لقاء بكركي يحذر من أن الجمهورية في خطر.. ويطالب بوضع حد لازدواجية السلاح

حرب لـ«الشرق الأوسط»: اللقاء لن يتحول لمؤسسة دائمة.. وهو يؤسس لحوار مع الفريق الآخر

TT

هي المرة الأولى التي ينعقد فيها لقاء بهذا الحجم وبرعاية بكركي بهذه السرعة والتكتم. فما لبث رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع يكشف عن تحرك مسيحي قبل يومين حتى التأم صباح يوم أمس لقاء وزراء «14 آذار» وقياداتها وفاعلياتها وشخصيات مسيحية سياسية واجتماعية بارزة في كنف الصرح البطريركي في بكركي.

العنوان الأكبر الذي ظلّ الاجتماع هو ضرورة تثبيت الوجود والدور المسيحي لمواجهة الأخطار المحدقة بالبلاد جراء إعلان قوى محلية وإقليمية عزمها على سلخ لبنان عن المجتمع الدولي ودفعه لخيارات مناقضة لتاريخه. وفي هذا الإطار، أوضح وزير العمل بطرس حرب أن «هذا اللقاء يأتي نتيجة للضرورة والحاجة»، مشددا على أن «النية ليست لتحويله مؤسسة دائمة ومستمرة بقدر ما هي نية للاجتماع كلما دعت الحاجة لذلك». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «الخطوة التي قمنا بها ضرورية لتجديد إعلان تمسك بكركي ومن اجتمع فيها بالمبادئ الأساسية التي قام عليها لبنان، وبالتحديد مبدأي الحوار والتوافق»، لافتا إلى أن «بعض الفرقاء يزعجهم التوافق والحوار لأن مصلحتهم لا تتأمن إلا بالخلاف». وأكد حرب على أن «قوى 14 آذار ستبقى ملتزمة بالانفتاح والحوار والتضامن لتجاوز الاستحقاقات المرتقبة».

وعن ردود فعل قوى المعارضة المسيحية الشاجبة للقاء قال حرب «لم نرد تحويل بكركي مركزا للنقاش والجدل، لكن الفريق الآخر انتقل من موقع المحاور لموقع فرض الاتهامات وللمواقف الثابتة التي لا تراجع عنها»، لافتا إلى أن «ما صدر عن اجتماع بكركي يؤسس لحوار مع الفريق الآخر في حال رغب هو في ذلك، لتعود بكركي مرجعية وطنية لتوحيد الخيارات الكبرى للمسيحيين بعيدا عن الخيارات السياسية الضيقة». وأضاف «يبقى الرئيس سليمان المرجعية الوطنية والدستورية الأولى التي يجب دعمها وحمايتها للقيام بدورها الوطني في المحافظة على وحدة لبنان»، معتبرا أن «الضغوط التي يتعرض لها الرئيس هي بهدف الضغط عليه وإبعاده عن دوره كحكم وراع للحوار».

وكان البطريرك الماروني نصر الله صفير قد استهل الاجتماع الصباحي بكلمة افتتاحية، شدد خلالها على «أهمية تضامن جميع اللبنانيين»، مشيرا إلى أن «هناك مخططات وتهديدات بوجه لبنان، وبالتالي فإن الوحدة ضرورية». كما اعتبر البطريرك صفير أن «الظروف التي نمر بها تستدعي لقاءات تشاورية خاصة في ظل الاختلاف بين وجهتي نظر حول المحكمة الدولية»، مشددا على «ضرورة إيجاد حل لهذا الصراع القائم وتبريد الأجواء المشحونة». وإثر اللقاء تلا رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» أمين الجميل بيانا باسم المجتمعين شدد فيه على أن «الجمهورية في خطر نتيجة لرفض الاحتكام لمؤسساتها، وأن لبنان كيانا ونظاما ديمقراطيا هو في خطر شديد يطال كل اللبنانيين، ومنهم المسيحيون الذين يخشون أن يصيبهم ما أصاب إخوانهم في العالم العربي، والمسلمون الذين يخشون انتقال الفتنة إلى لبنان». وأكد الجميل على أن اللقاء «يدعم رئيس الدولة ويدعوه إلى وضع الجميع أمام مسؤولياتهم من خلال تنفيذ أحكام الدستور والعمل على وضع حد لازدواجية السلاح وحصر الدفاع عن لبنان في قوى شرعية، وتثبيت حق اللبنانيين في وطن لا يكون ساحة دائمة للحرب، وطن تحتكر فيه الدولة السلاح». وأضاف البيان «ندعو نحن المجتمعين هنا كل شركائنا في الوطن إلى العمل معا لإنقاذه»، لافتا إلى أن «الحل هو من خلال عودتنا جميعا إلى الدولة بشروط الدولة لا بشروط طائفة أو حزب ما»، داعيا المسيحيين إلى «استعادة الدور الذي لعبوه من عصر النهضة حتى الاستقلال العام 2005 والانضواء تحت ثوابت الكنيسة والدفاع عن مستقبل لبنان الذي هو في عهدة كل شخص منا».

بدوره، أوضح رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن «ما استدعى عقد اللقاء في بكركي هو الظرف الدقيق الذي يعيشه لبنان في مواجهة تحديات كبيرة، أهمها الوضع المتفجر في المنطقة والذي إذا لم يحسن اللبنانيون التصرف سينعكس أول ما ينعكس عليهم، من دون أن تكون لهم ناقة أو جمل بالموضوع»، مشددا على أنه «ليس طبيعيا أن يحاول فريق حل مشكلة أو أمر يريده خارج المؤسسات الدستورية، وقد تبين خصوصا بعد مقاطعة طاولة الحوار أن الفريق الآخر قرر الوصول إلى أهدافه عبر الشارع، وهو الأمر الذي ليس في صالح أحد». وردا على سؤال حول مواقف الأطراف المسيحية في الفريق الآخر، أجاب جعجع «البعض من الفريق الآخر مكلف بمهمة معينة تذهب بخلاف كل قناعاته وقناعات القاعدة التي يمثلها، ومن هنا قررنا أن نجتمع مع الأفرقاء المسيحيين الذين نتوافق معهم ولديهم حرية القرار». وأضاف «مع احترامي الكامل للمسيحيين في الطرف الآخر، فلا أعرف إلى أي مدى عندهم حرية الخيار حتى نأخذ ونعطي معهم».

ورأى رئيس أساقفة جبيل للموارنة ورئيس اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام في لبنان المطران الكاثوليكي بشارة الراعي أن «الوضع الداخلي في لبنان متأثر إلى حد بعيد بالنزاع المثلث: الإسرائيلي - الفلسطيني، والسني - الشيعي، والأميركي - الإيراني». وناشد الراعي السياسيين اللبنانيين «العودة إلى وحدتهم الداخلية وتضامنهم، والانصراف إلى إعادة بناء لبنان، لكي يواجهوا بصوت واحد العاصفة التي تهدد لبنان والمنطقة». وردا على سؤال، أجاب الراعي «مَن هو المجنون المغرض والمرتهن للخارج ولمصالحه الرخيصة الذي يرغب في عودة الحرب الأهلية؟ ألم يشبع دعاتها من إراقة الدماء البريئة، ومن تخريب لبنان وتدميره؟ إن هؤلاء الدعاة يستحقون اللعنة من الأرض والغضب من السماء. ثم مَن له الحق في التهديد والتهويل، وفي قرار الحرب واستعمال السلاح؟»، مضيفا «أملنا أن يقف الشعب الواعي في وجه كل التهديدات بالفتنة، ويوقف كل يد غاشمة تمتد إلى السلاح الثقيل أو الخفيف».

أما مسيحيو المعارضة فحملوا على اللقاء وبشدة، معتبرين أنه يزيد التباين على المستوى المسيحي. واعتبر عضو تكتل التغيير والإصلاح، النائب سيمون أبي رميا، أن «المسيحي استُخدِم دائما وقودا وحطبا في مشاريع الآخرين». وقال «نحن ما زلنا نقول عليكم أن تعوا هذا الأمر وعدم وضع المسيحيين في واقع محرج، فقد رأينا كيف انسحبت إسرائيل فجأة من الجبل ووضعت المسيحي في وجه شريكه في الوطن». واعتبر أن «البعض يحاول دائما أن يقوم ببعض التحركات ليقول إنه لا يزال موجودا، خصوصا للقول لرئيس الحكومة سعد الحريري إنه لا يستطيع أن يقوم بكل شيء وحده». ورأى أبي رميا أن «الخيارات الكبرى انتهت لفريق 14 آذار، إن كان لجهة العلاقات مع سورية أو لجهة موضوع المقاومة، خصوصا بعد التوجه الجديد للحريري ولرئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط»، مضيفا «أفرقاء قوى 14 آذار يعيشون مرحلة نهايتهم، وأنا أنعى هذا الفريق».

ورأى عضو التكتل نفسه النائب نبيل نقولا، أنه «لا جديد في اللقاء المسيحي الموسع»، مشيرا إلى أن «المجتمعين هم مسيحيو 14 آذار الذي يجتمعون كل أسبوع في قريطم»، لافتا إلى أن «بكركي لم تدع للقاء وإنما الدعوة كانت من قوى 14 آذار».

وأشار نقولا إلى أن «البيان الصادر عن ذلك الاجتماع لم يتضمن أي جديد إنما مواقف مكررة»، لافتا إلى أنه «كان يتمنى لو سمع إدانة لقوى الاحتلال الأميركي للعراق الذي تسبب في تهجير المسيحيين منه».

ولفت إلى أن «قرنة شهوان وجدت لأنه كانت هناك قوى أجنبية على الأراضي اللبنانية، وبالتالي فهي اليوم لم تعد موجودة»، مؤكدا على «ضرورة أن يجتمع اللبنانيون جميعا وألا تكون هناك اجتماعات طائفية ومذهبية لأنها تكرس الكانتونات في البلد»، داعيا للانسلاخ عن المشروع الأميركي الذي ورط لبنان في الفوضى الخلاقة وفي كل المشكلات.