أوباما المحبط بعد الانتخابات يبدأ جولة طويلة إلى آسيا

توقفه 3 أيام في الهند يثير حفيظة باكستان.. وأجندته تركز على الاقتصاد ومواجهة الصعود الصيني

امرأة تحمل سلة على رأسها بينما تبدو أمامها صورة كبيرة مرحبة بأوباما، قرب محطة قطار في مومباي، أمس (أ.ب)
TT

غادر الرئيس الأميركي، باراك أوباما، أمس، واشنطن باتجاه آسيا، حيث سيقوم بجولة طويلة تقوده إلى أربع دول، يعتقد أنها مهمة لاستعادة عافية الاقتصاد الأميركي. وتأتي هذه الجولة التي تشمل كلا من الهند وإندونيسيا وكوريا الجنوبية ثم اليابان، بعد أيام من تعثر حزبه الديمقراطي في انتخابات الكونغرس، التي كشفت عن قلق الناخبين الأميركيين إزاء الاقتصاد، وخصوصا نقص الوظائف.

وأمام هذه الأوقات السياسية الصعبة داخل بلده، يريد أوباما التركيز على السياسة الخارجية، لكنه يواجه تحديا بإقناع نظرائه الآسيويين، وخلال قمتين اقتصاديين، بأنه لم يضعف سياسيا جراء الانتخابات النصفية، وأن قضايا مثل التجارة الحرة، التي تعد موضوعا أساسيا في سياسة حزبه الديمقراطي، لا تزال رئيسية وسط طموحاته في المنطقة.

وخلال جولته، سيمضي الرئيس أوباما، بدءا من اليوم، ثلاثة أيام في الهند بين بومباي ونيودلهي، سعيا إلى تحسين العلاقات التجارية، وإجراء مباحثات بشان مكافحة الإرهاب. ويشمل برنامج هذه الزيارة خطابا في البرلمان الهندي وعشاء رسميا. وعلى الأثر، سيتوجه إلى إندونيسيا التي أمضى فيها أربع سنوات من طفولته، يزور خلالها مسجدا ويلقي كلمة يتوجه فيها خاصة إلى المسلمين، وذلك قبل أن ينتقل إلى سيول للمشاركة في قمة مجموعة العشرين، ثم في قمة التعاون الاقتصادي لآسيا المحيط الهادي (أبيك) التي ستعقد في يوكوهاما (اليابان).

ويعتقد أوباما وفريقه أن منطقة الشرق الأوسط، تحديدا، أخذت حيزا كبيرا من اهتمام الإدارة الحالية، ولذلك خلصوا إلى استنتاج مفاده بأن اقتصادات وطموحات دول مثل الصين واليابان والهند ودول آسيوية أخرى، يمكن على المدى البعيد، أن تكون أكثر أهمية للمصالح الأميركية، حسبما أفادت صحيفة «واشنطن بوست» أمس.

وقال توماس دونيلون، مستشار أوباما للأمن القومي في حوار أجري معه أخيرا: «الولايات المتحدة ليس حاضرة في المنطقة بنفس القدر الذي تتطلبه مصالحنا. كانت لنا رؤية والآن نحن في قلب هندسة الصعود الأمني والاقتصادي لآسيا. هذه الإدارة لن تترك صعود آسيا يتفوق على الولايات المتحدة».

وبوصوله إلى الهند، وبدء زيارته الرسمية لها اليوم، يكون أوباما أول رئيس أميركي يزور هذا البلد خلال النصف الأول من فترة رئاسته الأولى، ويعد هذا شهادة على أهمية الهند على الساحة العالمية، وصعودها التدريجي كقوة عالمية، وحتى عقد مضى، لم ير معظم الرؤساء الأميركيين أن الهند تستحق مجرد التوقف بها مؤقتا خلال جولاتهم في آسيا. إلا أنه في عام 2000، زار الرئيس الأميركي حينها، بيل كلينتون، نيودلهي، ليدشن إطارا جديدا للعلاقات بين البلدين. وأعقبه بعد ذلك خلفه جورج دبليو بوش بست سنوات، حيث تم تصنيفه كأفضل رئيس أميركي من حيث سياساته تجاه الهند.

والملاحظ أن تطورين كبيرين دفعا أوباما لمحاولة تحقيق قفزة في العلاقات مع نيودلهي، أولهما الأزمة الاقتصادية التي ضربت الاقتصاديات الغربية وأصابتها بحالة من التشوش والارتباك، وثانيهما القلق السائد في أوساط الكثير من الدول الآسيوية حيال صعود الصين. ويتفق مع هذا التحليل مسؤول رفيع المستوى بمكتب رئيس الوزراء الهندي، حيث أعرب عن اعتقاده أن «الصعود الصيني هو أكبر حدث يدور حولنا». وبطبيعة الحال عندما يجري مثل هذا التحول الكبير على الساحة العالمية، يجد الأميركيون أنه من الضروري أن ينهضوا ويقيموا ما يجري حولهم.

العام الماضي، اختار أوباما مانموهان سينغ، رئيس الوزراء الهندي، ليكون أول ضيف على البيت الأبيض خلال رئاسته في نوفمبر (تشرين الثاني) العام الماضي.

وأفادت مصادر بأن أوباما أبدى تقديرا كبيرا لوجهات نظر مانموهان خلال الاجتماعات الكثيرة اللاحقة التي عقدت بينهما على هامش مناسبات استضافتها محافل دولية.

ومن المقرر أن تهبط طائرة الرئاسة الأميركية، وعلى متنها أوباما، في مومباي في وقت مبكر من اليوم، ترافقها طائرتان تحملان 126 صحافيا، وأكثر من 250 من كبار قادة الأعمال الأميركيين.

وتحمل 18 طائرة عسكرية أميركية معها دراجات بخارية مفككة وسيارات مدرعة ومعدات اتصال وأفراد أمن، وتعد تكلفة زيارة أوباما والمرافق له إلى الهند عالية، وتبلغ نحو 100 مليون دولار، وسيقيم أوباما في فندق تاج محل، أحد المواقع التي جرى استهدافها في هجمات 26 نوفمبر (تشرين الثاني) 2008.

وقد تم حجز جميع غرف الفندق تقريبا، البالغ عددها 604، لأفراد الوفد المرافق لأوباما. ومن المقرر أن يلتقي أوباما بضحايا الهجمات ويحتفل بـ«ديوالي»، وهو احتفال هندي كبير داخل مدرسة محلية.

وبعد يومين، يتوجه إلى نيودلهي ليلقي خطابا أمام البرلمان، إلى جانب عقده لقاءات دبلوماسية أخرى.

ويعتقد خبراء أن أوباما جعل من الهند هدفا نصب عينيه للدخول معها في شراكة عالمية. في بادئ الأمر، تطلع أوباما إلى الصين، باعتبارها شريكا طبيعيا يمكن لأميركا التعاون معه لإدارة شؤون العالم، لكن الصين بدأت في استعراض عضلاتها، واستغلال الأزمة الاقتصادية للتفوق على اليابان واحتلال مكانتها كثاني أكبر اقتصاد بالعالم، ثم أثارت الصين موضوع أحقيتها في السيادة على بحر الصين الجنوبي وجزر أخرى في شرق وجنوب شرقي آسيا.

وتسبب هذا النهج ليس فقط في تأجيج قلق الدول الأخرى بالمنطقة، وأغلبها حلفاء لواشنطن، وإنما أيضا في إثارة تساؤلات لديهم حول ما إذا كانت واشنطن تتعمد التخلي عن دورها كقوة محققة للاستقرار بالمنطقة الآسيوية المطلة على المحيط الهادي، سامحة بذلك لبكين ببناء نطاق للنفوذ لها هناك.

وفي مواجهة النهج الذي تسلكه بكين، شرعت واشنطن في التحول نحو خيارات أخرى. وبدت الهند ملائمة للخطة الأميركية، لتمتعها بجيش ضخم وأسطول يمكنه ضمان عدم تحول الصين إلى القوة الوحيدة المهيمنة على المنطقة.

وكشفت مصادر مطلعة أن أوباما وسينغ سيجريان حوارا مهما حول تداعيات الصعود الهندي على آسيا والعالم عموما. ومن وجهة نظر أوباما، ستتمثل ثاني أهم قضية على أجندته في تعميق التعاون الاقتصادي مع الهند. وبالنظر لعجزه عن إخراج بلاده من الأزمة الاقتصادية، يعتقد كثيرون أن أوباما سيشعر بضغوط كبيرة تفرض عليه إبرام اتفاقات اقتصادية مربحة في الهند.

وعليه، فمن غير المثير للدهشة أن يرافق أوباما وفد ضخم من أصحاب الأعمال يتجاوز 250 فردا. ويعتقد أن الموردين الأميركيين سيبدون اهتمامهم بسوق الدفاع الهندية المربحة، وسيعمدون إلى الاستفادة من سعي نيودلهي لشراء أسلحة متطورة. ويعتقد أيضا أن زيارة أوباما ستشهد إبرام اتفاقات في مجال بيع الأسلحة للهند. وبالنظر إلى سعيها لإنهاء التمييز النووي ضد الهند، فمن الطبيعي أن تسعى واشنطن للاستحواذ على نصيب كبير من سوق الطاقة النووية الهندية، مع التخلص الآن من آخر عقبة على طريق تنفيذ اتفاق نووي بين الجانبين.

ولبناء هذه الشراكة، فهناك عدة مقترحات هندية على الطاولة. مثلا، هناك رغبة في الحصول على دعم أميركي لترشح الهند لنيل مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي، والانضمام إلى «مجموعة الموردين النوويين»، وإجراء مراجعة تعنى بالهند تحديدا لإزالة جميع العقبات أمام عمليات تبادل التقنيات المتقدمة، ورفع منظمات بحثية دفاعية هندية مثل «منظمة أبحاث الفضاء الهندية»، و«منظمة أبحاث وتطوير الدفاع» من قائمة الكيانات الممنوعة من الحصول على تقنيات مزدوجة الاستخدام. إضافة إلى ذلك، فستكون هناك محاولة لإشراك الولايات المتحدة في المساعي الهندية على أصعدة مثل الطاقة النووية السلمية والتقنيات الصديقة للبيئة والزراعة وطرق رصد الطقس، لتعزيز إنتاجية المحاصيل والتعليم.

وأثار قرار المرور بباكستان دون أن يحط فيها ثم قضاء ثلاثة أيام في الهند، قلق مسؤولين حكوميين في إسلام آباد، حذروا من أن الرئيس الأميركي ربما يهدد توازن القوى بين البلدين النوويين الجارين.

وعلى الرغم من أن إدارة أوباما اقترحت في الآونة الأخيرة تخصيص مساعدة جديدة قيمتها مليارا دولار للجيش الباكستاني، فإن المسؤولين الحكوميين بباكستان قالوا خلال الأيام القليلة الماضية إنه يتعين على واشنطن أن تثبت أنها فعلا شريك يعتمد عليه من قبل إسلام آباد، ونقلت «واشنطن بوست» عن مسؤول في الخارجية الباكستانية طلب عدم ذكر اسمه قوله: «مع الأسف، لا تزال الولايات المتحدة مستمرة في سياساتها التقليدية المناهضة لباكستان في كل القضايا، سواء تعلق الأمر ببرنامجنا للطاقة النووية أو نزاع كشمير أو العلاقات مع الهند أو موقفنا تجاه أفغانستان».

وأضاف أنه ما لم تراجع واشنطن مواقفها إزاء هذه القضايا فإنها ستكون في «موقف صعب من حيث كسب القلوب والعقول في باكستان».

وبالنسبة لواشنطن، بدا التعامل مع الهند وباكستان دوما أشبه بالسير على حبل رفيع. ويبدو البلدان في توجهاتهما المتحمسة حيال واشنطن أشبه بطفلين مدللين يتنازعان على الفوز بمحبة والدهما. وربما كانت هذه الغيرة المشتعلة بين إسلام آباد ونيودلهي هي التي دفعت أوباما للمشاركة في اجتماع عقد في 23 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بين مسؤولين أميركيين وباكستانيين في إطار الحوار الاستراتيجي الباكستاني - الأميركي الثالث في واشنطن. وأعلن أوباما أنه «في العام المقبل، سأقوم بزيارة حصرية لباكستان، وسأدعو الرئيس (آصف علي زرداري) لزيارة واشنطن».

وأشار الرئيس الأميركي في حديثه أمام المشاركين في الحوار إلى فترة دراسته الجامعية، عندما دعاه صديق باكستاني لزيارة باكستان، وتحديدا لإقليم السند، وأيضا لفترة عمل والدته القصيرة في إقليم البنجاب.