«إعلام القاعدة»: يستضاف أميركيا.. ويلاحق أميركيا

باحث سعودي لـ«الشرق الأوسط»: «يوتيوب» هدفه ربحي.. ولا يلقي اهتماما للجانب الأمني

TT

قادت الخطوة التي اتخذها موقع «يوتيوب» بحذف مقاطع لقيادي «القاعدة» الأميركي اليمني الأصل أنور العولقي، إلى فتح الباب أمام مراجعة الإنتاج الإعلامي للتنظيم، والذي تستضيف بعضه عدد من المواقع الأميركية المعروفة، الأمر الذي يعزز فرصة تحقيقها لانتشار واسع.

وعلى الرغم من قرار موقع استضافة مقاطع الفيديو «يوتيوب»، حذف مقاطع لأنور العولقي، فإن الموقع لا يزال يزخر بالكثير من المقاطع للرجل، خصوصا تلك المتعلقة بالمقابلة التي أجرتها معه مؤسسة «صدى الملاحم»، التي تعتبر واحدة من 7 مؤسسات إعلامية محسوبة على تنظيم القاعدة.

والمتتبع للحملة المضادة التي تستهدف «إعلام القاعدة»، يجد أن تلك الحملة تستهدف في مجملها أفرادا بعينهم، ولا تستهدف فكر التنظيم الموجود على صفحات الإنترنت المختلفة، كما أن المفارقة في «إعلام القاعدة»، أنه يستضاف أميركيا، ويحظى بملاحقة أميركية. فبإمكانك، وأنت على محرك «يوتيوب» مثلا أن تبحث باسم أسامة بن لادن، لتجد 3720 نتيجة بحث، يتضمن بعضها خطبا لزعيم «القاعدة»، أو رسائل، فيما تتجاوز نتائج البحث عن تنظيم القاعدة في موقع استضافة مقاطع الفيديو حاجز الـ3500 نتيجة بحث.

ويعترف موقع «يوتيوب» بعدم تحكمه بالمحتوى الموجود على الموقع. وطبقا لما هو موضح في إحدى صفحات الموقع، يقول القائمون عليه «نحن لا نتحكم في المحتوى الموجود على موقعنا. حيث ينشر المستخدمون المحتوى على (YouTube)، بما في ذلك مقاطع الفيديو والتعليقات والتقييمات. وتوضح إرشادات المنتدى والرسائل المعروضة أن المستخدمين يجب أن يكون لديهم الإذن من مالكي حقوق الطبع والنشر لنشر أي مقاطع فيديو».

ولم يبت نشاط تنظيم القاعدة الإعلامي محصورا في المواقع الإلكترونية الأصولية، أو تلك التي تكتسي الطابع الجهادي، بل باتت مواقع مثل «يوتيوب» و«فيس بوك»، هدفا لتنظيم القاعدة، حيث عزز التنظيم وجوده في المواقع الأوسع انتشارا، وذلك بعد تضييق الحكومات على المواقع الأصولية، إما بالحجب أو التعطيل، وخلافه. وسبق لإدارة موقع «فيس بوك» أن قامت بحجب صفحة أنشئت تحمل اسم زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.

ويرى أحمد الموكلي، وهو باحث سعودي في آيديولوجيات تنظيم القاعدة، أن «هناك قلقا متزايدا حتى من الجانب الرسمي الأميركي بشأن انتشار استخدام الإنترنت من قبل المتطرفين لأغراض إرهابية.. وقد أنشأت الولايات المتحدة وحدة خاصة للتصدي للهجمات الإلكترونية، فهي وبحسب بعض التقارير تشير إلى تعرض شبكاتها للتهديد يوميا أكثر من 100 مرة من قبل منظمات ومؤسسات تجسسية».

ووقعت الولايات المتحدة الأميركية، مؤخرا، في حرج نتيجة الضغط البريطاني والدولي، بضرورة التصدي للمواقع المتطرفة التي تستضيفها شركات أميركية. وأمام ذلك، يؤكد الباحث السعودي في آيديولوجيات «القاعدة»، لـ«الشرق الأوسط»، أنه «إذا ما أرادت أميركا التصدي للإرهاب الإلكتروني بكل أشكاله وألوانه فإن ذلك يجب أن يكون أولا من خلال التشريعات والقوانين الأميركية التي تمنع التعامل مع مثل هذه المواقع أو الشركات المستضيفة لها بحجة قوانين الخطابة والحرية الفكرية التي يمنحها الدستور الأميركي».

ويرى الباحث الموكلي أن كل شركات الإنترنت الشهيرة تعمل على أساس ربحي، مما يفقدها للاعتبارات الأمنية في أعمالها.. حيث يقول «إن هذه المواقع والقائمين عليها هدفهم ربحي بالدرجة الأولى، ولا يلقون اهتماما كبيرا للجانب الأمني، وقرار (يوتيوب) إن صح بحذف المقاطع الخاصة بالعولقي يعتبر خطوة إيجابية، وفي ظني ستكون هذه أولى الضربات الإعلامية للتنظيم، فهو يعتمد بشكل كبير عليه كوسيلة جاذبة للترويج لأفكاره وتقديم دروس في صناعة المتفجرات».

ويرى الموكلي أن أيا من موقعي «يوتيوب» و«فيس بوك»، عليه العمل بشكل أكبر لتخليص نفسه من أفكار تنظيم القاعدة. ويضرب الباحث السعودي بعض الأمثلة لما يحويه موقعي «يوتيوب» و«فيس بوك» من أمور على علاقة بـ«القاعدة»، بقوله «فأبو طلحة الأميركي مثلا أنشأ قناة له على (يوتيوب) لقيت إقبالا كبيرا. هناك مثال آخر مثل شبكة المجاهدين الإلكترونية التي أنشأت صفحة لها في موقع (فيس بوك) تنشر تقارير إخبارية يومية من أفغانستان وغيرها. ومعظم المواقع التي تدعم الإرهاب وتروج له لا شك أنها مستضافة من قبل شركات أميركية».

ولا تزال 7 مؤسسات إعلامية، تتولى مهمة الترويج لنشاطات تنظيم القاعدة، منها ما ينشط في جزيرة العرب، وأخرى في بلاد الرافدين، وثالثة في بلاد المغرب الإسلامي؛ وهي: مجلة «صوت الجهاد»، مؤسسة «السحاب الإعلامية»، القسم الإعلامي لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، القسم الإعلامي لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، مؤسسة «صدى الملاحم»، الجبهة الإعلامية الإسلامية العالمية، مؤسسة «الفرقان» الإعلامية.

ومنذ فبراير (شباط) 2006، كما يقول الموكلي الباحث في شؤون «القاعدة» على الإنترنت، تم توحيد جهود المؤسسات الإعلامية التابعة للتنظيم، وجمعها تحت مظلة مركز «الفجر الإسلامي»، الذي يقوم بدوره بتلقي المواد الإعلامية التي تصلها من تلك المؤسسات، وعمل المونتاج اللازم لها، ومن ثم اختيار الوقت المناسب لطرحها، لافتا إلى أن التنظيم أصدر 195 عملا إعلاميا في شهر واحد خلال عام 2007، وهو رقم ضخم للغاية.

وكثير من الإنتاج الإعلامي، الذي يصدر عن مؤسسة «سحاب» التابعة لـ«القاعدة»، أو مؤسسة «صدى الملاحم»، يستضيفه موقع استضافة مقاطع الفيديو «يوتيوب»، الذي يزعم القائمون عليه أن سياستهم تحظر نشر المحتوى غير اللائق، سواء كان ذلك مواد إباحية أو يتضمن مشاهد عنف. ويؤكد المسؤولون عن الموقع الإلكتروني الأكثر شهرة أن سياستهم «تحظر نشر محتوى غير لائق على (يوتيوب). ويعي المنتدى القواعد، ويراقب أعضاؤه الموقع للبحث عن أي محتوى غير لائق. ويستطيع المستخدمون الإبلاغ عن أي محتوى يشعرون بأنه غير لائق، وبعد الإبلاغ عنه، يراجع (يوتيوب) المحتوى ويزيله من النظام خلال دقائق في حالة انتهاكه لإرشادات الجمهور، حيث يساعدنا ذلك، مع تقنية خاضعة لملكيتنا، في فرض القواعد. كما نعطل أيضا حسابات من يكررون مخالفة ذلك».

وعلى الرغم مما ورد في إجابات المسؤولين على موقع «يوتيوب» عن الأسئلة الشائعة، فإن الموقع لا يزال يزخر بالكثير والكثير من المقاطع المتطرفة والتي تدعو للعنف، أحدها مقطع نشر باسم «أشبال آل مسلي العولقي»، ويظهر فيه مجموعة من الأطفال يتعلمون إطلاق النار من أسلحة رشاشة. ويحاول المجتمع الدولي الضغط على الولايات المتحدة الأميركية، مطولا، من أجل بسط السيطرة بشكل أكثر حزما على المواقع التي تروج للمتطرفين وأفكارهم.

ويقول الباحث السعودي في آيديولوجيات «القاعدة» أحمد الموكلي «هناك مطالبات دولية متكررة بأن تقوم أميركا بإغلاق المواقع التي تستضيفها شركات أميركية. هذه المطالبات ليست وليدة اللحظة ففي وقت سابق استجاب بعض مزودي الخدمة في أميركا وقاموا بإغلاق بعض المواقع».

وأضاف «أميركا حتى وإن تحججت ببعض القوانين التي أشرنا لها فإن لديها بعض الصلاحيات التي تعطيها الحق في التعامل مع مثل هذه المواقع وهو ما سبق وأكده المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية بي جيه كراولي، الذي ذكر أن «الأنشطة على الإنترنت تمثل تهديدا للمواطنين، والحكومة الأميركية لديها سلطات قانونية مهمة للتحرك عند الحاجة لحماية المواطنين».

وعما إذا كانت الحرب الإعلامية الآنية المضادة تستهدف أشخاصا بعينهم ولا تستهدف نشاط تنظيم القاعدة بشكل كامل.. كحالة العولقي الذي تم حذف مقاطعه من «يوتيوب» فيما بقيت مقاطع لمثل أسامة بن لادن موجودة، قال الموكلي «أعتقد أنها حرب مرحلة كنتيجة حتمية لحرب الطرود المشتعلة هذه الأيام فكما قامت معظم الدول بعدد من الإجراءات في مطاراتها المختلفة كإجراء وقائي، اتخذت شركة «يوتيوب» هذا الإجراء، وهو في نظري إجراء مدروس ليس الهدف منه المصلحة الدولية والأميركية خاصة، وإنما ربحي بالدرجة الأولى كما هو حال هذه الشركات، فهو يصب ضمن برامج الشركة الدعائية لكسب مزيد من الجذب والتعاطف الشعبي الأميركي والعالمي في ظل التنافس المحموم مع الشركات الأخرى».

ولم يستبعد الباحث السعودي أن تكون هناك ضغوط رسمية أميركية على «يوتيوب»، خصوصا بعد المطالبة الدولية لأميركا بإغلاق المواقع الداعمة للإرهاب، وآخرها مطالبة بريطانيا بذلك، حيث جاء هذا الإجراء كامتصاص للغضب الرسمي الأميركي والشعبي والذي قد يكلف الشركة مبالغ طائلة في حال استخدمت الحكومة الأميركية الصلاحيات الممنوحة لها في إغلاق مثل هذه المواقع كتهديد حقيقي تمثله هذه المواقع وكأن الشركة تقول «بيدي لا بيد عمر»».