السياسة تتداخل مع الشخصي في مذكرات بوش

يعترف بأخطائه ويغفل ويتجاوز عن الكثير من القضايا الخطيرة

TT

كان يمكن أن تحمل السيرة الذاتية لجورج دبليو. بوش الصادرة باسم «قرارات حاسمة» عنوانا آخرا مثل «المقرر يقرر»، ذلك أنها سيرة ذاتية تركز على «أهم القرارات» في فترة رئاسته وحياته الشخصية، بدءا من قراره بالإقلاع عن تناول الخمور عام 1986، مرورا بقراره غزو العراق، ووصولا لقراراته المتعلقة بالأزمة المالية العالمية عام 2008. ويعكس الكتاب في جزء منه حالة من التشوش الذهني، وفي جزء آخر شعورا بالندم عن أخطاء اقترفت، ويبدو في جزء آخر أشبه بكتاب لسرد الذكريات العائلية، بينما يبدو في بعض جوانبه محاولة لإعادة رسم صورة الإرث السياسي للرئيس السابق.

إنه يبدو كتابا حول الذكريات وضعه مؤلف لا يميل بطبيعته إلى تفحص أفكاره ومشاعره الداخلية، لذا جاء «قرارات حاسمة» مفتقرا إلى الدقة العاطفية والقدرة الكبيرة على إثارة الذكريات التي اتسم بها كتاب زوجته لورا، «حديث من القلب» (سبوكين فروم ذي هارت)، والذي نشر في وقت سابق من العام. ومع ذلك، يعكس كتاب بوش مجهودا أكبر بكثير عن كتابه حول ذكرياته عن حملته الانتخابية عام 1999 بعنوان «اتهام يبقى» (تشارج تو كيب)، والذي بدا أنه لم يتعامل معه بالاهتمام اللازم.

المؤكد أن هذا الكتاب يعد أكثر المذكرات الرئاسية افتقارا إلى الطابع الرسمي، فكم عدد الأعمال المنتمية لهذا النوع من الكتابات يبدأ بما يبدو وكأنه اعتراف إنجيلي من 12 خطوة (مثل قوله: «هل يمكن أن أستمر في التقرب إلى الله القدير أم أن الكحوليات أصبحت إلهي؟)، بجانب ما يتضمنه الكتاب من نكات تفتقر إلى حس الفكاهة.

ويتسم «قرارات حاسمة» بلغته النثرية العملية والتقطيع في الجمل وطابع مباشر وصريح. وتتأرجح الحالة المزاجية لبوش خلال الكتاب بصورة أساسية بين اتخاذ موقف دفاعي والحذر الشديد - بجانب قناعاته الدينية القوية وإغفال ذكر أحداث على نحو يكاد يكون متعمدا.

الواضح أن صورة بوش في هذا الكتاب ستبدو مألوفة للغاية بالنسبة للقراء الذين سبقت لهم قراءة الكتب الأربعة التي وضعها بوب وودورد عن الإدارة أو كتاب «ثقة مؤكدة» (ديد سيرتين) لروبرت دريبر عام 2007، حيث يبدو بوش رئيسا مغرما بالأفكار الكبرى ومظاهر الترفيه البسيطة (مثل ممارسة العدو يوميا)، ويبدو قريبا أيضا من صورة مسؤول يشتهر بتفاؤله وعناده وافتقاره إلى الشعور بالفضول. في الوقت ذاته، يثير «قرارات حاسمة» - أحيانا عن قصد وفي أخرى عن غير قصد - شعورا غريبا لدى القارئ حول كيف أن التفاعل الحتمي بين الشخصيات داخل أي إدارة بإمكانه التأثير على سياسات تؤثر بدورها على العالم بأسره. على امتداد الكتاب، يعترف بوش بالعديد من الأخطاء. مثلا، فيما يخص أسلوب تعامل إدارته مع إعصار كاترينا، يقول: «كقائد لحكومة فيدرالية، كان ينبغي أن أدرك نقاط القصور في وقت مبكر عن ذلك وأتدخل على نحو أسرع عما حدث بالفعل». وفيما يخص العراق، أعرب عن ندمه حيال «أننا لم نستجب بصورة أسرع أو أقوى عندما بدأ الوضع الأمني في التردي بعد سقوط نظام صدام»، وأن «تقليص أعداد الجنود بسرعة مفرطة كان أكبر خطأ تنفيذي في الحرب»، واعترف بأن «شعورا بالغثيان ينتابني» في كل مرة يفكر في فشل العثور على أسلحة دمار شامل بالعراق.

ورغم ذلك، يصر بوش على أن «الإطاحة بصدام من السلطة كان القرار الصائب»، مضيفا أنه «رغم كل الصعوبات التي أعقبت القرار، أصبحت أميركا أكثر أمنا من دون وجود ديكتاتور انتحاري يسعى لامتلاك أسلحة دمار شامل ويدعم الإرهاب في قلب الشرق الأوسط». على امتداد الكتاب، يغفل بوش ويتجاوز عن الكثير من القضايا الخطيرة التي أثارها نقاد، بما في ذلك السياسة الانتقائية من المعلومات الاستخباراتية المتوافرة التي انتهجها صقور الإدارة خلال الفترة السابقة مباشرة لغزو العراق، ومساعي البيت الأبيض الحثيثة لتعزيز سلطاته التنفيذية على نحو بالغ فيما يتعلق بالحرب ضد الإرهاب، وتجاهل نصيحة المؤسسة العسكرية ووزارة الخارجية حيال الأعداد المناسبة للقوات والتخطيط لما بعد الحرب.

والملاحظ أن الرئيس السابق لا يتناول الدور الذي لعبه قرار تحويل موارد إلى الحرب في العراق في صعود «طالبان» مجددا في أفغانستان، بدلا من ذلك أشار إلى أن «التوجه الدولي حيال عملية إعادة البناء، الذي أشاد به الكثيرون في المجتمع الدولي، يعاني من الفشل». ويحاول بوش أيضا التقليل من أهمية مشكلات معسكر غوانتانامو، مشيرا إلى أن المحتجزين جرى إعطاؤهم «نسخة شخصية من القرآن» وأتيح لهم الدخول إلى مكتبة من بين ما تضمه من كتب شهيرة ترجمة عربية لـ«هاري بوتر». ويؤكد بوش في كتابه أنه «لو لم أقر استخدام أسلوب الإيهام بالغرق مع كبار قادة (القاعدة)، كان سيتعين عليّ تقبل مخاطرة أكبر فيما يخص إمكانية تعرض البلاد لهجمات».

ولم يتناول بوش الدور الذي اضطلعت به سياساته المؤيدة للسوق الحرة في تأجيج حالة الانحسار الاقتصادي في نهاية فترة رئاسته الثانية. كما أنه لم يعترف بأي مسؤولية من جانبه عن سياساته الحزبية الصارخة والمثيرة للانشقاقات الحزبية.

واستخدم بوش في كتابه عدة مرات لفظ «أخذ على حين غرة» لوصف مشاعره حيال أي أزمة يبدو أن مستشاريه ووزراءه لم يوفروا له معلومات كاملة عنها. وقد استخدم هذا التعبير في وصف مشاعره تجاه أزمة أبو غريب، وكتب أن دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع، «أخبرني أن المؤسسة العسكرية تجري تحقيقا بشأن تقارير حول وقوع تجاوزات في السجن، لكن لم تكن لديّ أدنى فكرة عن مدى فداحة أو بشاعة الصور». وأضاف: «كانت المرة الأولى التي رأيتها فيها عندما جرت إذاعتها عبر برنامج (60 دقيقة)».

وفي كتابه، يذكر بوش أنه أخبر مستشاريه «لا أرغب قط في أخذي على حين غرة على هذا النحو مجددا»، في أعقاب صدام وقع بين البيت الأبيض ووزارة العدل حول برنامج سري للمراقبة. ويضيف: «لقد تفاجأنا بأزمة مالية كانت تتشكل منذ أكثر من عقد». وأشار إلى أن تركيزه كان منصبا على «قضايا اقتصادية محدودة مثل الوظائف والتضخم. وافترضت أن أي مشكلات كبرى سيلتفت إليها مسؤولو التنظيم أو وكالات التصنيف المالي».

ووصف الكثير من الكتب التي وضعها مراسلون ومصادر مطلعة سابقا إدارة بوش باعتبارها تميل لصنع القرارات على نحو ارتجالي وتبدي حذرا إزاء العمليات التقليدية لمراجعة السياسات وتميل لتفضيل أهل الثقة على أهل الخبرة. في كتابه «بوابة القتلة المأجورين» نسب جورج باكر، الصحافي بـ«نيويورك تايمز»، إلى ريتشارد إن. هاس، المدير السابق لشؤون التخطيط داخل وزارة الخارجية، قوله إنه لم تحدث قط عملية تقدير حقيقية لإيجابيات وسلبيات قرار حرب العراق. وفي كتاب «الهجوم القادم» ذكر دانييل بنجامين وستيفين سيمون أن جهود التخطيط للحرب افتقرت إلى التنسيق في الغالب، وأن الكثير من المسؤولين عملوا خارج القنوات المحددة لهم، حيث «أصدروا توجيهات من دون تفحص خططهم عبر عملية دقيقة متكررة على النحو الذي تستخدمه الحكومة عادة في التأكد من الاستعداد لأي طوارئ قد تقع». في العديد من جوانبه، يؤكد الكتاب الجديد هذه الملحوظات، فمثلا، يشير بوش إلى أنه خلال تقييمه للمرشحين للانضمام إلى الإدارة، تفحص «الطابع والشخصية» في محاولة لخلق مناخ من «الولاء القوي - ليس لي، لكن للبلاد وقيمنا». وعام 2006، أخبره أحد مساعديه أن «العديد شرعوا في استخدام الوصف غير الإيجابي ذاته لوصف هيكل البيت الأبيض»، حسبما ذكر بوش. وأضاف: «بدأ الوصف بكلمة (جماعة) وانتهى بأربعة حروف أخرى إضافية». وتحدث بوش عن «مشاحنات داخل فريق مسؤولي الأمن القومي»، وكيف أن «شيئا لم يفلح» في تهدئة الحروب على بسط النفوذ، بما في ذلك محادثاته مع رامسفيلد وكولين إل. باول، وزير الخارجية وديك تشيني، نائب الرئيس، وكوندوليزا رايس، مستشارة الأمن القومي.

وعلى الرغم من تحمس بوش لتصوير نفسه على أنه قائد تقدمي وحازم، فإن هذا الكتاب يظهر الرئيس الأميركي السابق، في بعض الأحيان، بأنه شخص سلبي على نحو مبتذل ومتعجرف بشكل غريب.

على سبيل المثال، كتب بوش عن الإخفاقات في احتواء الأحوال الأمنية المتدهورة في العراق، والصراعات المستمرة بين البنتاغون ووزارة الخارجية الأميركية وإحباطاته مع دونالد رامسفيلد. ولكن أثناء قوله إنه «خطط لإجراء تغيير في وزارة الدفاع كجزء من فريق الأمن القومي الجديد» عام 2004، فإنه أضاف بأنه لا يمكنه ببساطة أن يأتي ببديل لرامسفيلد. وفكر بوش ورفض فكرة تعيين كوندوليزا رايس أو السيناتور جوزيف ليبرمان لشغل هذا المنصب، وتعرض لانتقادات وتوبيخ من وزير الخارجية الأميركي الأسبق جيمس بيكر الثالث، الذي «كان يستمتع بتقاعده».

وقد استمر الوضع داخل العراق في التدهور على مدار العامين التاليين مع مقتل وجرح المزيد والمزيد من الجنود والمدنيين، وفي ربيع 2006، جاهر عدد من الجنرالات المتقاعدين بمعارضتهم لسياسة رامسفيلد. وكتب بوش قائلا: «بينما كنت لا أزال أفكر في تغيير المسؤولين، كان يستحيل أن أسمح لمجموعة من الضباط المتقاعدين أن تجبرني على إعفاء وزير الدفاع المدني من مهام منصبه. وكان هذا الأمر سيبدو مثل انقلاب عسكري، وكان سيمثل سابقة كارثية».

وعليه، بقي رامسفيلد في منصبه إلى أن اقترح صديق قديم لبوش كان زميلا له في المدرسة العليا والكلية (كان قد عينه في اللجنة الاستشارية للاستخبارات الخارجية) اسم روبرت غيتس بديلا لرامسفيلد. وقتها تساءل بوش «لماذا لم أفكر من قبل في غيتس؟» ويعيد تصوير بوش لنائبه ديك تشيني التأكيد على وصف العديد من المحققين الصحافيين بأن تشيني كان هو القوة التي دفعت بوش للتدخل العسكري في العراق. وكان وصف بوش للزخم وقوة الدفع تجاه الحرب يحمل أصداء الوصف الوارد في كتاب بوب وودورد بعنوان «خطة للهجوم» (بلان أوف أتاك) الذي أشار إلى تنامي الضغوط من أجل اتخاذ إجراءات فعلية، قال بوش إن رئيس مصرف الاحتياط الفيدرالي، آلان غرينسبان، أخبره بأن أجواء الضبابية وعدم الوضوح تضر بالاقتصاد الأميركي وأن صاحب السمو، الأمير بندر بن سلطان أخبره أن «الشرق الأوسط بحاجة إلى قرار».

ولكن في حين ركزت العديد من الكتب مثل «عائلة بوش» الذي كتبه كل من بيتر وروشيل شويزر، وكتاب «مأساة بوش» الذي كتبه جاكوب ويسبيرغ على الاختلافات بين جورج دبليو بوش ووالده، وحاجة الرئيس الأميركي رقم 43 إلى تمييز نفسه عن الرئيس رقم 41، حاول بوش الأصغر جاهدا في هذه المذكرات التأكيد على قربه من والده.

وذكر بوش الابن أنه خلال احتفالات العائلة بأعياد الكريسماس في عام 2002، قال والده: «أنت تعرف كم كانت الحرب صعبة يا ولدي، ويتعين عليك أن تجرب كل شيء يمكن أن تفعله من أجل تجنب الحرب»، وبعدها أضاف: «ولكن إذا لم يستجب الرجل، فلن يكون أمامك أي خيار آخر». وخلال فترة لاحقة، بعدما أصدر بوش الأصغر أوامره بخوض الحرب، قال إن والده أرسل له رسالة تقول: «إنك تفعل الشيء الصحيح. إن القرار الذي اتخذته للتو هو أصعب قرار كان يتعين عليك اتخاذه حتى الآن. ولكنك اتخذته بقوة ووعي».

وقال بوش إنه ترك منصبه وهو راض لأنه «كان دائما يفعل ما يعتقد أنه صواب». ومنذ ذلك الحين، ذكر بوش أنه عاد إلى ممارسة حياته الطبيعية بشكل مريح. وكتب بوش أنه «بعد فترة وجيزة من انتقاله إلى دالاس، أخذ كلبه بارني في جولة صباحية، عندما شاهد بارني حديقة جارنا سارع لممارسة حياته الطبيعية. وهناك، كنت الرئيس السابق للولايات المتحدة أحمل حقيبة بلاستيكية في يدي، وألتقط ما كنت أتفاداه خلال السنوات الثماني الماضية».

*خدمة «نيويورك تايمز»