موقع «يوتيوب» يسحب تسجيلات الفيديو لبعض خطب العولقي

تقرير: التحركات اليمنية ضد «القاعدة» تواجه شكوكا داخلية

أنور العولقي (أ.ف.ب)
TT

سحب موقع «يوتيوب» الإلكتروني تسجيلات الفيديو لبعض خطب الإمام المتشدد أنور العولقي التي تتضمن دعوات إلى الجهاد.

وقالت صحيفة «نيويورك تايمز» إن سحب بعض من مئات التسجيلات التي يظهر فيها العولقي جاء بعد احتجاجات تقدم بها مسؤولون بريطانيون وأميركيون.

وكان البرلماني الديمقراطي عن نيويورك أنتوني وينر وصف في رسالة إلى إدارة «يوتيوب» الأسبوع الماضي العولقي بأنه «بن لادن الإنترنت»، وطلب منهم سحب التسجيلات.

وقال وينر على موقعه على الإنترنت «ليس هناك أي سبب لإعطاء قتلة مثل العولقي أحد المنابر الكبرى الموجودة ليشكل مصدر إلهام للآخرين بمزيد من أعمال العنف داخل حدودنا أو في أي مكان آخر في العالم». وأشار وينر إلى أن العولقي التقى خصوصا منفذي اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) ويظهر في أكثر من 700 تسجيل فيديو موضوعة على موقع «يوتيوب» تمت مشاهدتها 3.5 مليون مرة. وتابع أن (يوتيوب) ملتقى للأفكار وعلى شركتكم عدم السعي لعرقلة حرية التعبير. لكن رسالة العولقي التي تجري الدعاية لها عن طريق (يوتيوب) أدت إلى أعمال عنف وتشكل تهديدا للأمن الأميركي». ودعا البرلماني الأميركي مسؤولي الموقع إلى «إزالة هذا الرجل وخطابه المقيت» من موقعهم.

وردا على سؤال لوكالة الصحافة الفرنسية لم تعلق «يوتيوب» مباشرة على مسألة تسجيلات العولقي لكنها قالت إنها تزيل باستمرار تسجيلات مخالفة لبعض القواعد، خصوصا تلك التي توضح كيفية صنع قنابل أو تنقل خطبا تحض على الكراهية أو تحرض على العنف.

وأكدت الشركة التي تتخذ في سان برونو (كاليفورنيا) مقرا لها أنها تزيل تسجيلات الفيديو وحسابات المستخدمين المدرجين على اللائحة الأميركية للمنظمات الإرهابية.

وقال موقع «يوتيوب» أول من أمس «ندرس حاليا تسجيلات الفيديو التي جرى الحديث عنها وسنلغي كل تلك التي تخالف قواعدنا».

إلى ذلك، ومع تكثيف اليمن حملته العسكرية ضد الذراع الإقليمية لتنظيم القاعدة، تقف أمامه عقبة خطيرة تتمثل في أن معظم اليمنيين يعتبرون هذا التنظيم مجرد خرافة لا وجود لها في الواقع، أو خديعة يرمي رئيسهم من خلالها إلى استنزاف أموال مساعدات من الغرب ومعاقبة خصومه المحليين.

المؤكد أن هذه الشكوك - التي تضرب بجذورها في تاريخ الحياة السياسية اليمنية القائم على المناورات - تزيد تعقيد أي جهود لاقتفاء أثر العناصر الضالعة في المخطط الأخير الخاص بإرسال عبوات ناسفة عبر طائرات إلى الولايات المتحدة. كما أنها تزيد من صعوبة الفوز بتأييد شعبي لجهود مكافحة العنف الجهادي، بغض النظر عن المسمى الذي يطلق عليه.

في هذا السياق، قال لطفي محمد (50 عاما) عاطل تبدو عليه مظاهر الإرهاق بينما كان يسير عبر ميدان التحرير المضطرب بالحركة: «ما هي (القاعدة)؟ الحقيقة أنه ليس هناك ما يدعى (القاعدة)». واستطرد بأن أعمال العنف «ناجمة عما يفعله النظام وغياب الاستقرار والصراعات الداخلية».

الملاحظ أن وجهة النظر تلك، التي تترك أصداء واسعة عبر جنبات اليمن، تعد في جزء منها فقط نظرية مؤامرة، حيث استغلت الحكومة اليمنية الجهاديين كجنود بالوكالة في الماضي، وفي بعض الأحيان تعمدت وضع تهديدات «القاعدة» وحركات تمرد سياسية أخرى لا صلة لها بالتنظيم تخوض ضدها حربا بشمال وجنوب البلاد في السنوات الأخيرة، في سلة واحدة. وفي بلاد يعد العنف السياسي والقبلي من الأمور المستوطنة بها، غالبا ما يكون من المستحيل تحديد من يقتل من ولماذا.

لكن يبقى هناك أمر واحد واضح، أن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح عزز من جهوده للوفاء بالتزامه بمحاربة «القاعدة» خلال العام الماضي، حيث شن ضد التنظيم عددا أكبر بكثير من الغارات العسكرية والضربات الجوية، بما في ذلك بعض الهجمات التي شنتها قوات عسكرية أميركية. إلا أن حكومته تكبدت ثمنا مقابل ذلك. مثلا، أعلن صالح، السبت، خلال مؤتمر صحافي عقده بعد يوم من اكتشاف مخطط نقل عبوات ناسفة جوا، أن «القاعدة» قتلت 70 ضابطا شرطيا وجنديا خلال الأسابيع الأربعة الماضية، مما يمثل زيادة حادة عن السنوات السابقة، الأمر الذي اعتبره بعض المحللين دليلا على تنامي ذراع «القاعدة» في اليمن.

إلا أن الكثير من اليمنيين يبدون متشككين في أن «القاعدة» مدانة بالفعل في جميع أو حتى معظم حوادث القتل تلك، التي وقعت في ذات الأجزاء الجنوبية من البلاد التي تشهد تنامي حركة انفصالية على مدار السنوات الثلاث الماضية.

في هذا الصدد، اشتكى عبد الله الفقيه، بروفسور العلوم السياسية بجامعة صنعاء، من أنه «يتعذر علينا تمييز الحملات الدعائية عن الواقع. ومن المستحيل تحديد من يقتل من، ذلك أن هناك خصومات قبلية و(القاعدة) والحركة الجنوبية، بجانب الدولة التي تمارس كثيرا من المناورات».

الملاحظ أن هناك نوعين من الخطاب حول «القاعدة» في اليمن، يصدر أحدهما عن الحكومة اليمنية والمواد التي ينشرها التنظيم عبر شبكة الإنترنت - ويلقى أصداء في الغرب - ويرسم صورة قاطعة من الأبيض والأسود للصراع الدائر بين الأطراف المتناحرة في البلاد. أما الخطاب الثاني فيتمثل في وجهة النظر القائمة على أرض الواقع داخل اليمن، وتدور حول فوضى من الهجمات مثيرة للحيرة تنفذها جماعات تتبدل ولاءاتها من حين لآخر، بعضها يقاتل تحت ألوية سياسية أو دينية، وبعضها يسعى لجني المال فحسب.

من جانبها، عمدت السلطات اليمنية منذ أمد بعيد لتقديم أموال للزعامات القبلية لمحاربة خصومها المحليين، أو حتى قبائل أخرى تثير مشكلات للحكومة. وساعدت هذه السياسة في تعزيز ثقافة الابتزاز، مع تعمد بعض القادة القبليين إلى تأجيج العنف، سواء من قبل الجهاديين أو مجرد مجرمين، ثم يعرضون كبح هذه العناصر مقابل المال.

وقال فقيه: «إن بعض ما يبدو وكأنه جزء من (القاعدة) ليس سوى ممارسة للإرهاب كنشاط تجاري للتربح».

الملاحظ أن القبائل اليمنية غالبا ما تجري الإشارة إليها باعتبارها العقبة الرئيسية في القتال ضد «القاعدة»، لأنها توفر الملاذ للمسلحين انطلاقا من تقاليد الضيافة القبلية أو حتى القرابة الآيديولوجية. بيد أنه في الواقع لا يبدي سوى القليل من الزعماء القبليين تعاطفا مع التنظيم، وقد أجبرت بعض القبائل أعضاء «القاعدة» على الرحيل عن مناطقها فيما مضى.

من ناحية أخرى، يبدو أن «القاعدة» تزدهر بالمناطق التي ينحسر فيها النفوذ القبلي، أو بالأجزاء الجنوبية التي تصل فيها مشاعر كراهية الحكومة إلى ذروتها. وفي الكثير من الهجمات الأخيرة، من العسير تحديد خط فاصل بين تلك التي نفذتها «القاعدة» والأخرى التي شنها رجال شباب غاضبون ومعدمون قادرون على الحصول على الأسلحة بسهولة.

وينطبق هذا الأمر على نحو خاص على الحركة الانفصالية بالجنوب. عن ذلك، شرح صالح الحنشي، مستشار حاكم أبيان، وهي محافظة جنوبية حيث تعتمل بحركة اعتراض ضد الحكومة ووقعت بها الكثير من أعمال القتل الأخيرة، بقوله «لقد تحولوا إلى جماعات مثيرة للفوضى، فهذه الجماعات داخل أبيان تطلق النار على السيارات التابعة للحكومة وتأتي بأعمال أخرى تخريبية ضد الدولة». ومن السهل إيعاز هذا النمط من التخريب المتعمد إلى «القاعدة»، سواء أعلنت مسؤوليتها أم لا. يذكر أن العدد الأخير من مجلة «إنسباير»، التابعة للتنظيم وتصدر بالإنجليزية، تحمل عنوانا على غلافها الخارجي يقول «صور من عمليات في أبيان». وفي الداخل، هناك صور مروعة لسيارات محترقة وجنود يمنيين قتلى.

* خدمة «نيويورك تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»