بوش يكشف في مذكراته عن أنه فكر في إقصاء تشيني عن انتخابات 2004

رغبة في إظهار أنه القائد ولدحض خرافة نفوذ نائبه في البيت الأبيض

صورة الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش كما بدت على غلاف كتاب مذكراته الذي سيصدر في التاسع من الشهر الحالي (رويترز)
TT

فكر الرئيس جورج دبليو. بوش في إقصاء ديك تشيني، نائب الرئيس، عن قائمته التي سعى اعتمادا عليها إلى نيل إعادة انتخابه للرئاسة عام 2004، بغية دحض الخرافات بشأن نفوذ تشيني القوي داخل البيت الأبيض و«إظهار أنني القائد»، حسب ما ذكر الرئيس السابق في مذكراته الجديدة.

وقد طرح تشيني الفكرة أثناء مأدبة غداء خاصة مع بوش في منتصف عام 2003. وكتب بوش في مذكراته قائلا: «درست العرض». وقضى بوش عدة أسابيع يدرس إمكانية الاستعاضة عن تشيني بالسيناتور بيل فيرست، من تينيسي، زعيم الأغلبية، لكنه في النهاية رفض المقترح.

وكتب بوش: «على الرغم من المساعدة التي قدمها تشيني في أجزاء مهمة من قاعدتنا، فإنه تحول إلى هدف مستمر للانتقادات من قبل وسائل الإعلام وتيار اليسار. لقد جرى النظر إليه كشخص شرير عديم الشفقة - وأصبح بمثابة دارث فيدر (شخصية خيالية شريرة) الإدارة». والواضح أن الرئيس انتابه سخط حيال فكرة أن تشيني هو المسيطر الفعلي على البيت الأبيض. وكتب يقول: «قبول عرض تشيني كان أحد السبل التي يمكنني من خلالها إثبات أنني القائد». واستطرد بأنه في نهاية الأمر، «كلما فكرت في الأمر، خالجني شعور قوي بأن تشيني سيبقى. إنني لم أختره كي يكون بمثابة أصل سياسي، وإنما جاء اختياري له لمساعدتي في الاضطلاع بمهام منصبي. وهذا تحديدا ما فعله». وأكد بوش أنه وثق في تشيني، وقدر ثباته واعتبره صديقا مخلصا. وعليه، «في واحدة من مآدب الغداء التي جمعتنا بعد بضعة أسابيع، طلبت من ديك البقاء ووافق».

ويكشف بوش النقاب عن هذا الأمر في كتابه الجديد «دسيجن بوينتس» (قرارات حاسمة)، الذي من المقرر طرحه في الأسواق الأسبوع المقبل من جانب «دار كراون» وحصلت «نيويورك تايمز» على نسخة منه، أول من أمس. ويعد الكتاب والجولة التسويقية التي ستصاحبه أول عودة كبرى لبوش إلى الساحة العامة بعد قرابة عامين التزم خلالهما الصمت على الصعيد العام. وتتزامن عودة ظهوره مع الصعود السياسي للجمهوريين الذين جنوا مكاسب كبيرة خلال انتخابات التجديد النصفي للكونغرس.

وربما يساعد الكتاب بوش على رسم صورة إرثه السياسي على نحو أكثر إيجابية بعد رحيله عن البيت الأبيض وهو أدنى الرؤساء الأميركيين شعبية في العصر الحديث. ومع المشكلات المتراكمة على كاهل خليفته الرئيس أوباما ومواجهته رفض الناخبين، تأمل دائرة المقربين من بوش في أن تتحسن نظرة الرأي العام للرئيس السابق بمرور الوقت.

وانطلاقا من رغبته في عدم تعقيد الأمور أمام أوباما، يمتنع بوش عن التفوه بأي تعليقات تقريبا بخصوص الإجراءات التي يتخذها خلفه، بخلاف إثنائه على قراره بإرسال مزيد من الجنود إلى أفغانستان.

ومثل والده، اختار بوش عدم كتابة سيرة ذاتية تتناول حياته من المهد حتى الوصول إلى البيت الأبيض، مفضلا بدلا من ذلك تناول 14 قرارا حيويا، أو مجموعة من القرارات شكلت حياته وفترتي رئاسته، مثل لحظة إقلاعه عن الخمر، وأسلوب تعامله مع هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001.

في الجزء الأكبر من الكتاب، يدافع بوش بقوة عن فترة رئاسته، معلنا أن قراره غزو العراق كان صائبا لأن «أميركا أصبحت أكثر أمنا من دون دكتاتور انتحاري يسعى (لامتلاك أسلحة بيولوجية أو كيماوية)» و«الشعب العراقي بات أفضل حالا في ظل حكومة له حق مساءلتها، بدلا من أخرى تعذبهم وتقتلهم».

كما دافع عن قراره السماح باتباع أساليب قاسية في التحقيق مع الإرهابيين المشتبه فيهم الذين ألقي القبض عليهم. وعندما استفسرت منه وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، المعروفة اختصارا بـ«سي آي إيه»، حول ما إذا كان في مقدورها إخضاع خالد شيخ محمد، العقل المدبر وراء هجمات 11 سبتمبر، لنمط من الإيهام بالغرق، كتب في مذكراته أنه أجاب: «عين الصواب». وأضاف أن هذه التحقيقات «أنقذت أرواحا».

في الوقت ذاته، طرح بوش في كتابه نقدا ذاتيا أكبر مما كان يفعل أثناء توليه الرئاسة، حيث أعرب عن ندمه إزاء بطء استجابته لإعصار كاترينا، وموافقته على تقليص أعداد الجنود في العراق بعد الغزو، وقراره تعيين صديقته ومحاميته هارييت ميرز، في المحكمة العليا. وذكر أن «شعورا بالغثيان» انتابه لدى علمه بعدم وجود أسلحة دمار شامل في العراق، وقال إن «خفض أعداد القوات بعد فترة قصيرة للغاية كان أكبر خطأ تنفيذي في الحرب».

إضافة إلى ذلك، قدم بوش أول سرد مطول له للنقاشات الداخلية التي شكلت فترة رئاسته. مثلا، أشار إلى تقارير استخباراتية ظهرت في منتصف عام 2002 حول أن أبو مصعب الزرقاوي لديه معمل لتصنيع أسلحة بيولوجية بشمال العراق، مما أثار نقاشا محتدما حول ما إذا كان ينبغي قصف هذا المعمل على الفور. وبينما حثه تشيني ودونالد إتش. رامسفيلد، وزير الدفاع، على مهاجمة المعمل، نجح كولن باول وزير الخارجية، وكوندوليزا رايس، مستشارة الأمن القومي، في إقناعه بالتريث.

وعلى الرغم من أن الكتاب بوجه عام لا يبدو موجها لتصفية الحسابات، فإن بوش ذكر في ثناياه بعض التعليقات الحادة عن أشخاص. على سبيل المثال، ذكر بوش أنه لم يشعر بارتياح قط في التعامل مع بول أونيل، أول وزير خزانة في رئاسته، مضيفا أن الوزير السابق «لم ينل ثقتي». وأفاد أنه شعر «بالغضب» إزاء برنت سكوكروفت، مستشار الأمن القومي السابق في عهد والده، لنشره آراءه المناهضة للحرب في مقال بإحدى الصحف، بدلا من إخبار الرئيس مباشرة. وعمد إلى الإشارة إلى سكوت مكليلان، المتحدث الرسمي باسمه لفترة طويلة الذي وضع كتابا تميز بصراحة قاسية حول فترة عمله بالبيت الأبيض، بعبارة «السكرتير الصحافي للبيت الأبيض»، من دون ذكر اسمه قط.

ووجه نقدا لاذعا للسناتور هاري إم. ريد، من نيفادا، زعيم الأغلبية الديمقراطية، لوصفه الحرب بالخاسرة في خضم ذروة أعمال العنف بالعراق، الأمر الذي وصفه بوش بأنه «أحد أكثر الأعمال التي عاينتها في حياتي افتقارا إلى الشعور بالمسؤولية» داخل واشنطن. في المقابل، حذر النظير الجمهوري لريد، السناتور ميتش مكونيل، من كنتاكي، الرئيس على الصعيد غير المعلن في سبتمبر 2006، من أن سياساته ستتسبب في خسارة الجمهوريين للانتخابات وحثه على «إعادة بعض القوات إلى الوطن من العراق». في نهاية الأمر، فعل بوش العكس تماما، ووافقه مكونيل.

أيضا، ذكر بوش في كتابه بعض المحادثات المحتدة مع مسؤولين آخرين. مثلا، عندما انطلقت السناتور ماري لاندريو في «ثورة عاطفية غير مثمرة» أثناء اجتماع لمناقشة إعصار كاترينا، قال لها بوش: «هل تلتزمين الهدوء من فضلك؟» وأعرب عن إحباطه البالغ حيال رفض كاثلين بلانكو، حاكمة لويزيانا، لأيام محاولته إرسال قوات فيدرالية مخول لها سلطة فرض القانون إلى الولاية. ووصف شجارا اندلع بينه وبين شيري بلير، زوجة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، خلال مأدبة عشاء حول عقوبة الإعدام.

إلا أن الأجزاء الأكثر إثارة من الكتاب دارت حول علاقته برجلين، والده وتشيني. وعلى الرغم من كل التكهنات التي دارت حول وجهة نظر الوالد إزاء أسلوب تعامل ابنه مع العراق وقضايا أخرى، ذكر بوش أن الرئيس الـ41 نصحه خلال أمسية في عطلة رأس السنة عام 2002 حول أن صدام حسين لن يلتزم بقرارات الأمم المتحدة بخصوص نزع تسليحه، وقال له: «ليس أمامك خيار آخر». كما تبادل الاثنان رسائل مؤازرة عبر جهاز الفاكس في اليوم الذي أصدر فيه بوش الابن قرار غزو العراق عام 2003.

والملاحظ أن تفكير بوش في استبدال تشيني له سابقة مثيرة، فخلال حملة والده الانتخابية العقيمة لإعادة انتخابه للرئاسة عام 1992، قال بوش إنه حث والده على التخلي عن نائبه دان كويل، والاستعانة بتشيني بدلا منه، وهو ما رفضه الأب. واستطرد بوش قائلا: «لكنني لم أتخل قط عن فكرة خوض انتخابات بقائمة تجمع اسمي بوش وتشيني».

والواضح أن تشيني دفع بوش في اتجاه الحرب. وكتب الرئيس السابق أن نائبه «استبق موقفه» بخطاب ألقاه في أغسطس (آب) 2002 استبعد خلاله احتمالية إجراء مزيد من عمليات التفتيش، وقال بوش إنه وجه رايس للاتصال بتشيني ومحاولة كبح جماحه.

خلال واحدة من مآدب الغداء الخاصة التي كانت تجمعهما أسبوعيا، سأل تشيني بوش عن ما إذا كان سيمضي قدما في تنفيذ تهديداته ضد صدام حسين. وتساءل تشيني: «هل ستعنى بأمر هذا الرجل أم لا؟».

كما اختلف نائب الرئيس مع قرار بوش بطرد رامسفيلد بعد انتخابات التجديد النصفي عام 2006 مع تردي أوضاع الحرب في العراق، وحث تشيني الرئيس على العفو عن لويس ليبي، رئيس فريق العاملين بالبيت الأبيض السابق الذي أدين بالكذب في قضية تسريب معلومات تخص «سي آي إيه».

وعلى الرغم من أن بوش خفف في بادئ الأمر عقوبة ليبي، فإنه طلب خلال أيامه الأخيرة في الرئاسة من اثنين من المحامين مراجعة القضية ومقابلة ليبي، لكنهما أخبراه بأنه من المتعذر عليهما إيجاد مبرر قانوني لإسقاط حكم الإدانة. وكتب الرئيس أنه صارع في مواجهة هذا القرار خلال عطلة نهاية الأسبوع الأخيرة له في كامب ديفيد لدرجة أن زوجته لورا أخبرته في النهاية: «عليك حسم الأمر، فأنت بذلك تضر بالجميع».

وعندما اتخذ قرارا ضد العفو، هاجمه تشيني بشدة على الصعيد غير المعلن، وأخبره: «لا أصدق أن تتخلى عن جندي في ميدان القتال». واعترف بوش بأن «هذا التعليق آلمني». وأضاف بوش: «على مدار ثمانية أعوام، لم أر تشيني بهذه الصورة قط، أو حتى قريبا منها». وساوره قلق من أن علاقتهما بدأت في التفسخ، لكنه أشار إلى أنهما في النهاية تمكنا من التغلب على هذا الخلاف.

وأعرب بوش عن أمله في أن يتمكن الزمن من تحسين صورته التاريخية. وخلص إلى أنه «بعد عقود من الآن، آمل أن يراني الناس كرئيس أدرك التحدي الأكبر أمامه والتزم بتعهده بالحفاظ على أمن البلاد، وتحرك بناء على قناعاته من دون تردد، لكنه بدل مساره عندما دعت الضرورة إلى ذلك، ووثق في قدرة الأفراد على اتخاذ قرارات حاسمة في حياتهم، واستغل نفوذ أميركا في تعزيز الحرية».

* خدمة «نيويورك تايمز»