قيادات معارضة تقاطع جلسة «الحوار الوطني».. وعون يعتبر وضعه الأمني «صعبا»

الأزمة اللبنانية تلقي بظلالها على طاولة حوار بعبدا

TT

بعد نسف جلسة مجلس الوزراء، التي كان من المقرر انعقادها يوم أمس، نسف بعض قيادات المعارضة جلسة الحوار الوطني المقرر عقدها اليوم في قصر بعبدا بإعلان عدد منهم مقاطعتهم الجلسة من دون تقديم مبررات، وتغيب عدد آخر لدواع مختلفة، ليتضح بذلك عمق المأزق السياسي الذي يعيشه لبنان في هذه الأيام والذي بدأت انعكاساته تطال المؤسسات الدستورية والهيئات الوطنية وتعطل أعمالها.

كان رئيس تكتل «التغيير والإصلاح»، النائب ميشال عون، أول من أعلن مقاطعة الجلسة الحوارية بسبب تأجيل البت بملف «شهود الزور»، مشددا على أنه «لا يجلس مع حامي هؤلاء الشهود»، معربا عن استعداده «حضور الجلسة التي تتم خلالها مناقشة الورقة التي قدمها عن الاستراتيجية الدفاعية»، لافتا الانتباه إلى أن «وضعه الأمني بات صعبا ولا يتجول كثيرا». وتوالى باقي الأقطاب على إعلان المقاطعة من رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية إلى رئيس الحزب «الديمقراطي اللبناني» النائب طلال أرسلان بحجة أنه لا فائدة ملموسة من هذه الطاولة.

يغيب عن جلسة اليوم رئيس «اللقاء الديمقراطي» وليد جنبلاط والنائب أغوب بقرادونيان لارتباطات خارجية، مع إمكانية تغيب رئيس حزب «الكتائب» أمين الجميل، بداعي السفر، ليتقلص بذلك عدد المشاركين في الحوار من 19 إلى 13 عضوا حتى الساعة مع احتمال إعلان فرقاء آخرين المقاطعة. وفي هذا الإطار، أوضح رئيس «اللقاء الديمقراطي»، النائب وليد جنبلاط، أنه «سبق أن أبلغ رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان اعتذاره عن عدم حضور اجتماع هيئة (الحوار الوطني) المقرر في 4 الحالي (اليوم) بداعي السفر». وقال بيان صادر عن مكتبه: «لا علاقة لغياب جنبلاط باعتذار أعضاء آخرين من الهيئة عن عدم الحضور»، مؤكدا «ضرورة استمرار عمل هيئة (الحوار الوطني)؛ لأنها تتيح المجال للنقاش، والحوار حول مسائل وطنية مهمة».

كانت آخر جلسة للحوار قد عقدت في قصر بعبدا في 19 أغسطس (آب) الماضي وحُدد موعد جديد للجلسة المقبلة في 19 أكتوبر (تشرين الأول) تأجل لاحقا بسبب تزامنه مع جلسة لانتخاب اللجان النيابية، ما طرح أكثر من علامة استفهام حينها حول الأولويات، خاصة أن هيئة الحوار تعتبر الملتقى الأساسي والوحيد للقادة اللبنانيين لتبادل وجهات النظر والنقاش في الملفات الاستراتيجية، وبالتالي تعتبر عنصرا أساسيا لخفض التوتر وفرض نوع من الاستقرار في الشارع المحقون وبين المحازبين المتربصين ببعضهم.

وبرر عضو تكتل «التغيير والإصلاح»، النائب نبيل نقولا، مقاطعة رئيس التكتل لجلسات الحوار بحجة أنها أصبحت «قضية تمييع للوقت لا أكثر ولا أقل» وقال لـ«الشرق الأوسط»: «أصبحت هذه الجلسات بلا معنى، خاصة أن الأقطاب يتفقون في الداخل على عدم التسريب، وبعد دقائق من خروجهم يبدأ فرقاء قوى (14 آذار) بحملاتهم التي لا تنتهي، فما معنى الحوار إذا لم يكن للجم التشنج والوصول إلى نتائج إيجابية وملموسة؟» واعتبر نقولا أن «لا جدية اليوم في التعامل مع الملفات كلها، ونحن لا نريد أن نكون شهود زور فنضحك على المواطن بالشكليات. المطلوب اليوم ممن دعا لانعقاد هذه الطاولة إيجاد الحلول المناسبة لتفعيلها».

من جهته، أوضح المسؤول الإعلامي في تيار «المردة» سليمان فرنجية أن «رئيس التيار قرر مقاطعة جلسة الحوار بقناعة منه وليس بقرار من المعارضة»، متسائلا: «ما نفع الحوار إذا لم يكن مثمرا؟ نحن لا نريد حوارا عقيما وشكليات لا تنسحب على المضمون». وأكد فرنجية لـ«الشرق الأوسط»، أن «قرار (المردة) ليس موجها ضد رئيس الجمهورية الذي نثمن دوره التوافقي ولكنه موجه ضد واقع سياسي». وأضاف: «طاولة الحوار يجب أن تبحث في الملفات الخلافية وفي العناوين السياسية الأساسية، وهي يجب أن تنعقد بنفوس مهيأة للوصول لتوافقات وليس بنفوس مشحونة مع تصورات مسبقة وقناعات لا تنازل عنها في وقت يقف فيه البلد على كف عفريت».

في هذا الوقت، أكد المستشار السياسي لرئيس الجمهورية النائب السابق ناظم الخوري أن «اجتماع هيئة الحوار الوطني قائم في موعده على الرغم من غياب بعض القادة السياسيين كل لاعتباراته الخاصة»، لافتا إلى أن «عددا من هؤلاء، من بينهم النائب أغوب بقرادونيان ورئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط، كان قد أبلغ المعنيين في قصر بعبدا منذ مدة اعتذاره لارتباطات في الخارج، بينما لم يعتذر حتى الساعة رئيس تكتل (التغيير والإصلاح) العماد ميشال عون ورئيس تيار (المردة) سليمان فرنجية وباقي من أعلنوا المقاطعة».

وفيما يخص موقف رئيس الجمهورية أشار إلى أن «جلسة الحوار قائمة لاستكمال البحث في الاستراتيجية الوطنية للدفاع وطرح أي موضوع يرتئيه المتحاورون»، مشددا على أن «الحوار ليس خيارا بل ضرورة، خصوصا في الظروف الراهنة».

وأمل الخوري «ألا تكون مقاطعة البعض استهدافا أو محاولة لوضع شروط على رئيس الجمهورية؛ لأنه لا أحد يمكنه فرض الشروط على رئيس البلاد».

واعتبرت وزيرة الدولة، منى عفيش، أن «وجود القادة السياسيين على طاولة الحوار بحد ذاته عامل مهم، والموضوع الأساسي على طاولة الحوار يبقى الاستراتيجية الدفاعية حتى لو قرر رئيس الجمهورية إضافة بنود أخرى»، لافتة إلى أن «الرئيس سليمان يتعاون مع كل الفرقاء في البلد»، مشددة على أنه «يجب أن نتخطى الأمور كلها بالحوار؛ لأنه السبيل الوحيد للوصول إلى حل».

وأعرب الوزير وائل أبو فاعور عن أسفه؛ لأن «التصعيد الذي يقوم به العماد عون هو خارج نطاق التهدئة الداخلية»، معتبرا أنه «لا مصلحة بهذا المسلك لا في توقيته ولا في سياقه»، مؤكدا أن «الإساءة إلى الرموز والشهداء غير مقبولة».

كان «الحوار الوطني» قد انطلق عام 2006 بدعوة من رئيس المجلس النيابي نبيه بري توخى فيها زعماء الفريقين تخفيف الاحتقان وكسر جدار الحقد والحذر بينهم، بعد جريمة اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري وما تلاها من تأزم. وانتهت الجولة الأولى من الحوار، التي استغرقت 6 جلسات، إلى التوافق على وجوب قيام محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري، وسحب السلاح الفلسطيني من خارج المخيمات وضبطه بالداخل، وترسيم الحدود اللبنانية، وإقامة علاقات دبلوماسية مع سورية. وبقي بندان أساسيان هما: الاتفاق على تغيير رئيس الجمهورية السابق إميل لحود، ووضع استراتيجية وطنية للدفاع، لكن العدوان الإسرائيلي على لبنان في يوليو (تموز) 2006 قطع حلقات الحوار إلى أن استؤنفت في أكتوبر 2006، لكن لم يعقد أكثر من جلستين وتعطل الحوار بفعل استقالة الوزراء الشيعة من حكومة فؤاد السنيورة الأولى والأزمة السياسية التي عصفت حينها، والتي كان من ثمارها أحداث 7 مايو (أيار) 2008، التي تلتها مبادرة قطرية بجمع زعماء لبنان في الدوحة، وقد تكلل ذلك الاجتماع بإرساء خطة عمل من أجل تجاوز الشلل في الدولة وإنهاء حالة الفراغ في كرسي الرئاسة الأولى بالاتفاق على انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية، وأيضا بالدعوة إلى متابعة انعقاد طاولة الحوار الوطني برئاسة رئيس الجمهورية في لبنان من أجل التوصل إلى حلول للمسائل والقضايا الوطنية المختلف عليها.

ورعى الرئيس سليمان أول طاولة للحوار تحت عنوان أساسي، ألا وهو «البحث بالاستراتيجية الدفاعية» في 16 سبتمبر 2008 بمشاركة الشخصيات الـ14 التي سبق لها أن عقدت جلسات حوار وطني عام 2006 برعاية بري، وذلك على الرغم من مطالبة قوى «8 آذار» بتوسيع التمثيل.س وعقدت هذه الطاولة 7 جلسات من دون أن تتوصل إلى وضع استراتيجية دفاعية هي عنوانها الأول. وتوقفت قبل أسبوع على إجراء الانتخابات النيابية في 7 يونيو (حزيران) 2009. وفي مارس (آذار) 2010 انطلقت جولة الحوار الوطني الثالثة بتشكيلة جديدة فرضتها الانتخابات، فجمعت الطاولة 19 شخصية للبحث بالاستراتيجية الدفاعية وهي لم تتوصل، حتى يومنا هذا، إلى ما هو ملموس في هذا الشأن ولكنها بقيت عنوانا لإرساء التهدئة وتعزيز الاستقرار.