الملك محمد السادس ينتقد بلهجة غاضبة أوضاع اللاجئين الصحراويين في تندوف.. ويحمل الجزائر مسؤولية ذلك

استبق محادثات مباشرة بين المغرب و«البوليساريو».. وطالب بتحديد من يعرقل مسار المفاوضات

الملك محمد السادس يلقي خطابه من ميدلت (وسط المغرب) الليلة قبل الماضية (ماب)
TT

انتقد العاهل المغربي الملك محمد السادس بلهجة غاضبة وغير مسبوقة أوضاع اللاجئين الصحراويين في تندوف (جنوب غرب الجزائر)، حيث يوجد مقر جبهة البوليساريو. وأنحى باللائمة على الجزائر، وقال إنها مسؤولة عما يحدث هناك، مستبقا بذلك مفاوضات تبدأ اليوم (الاثنين) في نيويورك بين المغرب وجبهة البوليساريو.

وقال العاهل المغربي، مخاطبا المجتمع الدولي «دقت ساعة الحقيقة، وولى زمن التملص من المسؤولية، لتكشف للمجتمع الدولي ما يتعرض له أبناؤنا في مخيمات تندوف من قمع وترهيب وإهانة وتعذيب، وذلك في خرق سافر لأبسط مبادئ القانون الدولي الإنساني». ووصف العاهل المغربي لأول مرة اللاجئين الصحراويين في تندوف بأنهم «رعايا أوفياء»، وهي عبارة متداولة في القاموس السياسي المغربي تستعمل عادة لوصف علاقة الملوك المغاربة بشعبهم. وقال الملك محمد السادس في هذا الصدد «أمام وضع مأساوي فإن رعايانا الأوفياء بالمخيمات رجالا ونساء، شيوخا وأطفالا، ما فتئوا يعبرون عن معارضتهم الشجاعة والمتصاعدة للقهر والاستبداد. وهو ما تجسده رغم كل قيود الحصار الخانق عودتهم المكثفة إلى وطنهم المغرب في تجاوب تلقائي مع مبادرة الحكم الذاتي ومشروع الجهوية المتقدمة».

ووجه العاهل المغربي انتقادات مريرة للأوضاع في مخيمات اللاجئين في تندوف في خطاب ألقاه الليلة قبل الماضية بمناسبة الذكرى الـ35 للمسيرة الخضراء، وقال «نسترعي انتباه المجموعة الدولية والهيئات الحقوقية إلى أنه من غير المقبول ولا من الإنصاف التعامل باللامبالاة أو المحاباة مع استمرار هذا الوضع الغريب قانونيا والمأساوي إنسانيا والمرفوض سياسيا».

وفي إشارة غير مباشرة إلى قضية مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، مفوض عام شرطة البوليساريو، المعتقل من طرف الجبهة بعد إعلانه تأييد مبادرة الحكم الذاتي، قال العاهل المغربي: «نؤكد أننا لن نتخلى أبدا عن رعايانا الأوفياء بمخيمات تندوف وأينما كانوا. ولن ندخر جهدا لتمكينهم من حقوقهم الأساسية في حرية التعبير والتنقل والعودة إلى وطنهم الأم».

وتجدر الإشارة إلى أن المغاربة يخوضون حملة عالمية للمطالبة بالإفراج عن ولد سيدي مولود، الذي كان زار المغرب وعقد مؤتمرا صحافيا في مدينة السمارة الصحراوية في سبتمبر (أيلول) الماضي، وأعلن أنه سيعود إلى مخيمات تندوف لحشد التأييد لمبادرة الحكم الذاتي، بيد أنه اعتقل فور وصوله، وعلى الرغم من أن جبهة البوليساريو أعلنت في وقت سابق الإفراج عنه، تبين أن تلك الأنباء ليست صحيحة. ووجه الملك محمد السادس انتقادات مباشرة وصريحة إلى الجزائر، وقال في هذا السياق «ندعو المجموعة الدولية لتحمل مسؤوليتها بوضع حد لتمادي الجزائر في خرق المواثيق الدولية الإنسانية، ضمن حالة شاذة لا مثيل لها، ولا سيما برفضها السماح للمفوضية العليا للاجئين بإحصاء سكان المخيمات وحمايتهم».

واستعمل العاهل المغربي لهجة تصعيدية مع الجزائر، حيث اعتاد في خطاباته أن يدعو إلى فتح الحدود وتطبيع العلاقات بين البلدين، لكنه هذه المرة تجنب التطرق إلى هذا الأمر.

وظلت الحدود بين البلدين مغلقة منذ صيف عام 1994، عندما هاجمت مجموعة من الفرنسيين من أصول جزائرية، سياحا في فندق في مراكش، تلا ذلك فرض السلطات المغربية تأشيرات دخول على الجزائريين أو من أصول جزائرية، وردت الجزائر بإغلاق الحدود البرية بين البلدين.

وقال عاهل المغرب إن «على المجموعة الدولية أن تحدد بشكل واضح وصريح المسؤولين عن عرقلة المسار التفاوضي». وأضاف أنهم «خصوم المغرب الذين يصرون على الجمود والتعنت والانقسام بدل الدينامية والحوار والوئام».

وعبر العاهل المغربي عن اعتقاده أن مبادرة الحكم الذاتي التي طرحها لإيجاد تسوية لنزاع الصحراء بمنح المنطقة حكما ذاتيا واسعا، تجعلها جزءا من المغرب، لكنها تدير نفسها باستقلالية تامة، حققت تحولا حاسما، حيث تجاوزت مرحلة الإجماع الوطني والدعم الأممي والدولي لتصبح محط تجاوب واسع وشعلة أمل في قلب مخيمات تندوف، على حد تعبيره.

وقال ملك المغرب إن «المبادرة أحدثت قطيعة مع المقاربات التي أكدت الأمم المتحدة عدم قابليتها للتطبيق وأطلقت مسارا إيجابيا وواقعيا للتفاوض الأممي».

وزاد العاهل المغربي قائلا: «بقدر ما تميز موقف بلادنا بالوضوح، وانتهاج الحوار والتحلي بالواقعية، تمادى خصوم وحدتنا الترابية في التملص من مسؤولياتهم وفي مناوراتهم المعادية للدينامية الخلاقة التي أطلقتها مبادرة الحكم الذاتي».

وأشار العاهل المغربي إلى أنشطة لمجموعات صحراوية مؤيدة للبوليساريو داخل المغرب، لكن دون تسميتهم، وقال في هذا الصدد «نعبر عن رفضنا للاستغلال المقيت لما تنعم به بلادنا من حريات لمحاولة النيل من وحدتها الترابية. نؤكد أننا لن نسمح لأي أحد بعرقلة المسيرة الديمقراطية لبلادنا».

يذكر أن مجموعة من الشباب الصحراويين الذين كانوا زاروا تندوف، والتقوا مع قيادة جبهة البوليساريو يحاكمون حاليا في الدار البيضاء.

وقررت المحكمة يوم الجمعة الماضي إرجاء محاكمتهم إلى منتصف الشهر المقبل. وتطلق الصحف المحلية على هذه المجموعات اسم «انفصاليو الداخل».

وأعلن العاهل المغربي أن بلاده ترفض وجود منطقة عازلة تسيطر عليها جبهة البوليساريو خلف جدار دفاعي شيد منذ عقد الثمانينات من القرن الماضي لحماية المناطق المأهولة بالسكان في الصحراء. وقال الملك محمد السادس حول هذا الأمر إن «المغرب يمارس سيادته على كامل ترابه ويلتزم بمسؤولياته القانونية الدولية، دون أي غموض أو التباس ليستنكر الترويج الكاذب لوجود ما يسمى المناطق (الخاضعة للمراقبة) شرق الخط الدفاعي الذي يعرف الجميع طبيعته السلمية والغاية الحكيمة من ورائه».

وأضاف قائلا: «لن تسمح بلادنا بأي خرق أو تعديل، أو تشكيك في مغربية هذه المناطق. أو محاولات استفزازية لفرض الأمر الواقع أو تغيير الوضع القائم».

إلى ذلك، قال العاهل المغربي إن بلاده ستمضي قدما في تطبيق لامركزية متقدمة وموسعة، وستنطلق هذه اللامركزية من الصحراء، معلنا عن إعادة تشكيل «المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية»، وهو مؤسسة رسمية، لكنه يعمل بمنأى عن الحكومة.

وقال العاهل المغربي إن «تشكيلة المجلس ستكون ديمقراطية بحيث تضم شيوخ الصحراء والهيئات وأعضاء المجالس البلدية والبرلمان، ومنفتحة على النخب الجديدة، ولا سيما المجتمع المدني المحلي الحقوقي والشبابي والنسوي والقوى المنتجة وممثلي العائدين إلى الوطن والمقيمين بالخارج، مع اعتماد أساليب حديثة في عمله وتوسيع صلاحياته لتشمل المهام التمثيلية والتنموية والتعبئة الوطنية والدولية والعمل على تحقيق المصالحة بين كافة أبناء الصحراء».

وأعلن العاهل المغربي كذلك عن إجراء جديد يتمثل في اقتصار «وكالة تنمية المناطق الجنوبية» على إقليمي الساقية الحمراء ووادي الذهب، وتركيز مهامها على إنجاز مشاريع التنمية البشرية وبرامج محلية، وتوفير فرص العمل للشباب وتعزيز العدالة الاجتماعية، وتسهيل دمج الصحراويين الذين يعودون من مخيمات تندوف، وإنشاء وكالة تنمية حكومية ثانية للمناطق الأخرى.

وفي موضوع ذي صلة، تنطلق اليوم في إحدى ضواحي نيويورك جولة ثالثة غير رسمية من المفاوضات بين المغرب والبوليساريو برعاية الأمم المتحدة في إحدى ضواحي نيويورك.

وكان مارتن نيسيركي، الناطق باسم الأمم المتحدة قد قال إن «تسوية نزاع الصحراء الغربية ما زال يشكل أولوية بالنسبة للأمم المتحدة، ونأمل أن يكون هذا اللقاء المقبل مثمرا ويساعد الأطراف على تجاوز المأزق».

وذكر نيسيركي أن «الجولة الجديدة من المفاوضات التي ستدوم يومين ستعقد في غرينتري، لونغ إيلاند، بحضور الجزائر وموريتانيا».

وستجري المفاوضات في جلسة مغلقة على أن يتلو كريستوفر روس، موفد الأمم المتحدة إلى المنطقة، بيانا عقب المفاوضات.

وتجدر الإشارة إلى أنه رغم اللهجة المتشددة والانتقادية التي اتسم بها خطاب ملك المغرب، فإنه قال إن بلاده «ستلتزم بالشرعية الوطنية والدولية، وستواصل التعاون الصادق، مع الأمين العام للأمم المتحدة، ومبعوثه الشخصي، من أجل إيجاد حل سياسي ونهائي لهذا النزاع الإقليمي المفتعل على أساس مبادرة الحكم الذاتي»، على حد قوله.

من جانبه، قال أحمد بخاري، ممثل جبهة البوليساريو في الأمم المتحدة، إن «اللقاء المقبل سيكون فرصة للتأكد من نيات المغرب، وما إذا كان مستعدا لمناقشة الاستفتاء برعاية الأمم المتحدة».

يشار إلى أن جولة مفاوضات سابقة بين المغرب وجبهة البوليساريو جرت قرب نيويورك في فبراير (شباط) الماضي لم تحرز أي تقدم يذكر.