عالم دين سعودي: «الغلو وفكر التطرف» أشد خطر يواجه الأمة في عقيدتها وحياتها

قال: إن تمزيقها وهدمها وإحداث الفرقة هدف للمغالين.. وأستذكر تحذير المصطفى من الخوارج الذين حولوا سهامهم لفضلاء الأمة

الشيخ عبد العزيز الحميدي
TT

صنف رجل دين سعودي، حاصل على الدكتوراه في الفقه الإسلامي «الغلو» لفرعين، أشدهما خطرا، ما يستغل في التكفير من منطلقات نفسية خلقية، والفرع الثاني ما يحمل على أمر الله ورسوله، ويلبس بمقصود شرعي.

وظهر الشيخ الدكتور عبد العزيز الحميدي، الأستاذ المساعد بكلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى، للمرة الحادية عشرة على التوالي، مفندا ومنكفئا على بعض المغالين، ممن كان يرتبط بهم قبل تفكيره بالتراجع عن أوجه كان يعتنقها من أوجه التطرف الديني، الذي يقود، في نهاية المطاف، لتحقيق تشرذم بين صفوف المسلمين.

يأتي الحميدي في الحلقة الحادية عشرة، والجزء الثالث من «الجرأة على الله»، مبينا عددا من تعاملات تلك الفئات المتشددة، مع بعض النصوص والأدلة الشرعية، ليس من أجل الشريعة المطهرة، بل يتم استغلالها وتوظفيها بما يتناسب ويتوافق مع «آيديولوجيات»، تسير لتحقيق أهداف بعض الفئات، التي أخذت الدين بأدلته الشرعية من القرآن والسنة لتحقيق مصالحها الخاصة، وليس من أجل الشريعة أو الدين الإسلامي.

ويرى الحميدي الغلو الديني صورة من صور الخطورة، التي تستند، وفقا لرأيه، للاتجاه داخل الأمة، وبالتالي يتم تمزيقها وهدمها وتفريق الصف.. وأسهب في شرح مسالك الخطورة التي ربطها بتمزيق وتفتيت وإضعاف الأمة، بل وإساءة الظن ببعضهم بعضا، وإحداث الفرقة، وهذا أعظم ما يكون الخطر؛ لأنه سيتصادم مع كل التوجيهات الصريحة والأوامر الصريحة التي في القرآن العظيم، وفي السنة النبوية الشريفة، التي تأمر بالاجتماع والائتلاف والتسامح والتباسط بين الأمة، وأن يحمل بعضهم بعضا ويعذر بعضهم بعضا، فالله عز وجل يقول: «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء»، وهنا إشارة إلى تحذير من إعادة العداوة بمثل هذه التوجهات بين المؤمنين، التي ستقدح في مسمى الأمة الواحدة، في جمع الكلمة وإخراج الأمة الجديدة، التي أراد الله - سبحانه وتعالى - لها وظائف كبرى في هذه الدنيا، وأراد لها إرادة كونية تتبعها إرادة شرعية، وتكون خير أمة أخرجت للناس؛ لأنها تأمر بالمعروف، وهو الحق، وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، وسينحصر فيها مفهوم الإيمان بالله في فترات كثيرة، وهي الأمة الوسط، كما قال الله تعالى: «وكذلك جعلناكم أمة وسطا»، أي عدلا خيارا، وهي الأمة الشاهدة على الأمم الأخرى، بمدى قربها أو استجابتها لمنهج الحق، الذي بُعث به الأنبياء والرسل، لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا، ولا يقع ذلك إلا باسم الأمة التي أسسها النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان جهاده الطويل علما ونبوة وتعليما وقتالا وعند حصوله لإيجاد هذه الأمة التي أراد الله أن تبقى لأنها الأمة الخاتمة، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - والحديث في مسند أحمد بسند صحيح قال: «أنتم موفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله تعالى». فيأتي هذا المظهر أو المسلك، مسلك الخوارج القديم، أو مسلك أي تفكير، سواء أكان يتبناه شخص أم أشخاص أم أفراد أم تنظيمات، مسلك الغالي يتناقض ويتصادم تصادما عينيا مباشرا مع كل هذا الجهاد النبوي والأوامر القرآنية، في إعادة وتجميع الأمة على كلمة واحدة وعلى منهج واحد، وبالتالي بقية الأمة ستقف رسالتها في الخيرية، وستقف رسالتها في الوسطية.

واستذكر تحذير النبي - صلى الله عليه وسلم - من طائفة الخوارج دون غيرها، ولأجل هذا ستعود كل هذه الأفكار لتتحول إلى رماح فكرية ثم رماح حربية - إن صحت العبارة - إلى نحور الأمة بل فضلاء الأمة؛ لذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في صحيح مسلم، ربما ذكرناه في درس سابق: «ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها..»، خلاصة المسألة أنه سيحمل موقف البر على موقف الفاجر، الجريمة، كما صنع صاحب هذه الرسالة التي تكلمنا عنه خلال ثلاث حلقات، فسيضرب الجميع، وهذه هي الخطورة الشديدة في هذه الأفكار.

وأضاف الحميدي: «ما كل من قصد الحق بلغه ووصله الله - عز وجل - ونبيه - صلى الله عليه وسلم - فالشريعة بنيت على مفهوم الجماعة ومفهوم الأمة التي لها إمام ولها رأس، ما بنيت على اجتهاد، ولو كان دافعه إصابة الحق، قال علي بن أبي طالب: (رب مريد للخير لا يبلغه)، هذا من جهة، لكن في تصوري، كانت عندي إشكالية علمية حقيقية في مسألة الخوارج على وجه الخصوص، بمعنى: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصفهم بطول العبادة وكثرتها - كما في الأحاديث - حتى إنه قال للصحابة، وهم سادة العباد: «تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم وصيامكم إلى صيامهم وقراءتكم إلى قراءتهم»؛ لأني أعرف والكل يعرف أن الصلاة لها أثرها العظيم على النفس زكاة وسموا وطمأنينة ويقينا وإشراقا، وكذلك الصيام فيه تهذيب للأخلاق، أما يذكرون أن من فوائد الصيام الشعور بحاجة الفقراء والجوعى ليكون هناك مجال للتعاطف معهم والصدقة عليهم؟ وكذلك تلاوة القرآن الذي هو طمأنينة القلوب وإشراقه الوجوه والصلة بالله - عز وجل - وخير ما يتقرب به إلى الله - سبحانه وتعالى - فكيف تخرج هذه العبادات العظيمة قوما قساة يقتلون لأدنى سبب، بل بلا سبب، وإنما لآراء ارتأوها؟».

وتحدث الحميدي عن الزهد، الذي لا بد أن ينقلب وينعكس على الإنسان صفحا وعفوا وخيرا ويشع خيره، كما هو حال النبي - صلى الله عليه وسلم - وحال أصحابه: خيرهم لغيرهم وبرهم لغيرهم، وما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يمسك شيئا، وكان أجود ما يكون في رمضان؛ لأنه وقت الصيام، ووقت مدارسة جبريل للقرآن، فلأثر الصيام ومدارسة القرآن صار أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان، فإذا هذا الجود، صار جودا بالسيف على رقاب الناس وقتلا وإرهاقا وفتنة طويلة عريضة. واستدرك بالقول: «كان عندي إشكال علمي، والحمد لله وجدت جوابه عند الإمام البخاري في الجامع الصحيح، فالبخاري - يرحمه الله - بوَّب في كتاب فضائل القرآن بابا نفيسا حقيقة، رفع عندي هذا الإشكال، وفيه، فيما أتصور، جواب أننا حملنا هذا الغلو».

ويزيد الحميدي هنا: «أراد البخاري هنا أن يوصل رسالة بهذه الترجمة وفي هذا الباب، وهذه من العجائب، أخرج الحديث الخوارج كلها، حديث علي بن أبي طالب (يخرج قوم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البرية، يقتلون أهل الإسلام ويتركون أهل الأوثان)، حديث أبي سعيد الخدري (تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم وصيامكم إلى صيامهم)، وبعد هذين الحديثين أخرج حديث أبي موسى الأشعري (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة، طعمها طيب وريحها طيب، يشع على الناس خيرا، ومثل المؤمن الذي لا يقرأه مثل التمرة، طعمها حلو..) صلاحه في نفسه لكن ليس له أثر على الناس؛ لأنه قصر في قراءة القرآن، (..ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة لها ريح وطعمها مر، والمنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة لا ريح لها وطعمها مر)، طعمها مر ولا ريح لها، أو كما قال - صلى الله عليه وسلم - فجمع بين فعل النفاق واستخدام القرآن له في حديث أبي موسى، وبين أحاديث الخوارج في هذا الباب، طبعا البخاري ما فعل ذلك إلا لأنه يريد أن يوصل رسالة.. ومن المعروف لدارس صحيح البخاري أنه يضع الباب ثم يورد الأحاديث، فيكون في الأحاديث جواب لسؤاله الذي وضعه بصيغة الترجمة، أو حكمه الذي صدر به في باب الترجمة، وذلك بين من أن الاجتهاد حتى لو كان مدخله العبادة، إذا كانت في النيات مقاصد سيئة قد تخفى حتى على صاحبها من حيث لا يدري اغترارا بنفسه، بما هو فيه من اجتهاد بزعم نصرة الإسلام، كما ذكرت، أو بفعل عبادات زائدة على عبادات الصحابة في زمنهم من فعل الخوارج، وبالتالي ربما يتسبب ذلك في اغترار غيرهم، والحقيقة أن في النفوس دخنا ومرضا؛ لذلك ما انتفعت بالاجتهاد ولا انتفعت بالحماس هذا ولا انتفعت بطول الصلاة ولا بطول الصيام ولا بطول تلاوة القرآن، فصرنا أمام خطر عظيم هو أن الإنسان يجب أن يتهم نفسه دائما بالقصور والخلل، ولا يحول هذا إلى اتهام للآخرين، الذي يعتبر المدخل الخطير الذي نبه إليه البخاري في هذه الترجمة، فتصبح العبادة التي اجتهد فيها ربما يخدع نفسه بنفسه فيها، ثم يحولها إلى مقاصد سيئة ويروج بها، ولم يؤثر فيه وجه الخطورة في هذا الباب».

وتطرق في حديثه إلى أن مسألة «قتال الواحد من المسلمين للكفار» جهاد كجهاد طائفة المسلمين، ففي هذه الحالة، يكون الخلل فيها من جهات - في تصوري - من حيث توظيفٍ لمسألة شرعية انتزعت من بابها وركبت على غير محرابها، كما يقال، فظهرت شوهاء عرجاء سيئة، والخطورة عندي، كما أنبه دائما، أن يجعل خطأ هذا الكاتب وفهمه السيئ، وإنما سيحمل هذه القضية على الشريعة؛ لأنه لم يتكلم باسم مسألة شرعية، بل باسم النص الشرعي لا يوجد في الإسلام - كما سأذكر البينات والأدلة الصحيحة - بينما هو، كما ذكرنا فيما سبق، ما ذكر إلا أدلة قليلة، إما أحاديث ضعيفة، وإما آيات اقتطعها عن سياقها وسباقها وأغراضها وركب عليها رأيه الخاص به، فلا يوجد في الإسلام كله، على اختلاف الأحوال، أن يجاهد كل برأسه هكذا، ويخرج كل على رأسه هكذا كيفما اتفق، ولو كان وحده لا يوجد ذلك مطلقا إلا في حالة واحدة سماها الأئمة، وسأستخدم هنا عبارة الإمام الشافعي - يرحمه الله – نعيد، كما يقال، الأمر إلى نصابه، إلى أئمته، أئمة العلم الحقيقيين، وسماحة الاصطلام، وفسروا الاصطلام بأنه عندما يدهم على سبيل الفجاءة عدو كافر بلاد المسلمين لقتلهم، تحدث حالة الاصطلام التي ليس سواها إلا الموت أو القتل واستبدال الدين، فهنا يدفع كل من جهته وكل من ناحيته بما استطاع، لعدم الإمكانية، ولوجود حالة الاصطلام هذه - هذا تعبير الشافعي - ولذلك ألغوا فيها كل شروط الجهاد من الإمام واستئذان الوالدين؛ لأن القضية قضية قتل وموت وإزهاق، فيدفع كل من جهته الرجل والمرأة والصغير والكبير لأجل هذه الحالة، فالإمام البخاري، لو رجعنا إليه في الجامع الصحيح في كتاب الجهاد، فرق بين الحالتين: حالة الجهاد في وضعه الطبيعي الذي لا يكون أبدا إلا بالجماعة المتمكنة القائمة التي عليها رأس جامع يحدد لها رأسها ورايتها ووجهتها وطريقتها في القتال والحرب، بحسب ما يحقق مصالح هذه الأمة وهذه الجماعة، ويظهر أمر الله فيها، فصحيح البخاري مرتب على ترتيب البخاري ليس على ترتيبي حتى يصل إلى الأئمة - يرحمهم الله.

وأخذ الحميدي على عاتقه تبيان ما سماها الفتنة، وهي عندما يريد رجل أن يذهب ليجاهد وهو عالم بالشرع ولم يأت ليقتل المسلمين، يريد أن يخرج إلى بلد يقاتل فيه من ليس بمسلم، ويريد أن يذهب وحده لا يريد أن يقتل مسلمين، وقال: «إذا وجد شخص يريد أن يذهب إلى مجموعة أخرى من المسلمين، ويريد أن يذهب إلى العراق أو أفغانستان أو غيرهما من المناطق التي يكون فيها صراع معين، ويقول أنا أذهب إلى جماعة المسلمين ولقتال غير المسلمين، هل نعتقد أن هذا غلو؟ وهذا داخل في الفتوى التي نحللها الآن، ونقول إنها مخالفة للأصول الشرعية ولما سنه النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان عليه الصحابة - رضوان الله عليهم - فهنا ما وُضع الإمام إلا ليؤتم به، وما أعطاه الشرع العظيم حقوقا عظيمة ومكانة عظيمة، لدرجة أنه يصبر عليه مهما كان منه من أمر، إلا لأمر عظيم، وخلافه خطر كبير لا يجوز أن يحدث، وأقصد هنا «تشرذم الأمة وتمزقها»؛ لأنه لو قرر هذا وقرر ذاك أنه متى شاء يذهب هنا ومتى شاء يذهب هناك، دون اعتبار لإمامه ولا لولي أمره ولا لجماعة بلده ولا لأهله، فهذا يعني فتح باب عظيم جدا، ومكروه كبير جدا، فلا يجوز أن يعمد إلى مثل هذا الإمام القائم فعلا والذي قامت به كل مقاصد الولاية في الإسلام، من أمن السبل وأمن النفوس وحفظ الأعراض وحفظ الأموال وإقامة الجمع والجماعات والأعياد وغير ذلك، من مقاصد الولاية العظيمة التي في الإسلام، فيهدر حقه في الاستئذان، بل يهدر حقه في العلم بمن خرج عنه وانحاز إلى غيره بمثل هذا التبرير، الذي يبرر به البعض: أنا أريد أن أقاتل مع المسلمين، وهناك جماعة وإمام؛ لأن الحقيقة الواقعية - كما الحقيقة الشرعية - أنه سيخرج إلى رايات عمياء، كما قلنا عنها في درس سابق، لن يخرج إلى جماعة قائمة مجتمعة على إمام قامت به مقاصد الولاية ومنها الجهاد سواء في جهاد الدفع أو غيره».

فلا يجوز إهدار حق الإمام القائم عليك الآن، قد تكون لهذا الإمام عهود وله مواثيق وله كما تحدثنا في قوله تعالى «إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق» فكيف تغفل ذمة إمامك مثلا أو تهدر حقه في طاعته والاجتماع عليه؟ فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من أطاعني فقد أطاع الله ومن أطاع الأمير فقد أطاعني». إنما جعل الإمام في الحديث نفسه ليقاتل من ورائه ويقتدى به ويتقى به، إنما جعل من أجل ذلك لا أن يترك ويهجر ويهدر حقه في ذلك وإلا لنتج من ذلك كثير من القضايا الشرعية التي ربما يترتب عليها عكس المقصود الذي قصده بمن خرج، هو يريد أن يقصد الثواب والأجر، بينما هو ربما أن يصل إلى مرحلة المعصية، وخلاف الأمر إذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمره يخلف بعض الصحابة في المدينة إذا خرج إلى الغزو، ولو خرجوا من دون علمه معه للجهاد، وقد أمرهم بأن يتخلفوا، لكانوا عصاة في ذلك، حتى إن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - لما خلفه النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة لما خرج إلى تبوك، فقال بعض المنافقين إنه ما خلفه إلا كراهية له، أو شيئا من هذا القبيل، فغضب علي وأخذ آلة الحرب وخرج، فلما بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: «ما الذي جاء بك؟». قال: قيل كذا وكذا. قال: «ارجع.. ألا ترضى أن تكون لي بمنزلة هارون من موسى؟ غير أنه لا نبي بعدي» وهذه وظيفة الإمام وهذا مقصوده؛ لذلك فسروا قوله تعالى: «قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا».

وتحدث عن مسألة مهمة وكبيرة وخطيرة أيضا؛ حيث توجد في المجتمع بعض الفتاوى التي يستند إليها بعض من يذهب إلى العراق أو غيره من المناطق التي فيها صراع، يستند عليها أنه ذاهب إلى الجهاد، ويريد أن ينتمي إلى جماعة إسلامية تقاتل في سبيل الله، وهؤلاء إما خطباء مساجد وإما لهم فتوى وإما أنهم من بعض المشايخ المعتبرين، ولكنها فتوى فردية عنهم، ماذا نقول لهؤلاء المفتين؟ وماذا نقول لهؤلاء الشباب الذين يريدون الذهاب لهذه المناطق؟ ماذا نقول للمجتمع ككل في هذه الظاهرة التي كانت في فترة من الفترات مشكلة تؤرق؟ فهذه القضايا التي تهم مجموع الأمة ومجموع البلد ما ينبغي أن يستقل حتى لو كان مفتيا، أو أفرادا، باتخاذ رأي شرعي فيها، حتى إن كان من أصحاب الفضل والعلم؛ لأنه سيترتب عليها شر كثير.

لذلك فهذه الحقوق كلها حق ولي الأمر وحق الوالدين، وينتج من ذلك تصور خطأ في الفهم، وينبني عليه خطأ في الموقف، وربما تقع نتائج عكس القصد ولو كان القصد حسنا والنية سليمة، والله أعلم.

وأخذ الحميدي يتحدث عن مسائل الجهاد، التي يجد كثيرا من الكتاب يكتبون في هذا المجال، يذهبون إلى الجهاد، كما ذكر في لقاءات مضت، أن المسألة مسألة مداعبة العاطفة والحماس، من أجل الهروب بمجموعة من المجتمع، والخروج بهم عن دائرة النص الشرعي إلى دائرة خارج النص الشرعي، هذه فتوى ذكرها صاحبها وذكرها في رسالة، قال فتوى خطيرة عظيمة الشأن، وأراد أن يتحدث عن مسألة ذكر فيها الدولة العبيدية، وذكر فيها ما يتعلق بشأنها، وذكر منهم الخطباء ومسائل أخرى: «دعني أعرض بعض المسائل المتعلقة، هذه مسألة يتكلم عنها، لها علاقة بهذه الفتوى التي يتكلم عنها، قال إن الخطيب، خطيب الدولة العبيدية، إذا خطب لهم يوم الجمعة ودعا لهم كافرا يقتل ولا يستتاب، النقطة الأخرى، قال عياض أبو محمد الكبراني من القيروان عندما سئل عمن أكرهه بنو عبيد على الدخول في دعوتهم، أو يقتل: هو الآن أكرهه بنو عبيدة على الدخول في دعوتهم أو يقتل، ماذا يعني؟ ماذا نصنع؟ فيقول: يختار القتل، نعم يختار القتل، فالرسالة ممتلئة بكثير من النقاط التي نتحدث فيها في باب الغلو، فنتحدث فيها في فهم الجهاد فهما خاصا بعيدا عن النص الشرعي، ونريد أن نتحدث عن هذه الرسالة بشيء من التفصيل، لنعلم هل ما ذكر في الرسالة من فتوى لخطباء العبيديين أو لأعوانهم أو لمن أدخل قهرا معهم، هل هو كما قالوا كافر؟ وهل هو يقتل؟ هذا ما سنتحدث عنه في حلقة مقبلة، بشكل مستفيض.