كنائس العراق تصلي في قداس الأحد لضحايا «كنيسة النجاة».. وتوحد كلمتها ضد الإرهاب

غيرت مواعيد القداس تحسبا لهجمات.. ومسلمون يتضامنون.. ومسؤول شؤون الكنائس لـ «الشرق الأوسط»: لن نغادر

مسيحيون ومسلمون يوقدون الشموع في كنيسة سيدة النجاة، أمس، بعد مرور أسبوع على الاعتداء الذي شهدته الكنيسة في بغداد (أ.ف.ب)
TT

بعد أسبوع على أحداث كنيسة «سيدة النجاة» الدامية في حي الكرادة وسط بغداد، جرت أمس مراسم قداس الأحد الذي حضره عدد من المسيحيين وكذلك عدد من المسلمين تضامنا مع ما تعرض له المصلون في الكنيسة الأحد قبل الماضي.

وكانت كنيسة «سيدة النجاة» التابعة لطائفة السريان الكاثوليك في حي الكرادة وسط العاصمة العراقية بغداد قد شهدت الأحد قبل الماضي هجوما مسلحا تمثل في دخول عدد من المسلحين إلى الكنيسة وقاموا باحتجاز رهائن، وأدى ذلك في نهاية المطاف إلى مقتل 53 شخصا منهم عدد من المسلحين، بعد قيام قوات الأمن العراقية باقتحام الكنيسة. وأثار الحادث استنكارا دوليا.

و«سيدة النجاة» كانت حالها أمس حال كثير من الكنائس في مدن عراقية أخرى مثل الموصل والبصرة، حيث يوجد المسيحيون، شهدت في بعضها حضورا متميزا أمس في حين شهدت كنائس أخرى حضورا قليلا قياسا بالقداسات التي تشهدها كل يوم أحد.

وأكد رافائيل قطيني، مسؤول شؤون الكنائس في العراق وهو ما زال راقدا في المستشفى إثر تعرضه لإصابات في حادثة «سيدة النجاة» لـ«الشرق الأوسط» أن «المسيحيين لن يغادروا العراق لأنهم جزء من شعب العراق فكيف لهم مغادرة وطنهم؟!»، مؤكدا أن أغلب من التقى بهم بعد الحادث قد أكد له الأمر ذاته أيضا. وجاءت تصريحاته ردا على دعوات للمسيحيين بمغادرة العراق حفاظا على أمنهم وسلامتهم.

في حين أكد لويس إقليموس وهو أحد قساوسة «سيدة النجاة» أن «قداس أمس كان على أرواح الشهداء والدعوة للمصابين بالشفاء»، مؤكدا إقامة القداس في موعده وبحضور كثير من المسيحيين والمسلمين أيضا.

في حين قال باسم بلو قائمقام قضاء تلكيف إن كنائس العراق وكنائس الموصل بشكل خاص اتفقت على إقامة قداس موحد في الساعة الخامسة في «محاولة لتوحيد الكلمة والدعاء لأن ينقذ العراق من الإرهاب ومن يقف وراءه». وأشار بلو في اتصال هاتفي أثناء قداس في إحدى كنائس قضاء تلكيف، ذي الكثافة المسيحية، إلى أن «الحضور كان طبيعيا جدا وأن المسيحيين أصروا هذه المرة على عدم الاستجابة للعنف والإرهاب وأنهم لن يغادروا العراق».

في تلك الأثناء، غيرت بعض الكنائس في محافظة البصرة جنوب العراق من مواعيد قداسها ليصبح في الصباح بدلا من المساء خوفا من التهديدات وأعمال العنف، وقال ويليام نور، مسيحي من البصرة، إنه حضر قداسا في إحدى الكنائس في حي الجزائر بحضور عشرة أشخاص فقط لأن غالبيتهم لم يكن يعلم بتغيير موعد القداس.

وأوضح نور، مهندس، أن عائلته وأغلب أصدقائه لن يتركوا مصالحهم وبيوتهم ولن يغادروا العراق بسبب التهديدات، مشيرا إلى أن عائلته جربت المغادرة عام 2006 وعادت قبل عامين بعدما وجدت أن الحياة في العراق أفضل بالعنف من الحياة في غربة وعدم توفر فرص العمل. وهاجر كثير من المسيحيين من العراق بعد ما تعرضوا له من تضييق على الحريات وقتل وملاحقات واختطاف في الأعوام المنصرمة، في حين هاجر آخرون من مناطقهم داخل العراق إلى مناطق أخرى كما حدث في محافظة نينوى.

وكانت وكالة الأنباء الألمانية قد نقلت عن رئيس أساقفة الموصل للسريان الكاثوليك المطران جرجس القس موسى تحذيره من أن حادث الاعتداء على كنيسة «سيدة النجاة» في بغداد سيدفع المسيحيين العراقيين للهجرة وترك بلادهم. وقال موسى إن «عدد المسحيين في العراق يقدر بنحو 600 إلى 700 ألف نسمة موزعين على كل العراق»، مشيرا إلى أنه «قبل الحادث كانت بعض العائلات قد بدأت في العودة لبغداد، ولكن من الطبيعي في الوقت الراهن أن تتوقف هذه العملية تماما، بل وسوف تخوف المسيحيين وتجعلهم يتركون بلادهم».

ووصف موسى حادث الاعتداء على الكنيسة بأنه «تهديد لحياة المسيحيين بالعراق»، وقال: «صار هناك تهديد بالإنترنت وربطوا الموضوع مع مصر، لكن حتى لو لم يكن هناك هذا الربط فهو تخويف وترهيب وللمسيحيين».

يشار إلى أن بيان تنظيم القاعدة كان قد هدد بشن هجمات على أقباط مصر ما لم يتم الإفراج عن من يعتبرهن مسلمات مأسورات في الأديرة المصرية.

وحمل موسى قوات الأمن المسؤولية عن اختراق كنيسة «سيدة النجاة» وارتفاع عدد ضحايا الهجوم قائلا: «هناك إهمال في أداء قوى الأمن، وهناك أيضا طريقة غير صائبة في معالجة الوضع، فالكنيسة كانت تحت سيطرة الإرهابيين والاستعجال جعل عدد الضحايا كبيرا عما لو كان هناك تفاوض أو تفاهم أو خطط معقولة من الناحية الأمنية».

وحول الإجراءات ووسائل الحماية التي وفرتها الحكومة العراقية للكنائس في أعقاب الحادث، أجاب موسى بالقول: «هناك نوع من تكثيف الحماية على الكنائس، ولكن هناك أحداثا أخرى صارت خاصة بالعاصمة بعد حادث الكنيسة فكثفوا الحماية عموما»، وتابع موسى بالقول: «نحن لا نريد فقط أن تكون هناك حماية على الكنائس؛ بل نطالب أيضا بفتح تحقيق قضائي واكتشاف المجرمين؛ ليس فقط في هذه العملية، وإنما في العمليات السابقة أيضا». وأردف: «أبدت الحكومة استعدادها لترميم الكنيسة. نعم هذا حصلنا عليه، ولكن حاجتنا ليست إلى ترميم الكنيسة بقدر ما هي لترميم الضمائر وإلى ترميم العلاقة مع الدولة والثقة بها لأن الثقة في الدولة اليوم معدومة، وأول عمل ثقة في الدولة هو أن يشكلوا حكومة مسؤولة».

وعن مطالبة بعض الدول الأوروبية بمنح المسيحيين في العراق حكما ذاتيا وتحديدا في محافظة نينوى، قال المطران الكاثوليكي: «اليوم الغريق يطلب أي حل حتى يتخلص من الغرق، فهذا المطلب هو بين المطالب الأخرى حتى تتوفر الحماية للمسيحيين وللأقليات الأخرى، وهذا الموضوع ليس بسهل».

وفي حين يتردد أن وضع المسيحيين بالعراق في عهد النظام السابق بقيادة صدام حسين كان أحسن حالا عما هو عليه اليوم، قال موسى: «من الناحية الأمنية نعم، ولكن المقارنة لا تفيدنا بشيء»، وأردف بالقول: «بالقوانين والحقوق لم يحصل أي تغيير نحو الأفضل بالنسبة للمسيحيين في هذا النظام عن نظام صدام، هي القوانين نفسها والدساتير نفسها، لكن الكلام صار معسولا أكثر وفقط».