تحركات لجمع شتات البوشناق في دول البلقان

عددهم 10 ملايين ويتساءلون حول تشكيل كيان خاص بهم أو البقاء موزعين في كل دول المنطقة

TT

تعمل عدة فعاليات بوشناقية في دول البلقان على عقد مؤتمر جامع يضم الشتات البوشناقي لتحديد مصير ما يزيد على 10 ملايين نسمة موزعين على هذه الدول.

وتنهض جمعيات ثقافية، وأحزاب سياسية، ودوائر مؤثرة في المنطقة، لتجميع شتات البوشناق، وهم سكان البوسنة الأصليون. فكلمة «بوشناق» كانت تطلق على جميع سكان البوسنة، ثم أصبحت خاصة بالمسلمين منهم، بعد أن تخلى الأرثوذكس والكاثوليك عن بوشناقيتهم لصالح القوميتين الصربية والكرواتية. وفي المقابل لم يعترف بالبوشناق المسلمين سوى بكونهم مجموعة دينية «مسلماني»، وذلك لتحقيق هدف سياسي، هو تجريدهم من الأرض، وتكريس ذلك بتجريدهم من الهوية الدينية ذاتها. ورغم أن عمر وطنهم الأم البوسنة يزيد على ألف عام، فإن وعي البوشناق بهويتهم الوطنية والإثنية لا يزال ضعيفا.

ويقول أحد مفكريهم، وأحد أهم الشخصيات التاريخية البوشناقية، الدكتور مصطفى تسيريتش، في لقاء مع «الشرق الأوسط»: «نحن نعاني ما عانته الشعوب الأخرى مثل الكروات، الذين ناضلوا من أجل دولتهم 900 عام». ويتابع: «بدأنا السعي لتشكيل الوعي بأهمية الانتماء الديني والقومي، فنحن عشنا فترة الخلافة العثمانية، وكان الولاء للدولة الكبرى، وظل هذا التطلع مرافقا للأجيال حتى ضياع الخلافة وقيام الدولة المعاصرة. وهذا لا يعني القطع مع الأحلام المشروعة، فمواطنو الولايات المتحدة الأميركية ينتمون إلى دولة واحدة رغم تعدد أعراقهم، ولكن في هذه الفترة يجب التركيز على النواة القومية والدينية».

هذه الخطوط العريضة بدأت تتبلور في أحزاب ومنظمات، لكنها لم تصل إلى الصياغة النهائية لنمط العلاقات التي يجب أن تربط بين البوشناق في العالم، لا سيما في البوسنة، وصربيا (خصوصا في إقليم السنجق) والجبل الأسود، وكوسوفو، وألبانيا، ومقدونيا، وسلوفينيا، وكرواتيا، وتركيا، التي يعيش فيها وحدها أكثر من 4 ملايين بوشناقي. ولذلك يدعو حزب العمل «أ»، وهو حزب أعلن عن نفسه عام 2008 في البوسنة، ويختلف عن حزب العمل الديمقراطي بإضافة حرف الألف إليه. ويقول نائب رئيس الحزب، وأحد كبار المنظرين لتجميع البوشناق، الأستاذ الجامعي والروائي والشاعر الكبير الدكتور جمال الدين لاتيتش: «يؤمن حزب العمل بالوحدة بين البوشناق في المنطقة، إذ إنه ليس حزبا لبوشناق ومسلمي البوسنة فحسب». ويضيف أن الحزب «يؤمن بالروابط الثقافية والحضارية مع العالم الإسلامي ويدعو لتعزيزها». وتابع في حديث مع «الشرق الأوسط»: «نحن نؤمن بالأفكار الأساسية للزعيم الراحل علي عزت بيغوفيتش، والحزب ليس للبوشناق المسلمين في البوسنة وإنما لجميع البوشناق في البلقان وأوروبا». وأكد على معاناة شعبه قائلا: «نحن أكثر شعب مضطهد في البلقان وشرق أوروبا، ولذلك نعمل على انضمام البوسنة إلى منظمة المؤتمر الإسلامي، والاتحاد الأوروبي». ويؤكد لاتيتش على أن أفكار الزعيم الراحل علي عزت بيغوفيتش هي معالم في برنامجهم السياسي والثقافي والأممي، ويقول: «نحن ندين بتوجهاتنا للأفكار الأساسية لعلي عزت بيغوفيتش، الحزب يدافع عن جميع البوشناق في البوسنة وخارج البوسنة». كما يطالب «بمؤتمر جديد للدول الموقعة على اتفاقية دايتون (التي أنهت حرب البوسنة منتصف التسعينات) بمشاركة أعضاء من المؤتمر الإسلامي، ولكي نصوغ دستورا جديدا». كما كشف عن تحضيرات لمؤتمر يضم بوشناق الشتات.

وإلى جانب تسيريتش ولاتيتش تبرز قامة في صربيا يمثلها الدكتور معمر زوكارليتش، الذي حقق الكثير من الإنجازات الهامة، كإقامة جامعة عالمية، وتأسيس جمعية ثقافية بوشناقية، تهدف إلى الحفاظ على الهوية القومية. وقال زوكارليتش لـ«الشرق الأوسط»: «نحن معرضون لحملات شديدة تستهدف بوشناقيتنا، وهناك محاولات لتذويبنا القومي. المواد التعليمية في المدارس جميعها ملونة ومفعمة بالقومية الصربية، بينما من الناحية القانونية يحق للقوميات الأخرى أن تعلم أبناءها لغتها ودينها وثقافتها. هذه الهيئة هدفها الأساسي المحافظة على الهوية البوشناقية بالوسائل المتاحة لديها، وبالدرجة الأولى التعليم في مختلف المراحل الدراسية، إلى جانب الفنون والثقافة العامة وكل الأشكال المعروفة».

ويحظى زوكارليتش باحترام وتقدير بالغين في الأوساط البوشناقية في العالم، وعن ذلك يقول الدكتور مصطفى تسيريتش: «إن معمر زوكارليتش رمز من رموز القيادة البوشناقية المركزية في هذا العصر، وقد أثبت للعالم وخصوصا في البلقان أن من ينام عن قضايا شعبه لن يساعده أحد، ومن يعمل ويطرق الأبواب ويقرن القول بالعمل يحقق المنجزات لشعبه وأمته».

ويرى الدكتور تسيريتش أن حقوق الإنسان كفيلة بضمان المساواة، ويقول: «نحن نرى وجوب حماية ورعاية حقوقنا بموجب القانون وفق حقوق الإنسان، وليس بموجب الشفقة». ويعتبر تسيريتش أن «قضية البوشناق من الناحية القومية لم تحلّ بعد، فهذا هو العصر والوقت الذي يجب على البوشناق الإجابة على سؤال: من نحن، وما موقفنا وموقعنا في شبه جزيرة البلقان؟ هل نحن سنجتمع في كتلة واحدة في دولة واحدة دولة مثل غيرها من الدول المجاورة، أم سنعيش في دولة متعددة الأديان والقوميات؟».