعبئة الشحنات تزيد من صعوبة فحصها، فعلى سبيل المثال تصل الطائرات التي تحمل البضائع المتوجهة إلى الولايات المتحدة إلى المطارات مغلفة ومعفاة من إجراءات التفتيش.

إضافة إلى ذلك تقصير مسؤولي أمن المواصلات في ضمان قيام الحكومات الأجنبية بالجهد الكافي للكشف عن المواد المتفجرة التي ستنقل على طائرات الركاب، بحسب تصريح لورد.

وقد تحدثت الكثير من الدول الأوروبية عن تعليقها خدمات الشحن الجوي القادمة من اليمن، كما حظرت بريطانيا أيضا الشحنات القادمة من الصومال. كما أوقفت ألمانيا كل الرحلات الجوية للمسافرين أيضا.

وأكدت تيريزا ماي وزيرة الداخلية البريطانية أن الحكومة ستعمل مع صناعة الطيران ومصنعي أجهزة تفتيش المطارات لابتكار أنظمة أمن طويلة المدى، ومناسبة وقادرة على تلبية المتطلبات الأمنية، في مواجهة التهديدات الإرهابية الجديدة الموجهة لشحنات الشحن الجوي.

وقالت بريطانيا أيضا إن طائرات الركاب لن يسمح لها حمل حبارات الطباعة التي تزن نحو رطل، في حجم الأجهزة التي استخدمت في العملية. وكلا الحظرين تم تفعيلهما لمدة شهر في البداية.

وقال مسؤولو الاتحاد الذين يمثلون الطيارين الذين يقودون طائرات الشحن إن أمن هذه الطائرات بحاجة إلى التطوير.

ويقول بريمان غوديت، المتحدث باسم اتحاد الطيارين الدولي: «نعتقد أن المعايير الحالية في مراقبة الشحنات غير كافية».

توجد الأجهزة التي تسمح لشركات الشحن الجوي بالكشف عن المتفجرات في كل حاوية ستوضع على متن الطائرة وحتى من دون شحنها على الطائرة. تبلغ تكلفة الجهاز الواحد - التي تستخدم تكنولوجيا معروفة باسم - تحليل النيوترون السريع النابض - أكثر من 10 ملايين دولار ونحو 5 إلى 10 دقائق لفحص كل شحنة، وهي تكلفة معيقة بالنظر إلى آلاف نقاط المغادرة المختلفة للشحنات على مستوى العالم.

هناك بعض الخيارات السهلة مثل استخدام الكلاب في الكشف عن المتفجرات أو الأجهزة المحمولة الصغيرة القادرة على تعقب آثار المتفجرات.

وأوضح شيفي، أنه خلال ذروة تجارة المخدرات عالميا، طور ناقلو الشحنات إجراءات أمنية للتعرف بصورة أفضل على الطرود المشبوهة التي أرسلها عملاء عرضيون أو أفراد.

مثل هذه الإجراءات الأمنية تستخدم عوامل مثل مصدر الطرد، ومقصده وتكلفة مشابهة لقيمة الغرض المشحون. وأشار شيفي إلى أنه يعتقد أن أساليب مماثلة تستخدم اليوم مع الطرود التي ربما تكون مرسلة من جانب منظمات إرهابية.

ويقول بريان كلانسي، المدير الإداري لشركة «لوجيستيك كابيتال أند استراتيجي»، شركة استشارات استراتيجية ومالية مقرها أرلينغتون بولاية فيرجينيا: «لا يوجد نظام كامل، والجزء المعقد هو معرفة ما تبحث عنه».

* خدمة «نيويورك تايمز»