واشنطن: الحكومة العراقية الشاملة تعني رفض جهود إيران لهندسة حكومة طائفية

ترحيب أميركي واسع باتفاق بغداد رغم الإقرار بالمصاعب.. وأوباما يتصل بالقادة العراقيين

TT

لاقى اتفاق الكتل السياسية العراقية على تشكيل حكومة وحدة وطنية واتخاذ خطوات لتحقيق هذا الهدف بعد تسمية نوري المالكي رئيسا للوزراء ترحيبا واسعا في واشنطن. وبينما أشاد كل من الرئيس الأميركي باراك أوباما ووزيرة الخارجية بهذه الخطوة، تعتبر واشنطن أنها دليل على فشل إيران في التدخل بالشأن العراقي وفرض حكومة طائفية.

ووصف أوباما في العاصمة الكورية الجنوبية سيول أمس اتفاق تقاسم السلطة الذي تم التوصل إليه في العراق أول من أمس بعد أشهر من الأزمة السياسية بأنه «محطة مهمة» جديدة في تاريخ هذا البلد. وقال أوباما خلال مؤتمر صحافي عقده في ختام قمة مجموعة العشرين في سيول إن الحكومة التي سيتم تشكيلها في العراق ستكون «ذات صفة تمثيلية وتضم الجميع وتعكس إرادة الشعب العراقي». حسب وكالة الصحافة الفرنسية، وأضاف أوباما أنها «محطة مهمة جديدة في تاريخ العراق الحديث» مذكرا بأن واشنطن كثيرا ما دعت إلى تشكيل مثل هذه الحكومة التي ترتكز على «قاعدة واسعة». وقال إن الاتفاق على تشكيل الحكومة يثبت أن الرغبة في السلام أقوى «من الذين يريدون للعراق أن يغرق في أعمال العنف الطائفية».

وتشدد الإدارة الأميركية على أهمية مشاركة إياد علاوي، رئيس القائمة العراقية، والكتل السنية بهذه الحكومة وانتخاب أسامة النجيفي رئيسا للبرلمان، بعد مخاوف من مقاطعة «العراقية» أو عدم إشراكها في الحكومة. وقال مسؤول أميركي رفيع المستوى إن «حقيقة أن هذه الحكومة الناشئة شاملة يعني ببساطة رفضا قويا للتدخل من نفوذ خارجي سلبي»، موضحا: «أتحدث تحديدا هنا عن جهود إيران لهندسة حكومة عراقية مبنية على قائمة شيعية طائفية متحدة تعتبر حكومة ضيقة لا تمثل الأطياف العراقية».

وتعتبر واشنطن أن تركيبة الحكومة العراقية الجديدة ستساهم في اندماج العراق مع باقي المنطقة وتحسن من علاقاته، خاصة مع الدول العربية. وقال المسؤول في الإدارة الأميركية الذي تحدث إلى مجموعة صحافيين في واشنطن شريطة عدم ذكر اسمه إن الاتفاق بين الكتل العراقية «أساس قوي يمكن للحكومة العراقية أن تستند عليه للتواصل مع دول الجوار ودول أخرى في المنطقة من أجل تحسين العلاقات الثنائية وتواصل عملية إعادة الاندماج في المنطقة بالإضافة إلى المجتمع الدولي». وأضاف: «نعتقد أن هذه الحكومة الشاملة تستطيع أن تعالج القضايا المهمة التي تؤثر على العراقيين في كافة أرجاء البلاد، كما أننا كأميركيين نتطلع إلى العمل مع هذه الحكومة العراقية لبناء شراكة بعيدة الأمد بين الولايات المتحدة والعراق».

وأعرب الرئيس الأميركي باراك أوباما عن ارتياحه لاتفاق الكتل العراقية وتحريك عجلة تشكيل الحكومة بعد أشهر من التعطيل. وأفاد البيت الأبيض مساء أول من أمس بأن أوباما اتصل بالمالكي لتهنئته على توليه رئاسة الحكومة مجددا. وقال نائب مستشار الأمن القومي الأميركي للاتصال الاستراتيجي بن رودز أن أوباما اتصل بالمالكي وبرئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني وهو على متن الطائرة متوجها إلى اليابان، المحطة الأخيرة في جولته الآسيوية. وأوضح رودز أن «الرئيس هنأ رئيس الوزراء المالكي على الخطوات المتخذة لتشكيل حكومة عراقية، وشدد على أهمية الانتهاء من تشكيل حكومة واسعة المشاركة وشاملة تعكس رغبة الشعب العراقي». وأضاف أن «الرئيس شكر الرئيس بارزاني على جهوده لتقدم عملية تشكيل الحكومة»، وأكد أوباما للمسؤولين التزام واشنطن بـ«شراكتنا الدائمة مع الشعب العراقي وهو يتخطى هذه المرحلة المهمة في تاريخه».

وحسب رودز فإن أوباما في اتصال أيضا بإياد علاوي، زعيم القائمة العراقية «شدد على ضرورة أن يتولى الدكتور علاوي، وزعماء القائمة العراقية الآخرون، وممثلو جميع الكتل الفائزة (في الانتخابات) مناصب قيادية»، حسبما أفادت به وكالة «أسوشييتد برس». ولم يتطرق أوباما خلال المحادثة الهاتفية إلى انسحاب نواب القائمة العراقية من جلسة البرلمان أول من أمس. وقلل مسؤول أميركي من الانسحاب ووصفه بأنه «استعراض سياسي» وإن أقر بهشاشة الاتفاق.

من جهتها، اعتبرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أن قرار الكتل السياسية لتشكيل الحكومة «دليل على إصرار الشعب العراقي بناء ديمقراطيته، وهو هدف يمكنهم هم فقط تحقيقه». وأضافت كلينتون أن الاتفاق «يضمن مشاركة ذات معنى لكل الفائزين في الانتخابات.. ويشمل بنودا مهمة لتقاسم السلطة وغيرها من إصلاحات بما فيها إعادة النظر لعملية اجتثاث البعث».

وأشادت كلينتون بتأسيس «المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية»، قائلة إن «هذه المنظمة المهمة ستعمل كمجموعة قيادية في نواحي السياسة الدفاعية والعلاقات الخارجية والسياسة الاقتصادية وغيرها من قضايا استراتيجية». وتعتبر واشنطن المجلس الجديد فرصة لوضع ضوابط على صلاحيات رئاسة الوزراء، إذ قال مسؤول إن «إعادة توزيع القوة يخلق ضوابط وتوازنات مهمة لمنع استغلال القوة من طرف ما في الحكومة».

وفي لندن قال ويليام هيغ وزير الخارجية البريطاني أمس إن الاتفاق يشكل «خطوة هامة إلى الأمام». وقال في بيان: «سرني الاطلاع على اتفاق تعيين الرئيس العراقي ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان. هذه خطوة هامة إلى الأمام وأحث العراق على الانتهاء سريعا من عملية تشكيل حكومة تمثل العراقيين كافة».

كما رحبت وزارة الخارجية الفرنسية بالاتفاق واعتبرته «تقدما في الاتجاه الصحيح». وقال المتحدث باسم الوزارة برنار فاليرو للصحافيين إن «فرنسا ترحب بحس المسؤولية لدى القادة العراقيين الذين تمكنوا من تجاوز خلافاتهم وبهذه الروح ترحب بالاتفاق الذي تم التوصل إليه لتشكيل حكومة شراكة وطنية». وأضاف أن فرنسا «ترحب بإعادة انتخاب جلال طالباني رئيسا للجمهورية وبانتخاب أسامة النجيفي رئيسا لمجلس النواب وبتكليف المالكي بتشكيل الحكومة».

كما أشاد الاتحاد الأوروبي بالاتفاق، وقال بيان صدر في بروكسل باسم الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون، إن ما جرى «يعتبر خطوة هامة على طريق الديمقراطية». وقالت: «يتعين على الساسة العراقيين العمل والتعاون بصورة بناءة من أجل تشكيل حكومة تلبي احتياجات وآمال الشعب العراقي، ونتطلع إلى العمل مع الحكومة العراقية الجديدة في القريب العاجل».

وتقر واشنطن بوجود مصاعب عدة أمام القادة العراقيين، تحتاج إلى المزيد من التنازلات من جميع الأطراف والتفاوض. وقال نائب مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون العراق، مايكل كوربن، أمس: «ستكون هناك بعض الحركات المسرحية، بالإضافة إلى الصعوبات.. وقد شهد هذا البلد الكثير من التفرقة والعنف خلال السنوات الماضية، مما يعني أن التنازل ضروري، ولكن صعب لكل جهة». واعتبر أن خروج أعضاء مجلس النواب عن الكتلة العراقية من جلسة مجلس النواب أول من أمس «تعبير عن القلق التي تحمله هذه الفئة.. وستعبر (العراقية) عن المزيد من القلق خلال الفترة المقبلة».

وتقر واشنطن بأن القضايا الأساسية لم تحسَم بعد، ويواصل المسؤولون الأميركيون اتصالات يومية مع الساسة العراقيين للتأكد من نجاح عملية تشكيل الحكومة. وأضاف كوربن أن «الوضع في تطور مستمر حاليا»، وهناك ترقّب حول الاتفاقات التي ستخرج من العملية التي يقودها رئيس إقليم كردستان بارزاني حول قضايا متعلقة باجتثاث البعث وقضية كركوك وتطبيق المادة 140.