الانتخابات ترجح كفة الصقور وتقيد أوباما في السياسة الخارجية والدفاع

تغييرات في لجنتي العلاقات الخارجية والقوات المسلحة في مجلس النواب

TT

في حين انشغل الشارع الأميركي، أمس، بتداعيات نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونغرس على السياسة الداخلية، فإن هناك تغييرات مهمة في الكونغرس من شأنها التأثير على السياسة الخارجية الأميركية، وخاصة فيما يخص منطقة الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من أن السياسة الخارجية تعد من صلاحية الرئيس باراك أوباما، فإن مجلسي النواب والشيوخ يتمتعان بنفوذ كبير في السياسة الخارجية، من حيث قوانين الإنفاق والعقوبات، والمصادقة على مرشحي الرئيس من السفراء، وغيرها من الأمور المرتبطة بالسياسة الخارجية.

وعلى الرغم من حفاظ الديمقراطيين على غالبيتهم في مجلس الشيوخ، فإن خسارتهم لمجلس النواب يعني تولي صقور من الحزب الجمهوري قيادة لجان أساسية في المجلس، مثل لجنتي العلاقات الخارجية والقوات المسلحة.

وتعقّد هزيمة الديمقراطيين في الانتخابات التشريعية عمل الرئيس الأميركي في السياسة الخارجية والدفاع، وخصوصا في أفغانستان، بالإضافة إلى أن الجمهوريين سيقلصون من قدرة أوباما على الضغط على إسرائيل، كما ستراقب الأغلبية اليمينية الجديدة عن كثب موقف البيت الأبيض في مواجهة روسيا والصين.

وأبرز التغييرات التي ستدخل على السياسة الخارجية ستأتي من أعضاء مجلس النواب الذين سيتولون مناصب قيادية في اللجان الفرعية، إذ تنتقل القيادة إلى الحزب الجمهوري.

وستتولى عضو مجلس النواب الجمهورية، إلينا روس – ليتينان، رئاسة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب، وهي معروفة بأفكارها اليمينية، وتعتبر من الصقور في مجلس النواب، ومن أشد مناصري إسرائيل.

وروس - ليتينان هي أميركية من أصول كوبية، تمثل منطقة غالبيتها يهود في ولاية فلوريدا، وعلى الرغم من أن روس - ليتينان مسيحية، فإن عائلة والدتها يهودية.

ومن المتوقع أن يعزز رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، موقعه بضعف أوباما، إذ إن عددا من الجمهوريين يعارضون ممارسة أي ضغط على إسرائيل لانتزاع اتفاق سلام مع الفلسطينيين. وتعتبر روس - ليتينان من أكثر المؤيدين لإسرائيل، ومن أشد المعارضين لإيران وسورية، وكانت واضعة قانوني العقوبات ضد إيران وسورية عام 2005.

كما أن روس - ليتينان قد طالبت سابقا بتوجيه ضربة عسكرية لإيران، في حال لم تنجح العقوبات في وقف برنامجها النووي. وكانت روس - ليتينان قد أعلنت العام الماضي أن «طريق الدبلوماسية لن يفلح مع إيران»، مطالبة بمزيد من الإجراءات ضدها.

وقالت في مقال رأي نشر في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي: «يجب أن تكون الولايات المتحدة مستعدة للتحرك بمفردها، إذا استوجب الأمر ذلك، وأن تستخدم كل سلاح في ترسانتها».

وترفض روس - ليتينان أي جهود لإدارة أوباما للضغط على إسرائيل، خاصة فيما يخص وقف المستوطنات، وعندما ظهر خلاف بين أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، حول المستوطنات بداية العام الماضي، أصدرت روس - ليتينان بيانا وبخت فيه إدارة أوباما وطالبته بعدم إظهار خلافات مع «أقوى حلفائنا»، (أي إسرائيل).

وكشفت مجلة «فورين بولسي» أمس أن روس - ليتينان تنوي قيادة جهود في الكونغرس للمطالبة بمزيد من المعلومات حول صفقة السلاح الأميركية إلى السعودية، وأفادت المجلة بأن روس - ليتينان كانت قد وجهت مع رئيس لجنة العلاقات الخارجية السابق في مجلس النواب، هاورد بيرمان، رسالة تطالب وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، ووزير الدفاع، روبرت غيتس، بتوضيح تفاصيل حول الصفقة، والتعبير عن «قلق» حولها.

ويذكر أن روس- ليتينان تجسد المعارضة الجمهورية لزيادة الدعم الخارجي، بل ستقود جهودا لتقليص المساعدات والمنح الأميركية التنموية.

ومع مواصلة الأزمة المالية، ستطرأ تغييرات على ميزانية المساعدة المخصصة للتنمية التي وعدت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بجعلها أحد أعمدة السياسة الخارجية الأميركية.

كذلك، يفترض بعد نتائج الانتخابات الأخيرة، أن يتولى باك مكيون رئاسة لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب، ويعتبر مكيون من المؤيدين للحربين في العراق وأفغانستان، بالإضافة إلى أنه من أكثر المطالبين بتصعيد الإنفاق العسكري الأميركي.

من جهة أخرى، خسر الحزب الديمقراطي أحد أبرز أعضائه المهتمين بالسياسة الخارجية في مجلس النواب، وهو السيناتور عن ولاية ويسكونسين، روس فاينغولد. فهذا الأخير يهودي معروف بمواقفه الليبرالية، وبمطالبته لإسرائيل بدعم عملية السلام وإقامة دولة فلسطينية، كما أنه صوّت ضد الحرب في العراق عام 2003.

وكان فاينغولد من المرشحين لتولي رئاسة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ التي يرأسها جون كيري حاليا، في حال تم اختيار كيري لتولي منصب وزير الخارجية الأميركي مستقبلا.

ومن المتوقع أن يستغل الكونغرس الجديد كل صلاحياته، من جلسات الاستماع، إلى التأخير في تعيين الدبلوماسيين والقادة العسكريين، إلى تشكيل لجان التحقيق، لضرب الإدارة، تمهيدا للانتخابات الرئاسية التي ستجري في 2012.

وتتعرض استراتيجية أوباما في أفغانستان أصلا لانتقادات من كل جانب، يتسم بعضها بالتناقض، وقد رفع الرئيس الأميركي عدد الجنود الأميركيين في أفغانستان إلى مائة ألف، وأعلن في الوقت ذاته عن بدء الانسحاب، بشروط، اعتبارا من يوليو (تموز) 2011، إلا أن الجمهوريين يعارضون تحديد موعد محدد للانسحاب من أفغانستان.

من جهته، قال السيناتور الجمهوري، جون ماكين، في أعقاب الانتصار الكبير للجمهوريين، إنه يأمل أن يلقي الرئيس الأميركي نظرة جديدة على سياسة الحرب في أفغانستان.

وفاز ماكين في الانتخابات ليحتفظ بمقعده في مجلس الشيوخ عن ولاية أريزونا بفارق كبير عن منافسه، مما يحفظ له مكانته في لجنة القوات المسلحة التابعة للمجلس، كعضو جمهوري بارز.

وصرح ماكين في مقابلة مع «رويترز» بأنه يتطلع للمراجعة التي تعدها إدارة أوباما في ديسمبر (كانون الأول) المقبل لسياسة الحرب في أفغانستان، للاطلاع على ما استجد بعدما أمر أوباما بزيادة القوات الأميركية في أفغانستان قبل عام، للتصدي لقوة طالبان المتنامية.

وذكر ماكين، الذي يتوقع أن يزور أفغانستان قريبا، أنه يريد أن يرى تغييرا في قرار أوباما بالبدء في سحب بعض القوات الأميركية في أفغانستان، في أغسطس (آب) المقبل. وقال: «يمكني أن أتحدث عن نفسي فقط، ولكن موعد الانسحاب الذي أعلنه الرئيس دون استشارة عسكرية سبب لنا مشكلات جمة في عملياتنا في أفغانستان، لأنه شجع أعداءنا، وأربك أصدقاءنا هناك». وأضاف ماكين، الذي خسر في انتخابات الرئاسة أمام أوباما في عام 2008: «آمل أن تصل الرئيس رسالة بأن الشعب الأميركي لا يقر تحركات إدارته وسياساتها خلال العامين الماضيين، وأنه ينبغي عليه أن يحل هذه المشكلات وتسيير شؤون البلاد من جديد».

ويقول ستيف كليمنز، من مؤسسة «نيو أميركا»: إن أوباما «لا يمكنه أن يفعل شيئا ليفلت من الانتقادات»، أيا كان أداؤه في أفغانستان، وكان الرئيس الأميركي قدم النزاع في أفغانستان على أنه حرب «ضرورية»، واستراتيجية للولايات المتحدة خلافا للحرب في العراق التي يحاول وضع حد لها.

وقال كليمنز إنه إذا استؤنفت الحرب الأهلية في بغداد، فإن «الجمهوريين سيتهمون أوباما فورا بالتخلي عن ميدان قتال حيوي للمصالح الأميركية».

وقد يتهم الرئيس الأميركي أيضا بالضعف حيال الصين، بينما تتهم واشنطن بكين بخفض قيمة عملتها، وقد غابت السياسة الخارجية والدفاع بشكل شبه كامل عن الحملة الانتخابية. لكن النزعة القومية النقدية طرحت في كل المناظرات. وقال ستيفن فلاغان إن الأغلبية التشريعية الجديدة ستطالب الرئيس «بتعزيز الضغط على الصين في مجالي التجارة والعملات».

أما الملف الآخر الذي يجب متابعته عن كثب، فهو معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية (ستارت) مع روسيا، التي لم يصادق عليها الكونغرس حتى الآن. ويرى عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي أن واشنطن قدمت تنازلات مفرطة لموسكو في هذا الشأن.