مظاهر الفرح تعم كردستان ابتهاجا بإعادة انتخاب طالباني

باحث كردي لـ «الشرق الأوسط»: تحديد ولايته كرس الهوية التعددية للعراق

أكراد يحتفلون في بغداد أمس بإعادة انتخاب جلال طالباني رئيسا للجمهورية العراقية (أ.ف.ب)
TT

عمت مظاهر الفرح مدن ومناطق كردستان ابتهاجا بإعادة انتخاب الرئيس العراقي جلال طالباني لولاية ثانية برئاسة جمهورية العراق، فمع إعلان النتيجة النهائية لفرز الأصوات داخل الجلسة البرلمانية في وقت متأخر من مساء الخميس، انطلقت الاحتفالات الشعبية في مدينة السليمانية، معقل الاتحاد الوطني الكردستاني، ابتهاجا بفوز طالباني واستمرت لساعات متأخرة من الليل. فيما توالت الاتصالات وبرقيات التهنئة إلى الرئيس طالباني من قادة دول وقوى وأحزاب عراقية بمناسبة إعادة انتخابه لرئاسة العراق.

وبعيدا عن أجواء الصخب الجماهيري الكردي للاحتفال بالمناسبة، حاولت «الشرق الأوسط» أن ترصد مواقف وتحليلات النخبة السياسية والثقافية الكردستانية من هذا الحدث، خاصة ما يتعلق بالمهام المنتظرة من الرئيس طالباني في السنوات الأربع المقبلة، وما يمكن أن يحققه لشعبه الذي رشحه لتبوء المنصب مرة أخرى، خصوصا أنه بعد تقاسم السلطات التنفيذية بين رئيس الوزراء نوري المالكي ورئيس المجلس السياسي لاستراتيجيات الأمن الوطني المقترح إشغاله من قبل رئيس القائمة العراقية إياد علاوي لن تبقى سوى صلاحيات محدودة أمام رئيس الجمهورية تتيح له التحرك السياسي وصنع الأحداث. ووجهت «الشرق الأوسط» سؤالا محددا إلى عدد من السياسيين والمثقفين الكرد حول «منافع» عودة المنصب إلى الكرد، وهو المنصب الذي عضوا عليه بالنواجذ، وما يمكن أن يقدمه الرئيس طالباني في المرحلة المقبلة لشعبه؟

وحدد عارف قورباني، رئيس تحرير جريدة «آسو» الكردية اليومية المستقلة التي تصدر في السليمانية رؤيته للحدث بالقول إن «إعادة انتخاب الرئيس طالباني للمنصب تعتبر مكسبا كبيرا للشعب الكردي، فمنصب رئيس الجمهورية هو بحد ذاته يمثل هوية الدولة، وإن انتخاب طالباني للمنصب مرة أخرى رسخ حقيقة التغيير الذي حصل في العراق بعد سقوط النظام السابق، فيجب أن نعرف أنه كانت هناك أوساط عربية عراقية شوفينية حاولت كثيرا استعادة هذا المنصب للعرب، وهؤلاء الشوفينيين لم تكن مواقفهم من الدور الكردي في إدارة شؤون البلاد تختلف كثيرا عن مواقف النظام السابق وذلك بإعطاء طابع عربي للهوية العراقية، من هذا المنطلق فإن مجرد إعادة انتخاب الرئيس طالباني لمنصب رئاسة الجمهورية هو بمثابة تكريس للواقع الجديد في العراق، وهو الواقع التعددي للعراق، وبناء عليه فإنني أعتبر وجود طالباني في هذا المنصب ضمانة أساسية لحماية الوحدة الوطنية في العراق، وتعبير عن حقيقة وجود شراكة وطنية في إدارة شؤون البلاد».

أما عن الصلاحيات الضئيلة التي يتمتع بها الرئيس وما يمكن أن يقدمه من خلالها للشعب الكردي قال قورباني «صحيح أن صلاحيات الرئيس رمزية وبروتوكولية في معظم الأوقات، ولكن دستوريا فإن السلطات التي كان المجلس الرئاسي السابق يتمتع بها ستعود بشكل آلي إلى رئيس الجمهورية، ومن هنا يستطيع الرئيس طالباني أن يلعب دورا مهما وكبيرا في مسألة تنفيذ مواد الدستور، وفي مقدمتها المادة 140 التي تعتبر قضية مصيرية بالنسبة للشعب الكردي، لذلك وجود الرئيس طالباني في هذا المنصب سيساعد على تنفيذ هذه المادة، فبإمكان الرئيس مثلا أن يطلب من رئيس الوزراء أن يشرع بتطبيق المراحل الأولية من المادة في مقدمتها مسألة التطبيع التي ستسهم فيما بعد لتنفيذ المراحل الأخرى». ويرى قورباني أن «عودة الرئيس طالباني إلى سدة الرئاسة وتقاسم السلطات بين رئيس الوزراء ورئيس المجلس السياسي تعتبر بحد ذاتها تجسيدا لمبدأ الشراكة الوطنية ومشاركة جميع مكونات العراق في إدارة شؤون البلاد».

ويعتقد الباحث يوسف كوران من مركز كردستان للدراسات الاستراتيجية أن «المشكلة الأساسية للكرد في العراق الجديد هي عدم التزام بعض الأطراف السياسية بمضامين الدستور، وأن وجود طالباني كرئيس للجمهورية هو بحد ذاته يشكل ضمانة أساسية لحماية المكاسب الدستورية المتحققة للشعب الكردي، فالدستور يعتبر رئيس الجمهورية حاميا للدستور هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن عودة المنصب إلى طالباني وهو كردي تحمل دلالات أخرى في مقدمتها تكريس هوية جديدة للعراق، فالعرب وخصوصا الشوفينيين منهم كانوا يعتبرون هوية العراق هوية عربية، وبعودة المنصب إلى طالباني أصبحت هوية العراق تعددية، بمعنى أن العراق أصبح ملكا للجميع وليس لقومية أو طائفة معينة، والجدير بالذكر أن تمسك بعض القيادات العراقية ومنافستها للكرد في احتلال هذا الموقع لم يأت لامتيازات المنصب الذي هو منصب رمزي في كل الأحوال ومحدود الصلاحيات بقدر ما كان هدفهم هو تأكيد الهوية العربية للعراق».

من جهته، يرى البرلماني الكردي شوان كريم كابان عضو البرلمان الكردستاني المنافع المتحققة من إعادة انتخاب طالباني لرئاسة الجمهورية أنها تتحدد بتكريس مبدأ الشراكة في الحكم. ويقول «حصول طالباني على المنصب مرة أخرى أكد أن العراق يسير في المسار الديمقراطي الصحيح، وأن السلطة لم تعد حكرا على قومية معينة، وكذلك فإن احتلال المنصب من قبل طالباني له دلالات أخرى، في مقدمتها ضمان عدم عودة العراق إلى صيغ الحكم السابقة وذلك بحكر السلطة من قبل شخص أو جهة واحدة». ويضرب كابان مثلا بذلك بالإشارة إلى انتخاب الرئيس باراك أوباما لرئاسة الولايات المتحدة ويقول «كانت الرئاسة الأميركية محتكرة لقرون طويلة بيد البيض، وإن نجاح الرئيس أوباما في الانتخابات كسر هذا الحاجز، وكان ذلك بحد ذاته تغييرا كبيرا في تاريخ الولايات المتحدة، وبنفس القدر فإن انتخاب الرئيس طالباني لولايتين متتاليتين لرئاسة الدولة العراقية يعتبر تغييرا كبيرا، خاصة بعد سنوات طويلة من حرمان الشعب الكردي من المشاركة في إدارة السلطة بالعراق، وحكرها بيد العرب والسنة تحديدا، فما يحصل الآن من وصول كردي مرة أخرى إلى السلطة وكذلك تقاسم السلطات بين السنة والشيعة يعبر بمجمله عن تكريس التعددية في إدارة شؤون البلاد، وهي ضمانة لعدم عودة سنوات الدكتاتورية وحكم الطيف الواحد والمكون الواحد».