ساركوزي يراهن على التعديل الوزاري المنتظر من أجل استعادة عافيته السياسية

استحقاق الانتخابات الرئاسية ربيع 2012 يبسط ظله على الحياة السياسية في فرنسا

TT

قلب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي صفحة الإضرابات والمظاهرات التي أثارها قانون إصلاح نظام التقاعد. وعاد الموظفون والعمال إلى مكاتبهم وأعمالهم، والطلاب والتلاميذ إلى جامعاتهم ومدارسهم، ووقود السيارات إلى محطات التوزيع. وانزاح بذلك كابوس الضغوط الاجتماعية عن كاهل ساركوزي وحكومته، ونسي الناس فضائح ليليان بتنكور، ثرية فرنسا الأولى، وعلاقاتها الغامضة مع وزير العمل والمالية السابق، إريك فيرت. ومع عودة التهديدات الإرهابية إلى واجهة الحدث العالمي، «ارتاحت» الحكومة داخليا، إذ انشغل الرأي العام بها. وأمس، دعا الرئيس ساركوزي إلى اجتماع أمني مصغر في قصر الإليزيه، للنظر في التهديدات الإرهابية التي تتعرض لها بلاده، وذهب إلى وصف المخاطر الإرهابية بـ«البالغة والجدية»، في إطار المؤتمر الصحافي الذي عقده مع رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، في لندن، أول من أمس.

وبناء عليه، ضوعفت التدابير الأمنية، في إطار خطة مكافحة الإرهاب، وكُثف تسيير الدوريات في الأماكن الحساسة، ووضعت المنشآت الاستراتيجية تحت رقابة مشددة. وعززت باريس تعاونها مع الأجهزة المعنية بمحاربة الإرهاب في الدول «الصديقة». غير أن هذا الوضع لم يحرف ساركوزي عن الالتفات إلى حالته السياسية في الداخل، حيث خرج مثخنا من المواجهة مع النقابات والأحزاب التي تدعمه، وهو ما يظهر في «انهيار» شعبيته بشكل لم يعرفه سابقا، منذ وصوله إلى رئاسة الجمهورية في ربيع عام 2007. وعين الرئيس على استحقاق ربيع عام 2012، حيث يريد الترشح لولاية رئاسية ثانية، ولذا، فإنه يحتاج إلى «رافعة» تمكنه أولا من استعادة ثقة المواطن به، علما بأن ثلاثة أرباع الفرنسيين حجبوا عنه ثقتهم. وأخشى ما يمكن أن يخشاه أن يعمدوا إلى «تدفيعه» ثمن الخيبات المتلاحقة التي حلت بهم على يديه؛ بأن يحجبوا عنه أصواتهم في صناديق الاقتراع. ويعتقد الخبراء المحيطون بقصر الرئاسة أن ساركوزي خرج «منتصرا» من مواجهته مع النقابات «اليسارية»، لكنهم لا يريدون التوقف عند ذلك كثيرا؛ إذ يحتاج الرئيس، ومعه الحكومة وحزب الاتحاد من أجل حركة شعبية (اليميني الحاكم)، لاستعادة ثقة هذه الشرائح الاجتماعية الواسعة، وإظهار أن الإليزيه لا يصم أذنيه عن همومها.

ويشكل التغيير الحكومي المنتظر في الأيام القليلة المقبلة فرصة مثالية لساركوزي من أجل الإتيان بالدليل الحسي على رغبته في طي صفحة النزاعات الاجتماعية، واتباع سياسة اجتماعية «ناعمة» لا يكون المستفيد الوحيد منها الطبقات الميسورة، حيث يعد الرئيس الكثير من أصدقائه من بين صفوفها.

ولذا، فإن اختيار رئيس الحكومة الجديد، وشخصية وزير العمل والشؤون الاجتماعية والوزارات المرتبطة بها ستحمل مؤشرات على نيات ساركوزي. وحتى الآن، لا يبدو أن ساركوزي قد حسم أمره، ويقول المقربون منه إنه «لم يحدد بعد اختياره» لرئيس الحكومة، حيث الاسم الأرجح، في حال عزم على تغيير رئيس الوزراء الحالي، فرنسوا فيون، هو وزير البيئة والطاقة والنقل، جان لوي بورلو، المعروف بتفضيله للحوار الاجتماعي، ولتقبله من جانب النقابات. غير أن هناك «فلتات الشوط»، مثل وزير الزراعة، برونو لومير، أو وزير الخزانة، فرنسوا بارو، وكلاهما صغير السن، ويستطيع ساركوزي أن يلعب بورقة الشباب كما فعل قبله الرئيس الاشتراكي، فرانسوا ميتران، عندما عين لوران فابيوس رئيسا للحكومة، وهو دون سن الأربعين.

ولا تنحصر مهمة الحكومة في وصل خيط الحوار مع النقابات فقط، بل يريدها ساركوزي رافدا له لمساعدته على كسب انتخابات رئاسة الجمهورية، مما يعني أنه يتعين عليها أن تساعده على لملمة كافة مكونات حركته السياسية، وقطع الطريق على أي منافسة داخلية له من بين الوزراء أو الحزب، وسحب البساط من تحت رجلي منافسه اليميني، رئيس الحكومة السابق، دومينيك دو فيلبان.

وبموازاة الورقة الداخلية، يعول ساركوزي على حضوره الدولي المتنامي للفترة المقبلة، للعودة بقوة إلى المسرح السياسي الداخلي والخارجي معا، على غرار ما فعل قبل عامين، عندما ترأست بلاده الاتحاد الأوروبي لـ6 أشهر.

ويوم غد، يستقبل ساركوزي الرئيس الصيني هو جينتاو، وسيصحبه لاحقا إلى مدينة نيس المتوسطية. ومن بين اهتماماته، إلى جانب حمل ضيفه على توقيع عقود صناعية وتجارية ضخمة لصالح المجموعات الفرنسية، السعي للحصول على دعمه للإصلاحات التي يريد إدخالها على النظام العالمي، والخاصة بالنظام المالي والحوكمة الرشيدة وأسعار المواد الأولية، ومساعدة الدول الفقيرة على التنمية، من خلال عمليات التمويل المتجدد. وستتاح الفرصة لساركوزي، بفضل هاتين الرئاستين، ليكون تحت الأضواء في الأشهر المقبلة.