الرئيس الصيني في زيارة دولة إلى باريس.. وتوقيع عقود بالمليارات

ساركوزي يسعى للحصول على دعم جينتاو في رئاسته لمجموعة العشرين

ساركوزي وزوجته كارلا خلال استقبالهما الرئيس الصيني هو وزوجته ليو يونغكينغ (الثانية يمينا) في مطار أورلي أمس (أ.ف.ب)
TT

فوجئ الباريسيون بداية بعد ظهر أمس بإغلاق الشوارع في المنطقة الممتدة من ساحة الأنفاليد في اتجاه قصر الإليزيه ومن هناك صعودا نحو جادة الشانزليزيه ومنها جادة جورج الخامس. وجذبتهم صورة خيالة الحرس الجمهوري بسيوفهم اللامعة وخوذاتهم المعدنية يتهادون على جسر ألكسندر الثالث تسبقهم موسيقى الحرس وتتبعهم أرتال السيارات الرسمية ودراجو قوى الدرك. ووسط ذلك كله، سيارة الرئيس الصيني هو جينتاو الذي وصل أمس في زيارة دولة إلى فرنسا تستمر ثلاثة أيام. وفرضت قوى الأمن إجراءات مشددة لتفادي المفاجآت وأصحاب الفضول خاصة المتظاهرين الذين قد يغتنمون فرصة وجود جينتاو في باريس لرفع لافتات تطالب بكين والرئيس الصيني باحترام حقوق الإنسان.

ويعكس هذا الاهتمام البروتوكولي الذي يشمل إقامة جينتاو في باريس ثم انتقاله إلى مدينة نيس المتوسطية حيث سيلحقه إلى هناك الرئيس نيكولا ساركوزي ويدعوه لعشاء في مطعم اعتاد ارتياده، اهتمام فرنسا بالصين. واستبق ساركوزي الذي استقبل مع قرينته الرئيس جينتاو في مطار أورلي وأقام على شرفه ليلا عشاء رسميا في قصر الإليزيه وصول الأخير بالإعلان أنه يتعين التعامل مع الصين كـ«فرصة وليس كمخاطرة». وأشارت مصادر الإليزيه إلى أن باريس ترى أنه «لا شيء يمكن أن يحل في الوقت الحاضر (على المستوى العالمي) بمعزل عن الصين». وبعكس الولايات المتحدة الأميركية التي تبدو علاقاتها مع الصين متوترة بعض الشيء، فإن باريس تريد تناسي الملفات «المزعجة» والتقارب مع الصين باعتبارها لاعبا دوليا أساسيا. وتشير المصادر الفرنسية إلى دور الصين في التعامل مع الملفين النوويين الساخنين في العالم وهما الملف الإيراني والملف الكوري الشمالي، والملف السوداني بكل تشعباته فضلا عن الدور الصيني المتنامي في أفريقيا وحاجة بكين المتزايدة إلى المواد الأولية الضرورية لنمو اقتصادها ودورانه.

وتنظر باريس إلى الصين على أنها تمثل ثاني اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الأميركية. ويسيل لعاب الشركات الفرنسية كلما جاء الحديث عن السوق الصينية الواعدة. وعلى أي حال، فإن زيارة هو جينتاو إلى فرنسا فرصة لتوقيع مجموعة من العقود الأساسية بالنسبة للشركات الفرنسية الكبرى مثل «أريفا» الناشطة في الحقل النووي وشركة «توتال» النفطية و«ألكاتيل» (اتصالات) و«إيرباص» (طائرات مدنية). وتعمدت مصادر الإليزيه الإشارة إلى أن قيمة العقود التي ستوقع خلال زيارة جينتاو «تفوق قيمتها أية عقود وقعت في مناسبة شبيهة».

وتأتي زيارة جينتاو في أفضل توقيت ممكن بالنسبة للرئيس الفرنسي الذي سيتسلم الأسبوع المقبل (12 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي) في سيول رئاسة مجموعة العشرين كما أنه سيتسلم أيضا في الأول من العام المقبل رئاسة مجموعة الثماني للدول الأكثر تصنيعا في العالم. وتشكل هاتان الرئاستان تحديا سياسيا داخليا وخارجيا للرئيس الفرنسي الذي يريد استخدامهما كرافعة للعودة بقوة إلى الساحة الداخلية وقلب صفحة الصعوبات الاجتماعية والانتقادات التي تعرض لها بسبب سياسته الأمنية تجاه المهاجرين والغجر. لذا، فإن ساركوزي راغب في استمالة هو جينتاو ودعمه من أجل السير بالإصلاحات التي يريد العمل على إدخالها في إدارة شؤون العالم وأهمها إصلاح النظام المالي العالمي ومن بينها رفع قيمة العملة الصينية (اليوان) وإيجاد آليات للتحكم بالمواد الأولية الأساسية في العالم ومن بينها النفط، وأخيرا نظام الحوكمة العالمية.

وكانت العلاقات الفرنسية - الصينية قد عاشت حالة من الصعود والهبوط منذ وصول ساركوزي إلى الرئاسة بسبب تصريحات فرنسية رسمية خاصة بحقوق الإنسان وبالوضع في التيبت. غير أن ساركوزي استعان بالموفدين لتهدئة القادة الصينيين كما أن الخطاب الرسمي الفرنسي «هدأ». وقال ساركوزي أمس ردا على الصحافيين، بخصوص موضوع حقوق الإنسان، إنه «عندما نستقبل ضيفا علينا استقباله بشكل جيد وليس عن طريق الانتقاد. يمكن التقدم في معالجة الملفات، بل يتعين أن نبدي التفهم إزاءها». ولذا، من المستبعد أن يثير ساركوزي موضوع المواطن الصيني ليو تشياوبو، الحائز على جائزة نوبل للسلام القابع حاليا في السجون الصينية.