خيبة أمل في أوساط بعض قيادات «العراقية» حيال اتفاق تقاسم السلطة

يعتبرون الصفقة أكثر توافقا مع الرغبات الإيرانية

TT

انسحب أعضاء كتلة العراقية المدعومة من السنة من جلسة برلمانية عقدت أول من أمس، احتجاجا على ما اعتبروه حنثا بوعد قدمته كتل سياسية أخرى. وجاء الانسحاب بمثابة انتكاسة لما كان متوقعا أن يشكل نقطة تحول في حالة التأزم التي أصابت الحياة السياسية العراقية منذ الانتخابات غير الحاسمة التي جرت في مارس (آذار) بعد خروج أفراد «العراقية»، التي فازت بغالبية المقاعد بفارق ضئيل، من البرلمان، مضى الأعضاء الـ232 الباقون في الاقتراع لاختيار رئيس البلاد من دونهم، وهي خطوة يرى مراقبون أنها قد تثير أزمة وطنية.

وكان من المتوقع أن تمر جلسة الخميس بسلاسة بعد موافقة جميع الكتل الكبرى في وقت متأخر من الأربعاء على المشاركة في الجلسة البرلمانية بناء على تفاهمات متبادلة.

وبعد انتخاب رئيس البرلمان، أسامة النجيفي، من كتلة العراقية، بجانب نائبين له، طلب نواب الكتلة مناقشة الاتفاق المبرم معها خلال الجلسة، تحديدا لوعد برفع الحظر المفروض على مشاركة أربعة أعضاء من «العراقية» بالحكومة. يذكر أن هؤلاء الرجال الأربعة جرى فرض الحظر عليهم طبقا لقانون العدالة والمساءلة المثير للجدل الذي يحظر على أعضاء حزب البعث المنحل، الذي كان يتزعمه صدام حسين، المشاركة بالحكومة والمؤسسات الأمنية، وهو قانون يعتقد الكثيرون أنه جرى استغلاله سياسيا لإعاقة عمل «العراقية» قبل الانتخابات. بعدما صوت المشرعون على عدم مناقشة القضية قبل التصويت على منصب رئاسة البلاد، خرج جميع أفراد «العراقية» فيما عدا رئيس البرلمان الجديد إلى خارج القاعة.

وقال جابر الجابري، أحد كبار قيادات «العراقية»: «لن نشارك في العملية السياسية، ولن ننضم إليها. إن هذا مؤشرا على الحنث بالكثير من الوعود مستقبلا».

يذكر أن النجيفي، الرئيس الجديد، انسحب لاحقا هو الآخر، قائلا إنه لم تعد هناك «ثقة»، لكنه عاد بعد ذلك وصوت لاختيار الرئيس. واختار أعضاء البرلمان الزعيم الكردي جلال طالباني، الذي أدى القسم على الفور.

من جانبه، قال سامي العسكري، عضو الكتلة السياسية التي يتزعمها رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي: «هذه ليست بأزمة. لقد مضينا قدما لأن العدد الأدنى المسموح به من الأعضاء كان حاضرا».

وجاء انسحاب أعضاء «العراقية» في وقت وصف مؤتمر صحافي موجز عقده البيت الأبيض الاتفاق بالنصر و«خطوة كبرى من أجل العراق». وأشار أحد كبار مسؤولي الإدارة رفض كشف هويته، إلى أن «هذه حكومة يجري صنعها في العراق، وليست نتاجا لنفوذ أو جهود أي عنصر خارجي، أو أي دولة خارجية». وأضاف أن العراقيين «تفاوضوا بأنفسهم بشأن قضايا شديدة الصعوبة، وتوصلوا لاتفاق». ونسب مسؤولون لمسعود بارزاني، رئيس المنطقة الكردية التي تنعم بشبه استقلال ذاتي، الفضل وراء تنظيم المفاوضات التي تمخضت عن الإنجاز الذي حققه. واعترفوا بصدور دعوات رفيعة المستوى في هذا الصدد عن واشنطن، بينها دعوات صدرت عن الرئيس أوباما على مدار الأسبوع الماضي، ناشد خلالها الأكراد التخلي عن منصب الرئيس لصالح «العراقية». وقال أحد المسؤولين «لقد حاولنا المساعدة بأقصى درجة ممكنة. وعقد الكثير منا مناقشات لدراسة جميع الخيارات، وكان ذلك أحدها. وفي غضون ذلك، خرج العراقيون بالاتفاق المعلن عنه الأربعاء»، حسبما أضاف.

وفي سؤال له حول الإحباط الذي أعرب عنه بعض أعضاء «العراقية» بشأن احتفاظ المالكي بمنصب رئيس الوزراء، والمخاوف من أن ينفصل بعض السنة عن الكتلة ويستأنفون أعمال العنف، أجاب أحد المسؤولين بأن «العراقية» جميعها متفقة على احترام الحكومة الجديدة وأنه في الأسابيع المقبلة، ستثبت المناصب التي سيتولونها صحة قرارهم بالمشاركة.

بعد المؤتمر الصحافي، عندما وصلت أنباء انسحاب مجموعة «العراقية» من جلسة البرلمان إلى البيت الأبيض، حث أحد المسؤولين على التحلي بالصبر، قائلا: «دعونا ننتظر ما سيحدث».

يذكر أن العنصر الرئيسي في الاتفاق يقضي بأن تؤيد «العراقية» المدعومة من معظم السنة، ويتزعمها إياد علاوي الشيعي العلماني، المالكي الشيعي، لتولي منصب رئيس الوزراء.

في المقابل، تسيطر «العراقية»، التي فازت بأغلبية الأصوات في انتخابات مارس (آذار)، على رئاسة البرلمان وكذلك مجلس استراتيجي لم يتشكل بعد. وقال بارزاني خلال مؤتمر صحافي: «لقد توصلنا لإنجاز كبير ليلة أمس، ونعتبره نصرا لجميع العراقيين».

إلا أنه حتى في الوقت الذي جرى الإعلان عن الاتفاق، أعرب أعضاء بالكتلة عن خيبة أملهم حيال ما وصفوه بالدور المهمش، في مؤشر ربما يثير القلق لدى الولايات المتحدة في وقت تتحرك نحو تنفيذ انسحاب جميع قواتها من العراق بحلول نهاية 2011.

وتبعا للاتفاق الجديد، كان من المتوقع أن يختار البرلمان رئيسا من «العراقية»، ثم يختار الرئيس الحالي للعراق، جلال طالباني، الكردي للاستمرار بمنصبه لفترة أخرى. في المقابل، سيختار طالباني المالكي للاستمرار في رئاسة الوزراء. بعد ذلك، سيشكل المالكي مجلسا للوزراء يجب أن توافق عليه أغبية برلمانية بسيطة.

وقد مارس مسؤولون أميركيون ضغوطا من أجل إبرام اتفاق لتقاسم السلطة بين علاوي والمالكي، الذي أيد ضمنيا خلال الصيف استمراره في رئاسة الوزراء. ورأى مسؤولون في ذلك سبيلا لكسر احتكار المالكي لسلطة الحكومة ومنح الأقلية السنية العربية دورا قويا في الحكومة العراقية الجديدة.

وفي واشنطن، أكد مسؤولو الإدارة أن الاتفاق جاء متوافقا مع الكثير من أهدافهم وأبدوا تفاؤلا بشأن فرص منح كل الفصائل الرئيسية في البلاد دورا في الحكومة الجديدة. وقال أنتوني بلينكين، مستشار الأمن القومي لنائب الرئيس بايدن: «هذا إنجاز لافت، فقد صوت الشعب العراقي لحكومة شاملة بحق». وكان بايدن قد تحدث إلى كل من المالكي وعلاوي يوم الأربعاء. وأشار بلينكين إلى أنه نتيجة لاكتمال المفاوضات هذا الأسبوع، تمكنت قائمتا «العراقية» والأكراد من تشكيل حكومة موسعة لضمان عدم تنصل المالكي من الاتفاقات التي تعطي كتلة العراقية مناصب بارزة في الحكومة مثل رئاسة البرلمان ورئاسة المجلس الاستراتيجي المقترح الذي يملك سلطة الموافقة على القرار الحكومية الرئيسة. وقال بلينكين عن كتلة العراقية والأكراد: «كلاهما لديه نفس المصلحة في تقاسم السلطة، وكلاهما يملك إمكانية إسقاط الحكومة».

لكن بعض مسؤولي كتلة العراقية أعربوا عن خيبة أملهم بشأن الاتفاق، مشيرين إلى أن المالكي لم يقدم تنازلات حقيقية. وأشاروا إلى أن الاتفاق يبدو أكثر توافقا مع رغبة إيران في حكومة عراقية تهيمن عليها الأحزاب الشيعية.

وقال جوست هيلترمان، خبير الشؤون العراقية في مجموعة الأزمات الدولية: «هذا ليس السيناريو الذي ترغب فيه الولايات المتحدة، إنه السيناريو الأكثر تفضيلا لدى إيران، وسوف ننظر لنرى ما سيحدث». بيد أن بلينكين رفض ذلك بالقول إن «العراقية» ستكون لاعبا رئيسيا وشريكا كاملا وإن الاتفاق يمثل عقبة رئيسية أمام إيران.

وطول فترة المفاوضات المؤلمة في كثير من الأحيان، دأب المسؤولون الأميركيون على تكرار أن اتفاقا وشيكا سيحدث، إلا أن المفاوضات سرعان ما كانت تنهار. وقال مسؤول عراقي: «سنرى غدا ما إذا كانت هذه الاتفاقات ستحترم، وسيكون من المهم مع انعقاد البرلمان يوم الخميس أن نشهد ذلك كتابة وأن يلتزم الجميع علنا بتعهداتهم».

فيما عبر مسؤول آخر عن دهشته من الأنباء بشأن الاتفاق بين «العراقية» والأكراد قائلا إنهم «حتى وقت قريب، على الأقل، كان الأكراد محبطين في مفاوضاتهم مع (العراقية)».

ويرى مسؤول بارز بالإدارة الأميركية أن المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية الذي سيتم تشكيله والذي سيضطلع بمسؤوليات اقتصادية وأمنية ودبلوماسية، سيترأسه مسؤول بارز من كتلة العراقية ويمكن نظريا أن يضفي تأثيرا بارزا. لكن المجلس لا يزال نظريا ولم تحدد سلطاته بعد. الواضح أن كتلة العراقية أبعدت عن رئاسة الوزراء ورئاسة الدولة التي كان قادة الكتلة يأملون في الحصول عليها بقوة مقابل سلطات واسعة.

وقد وافق فريق علاوي التفاوضي على دعم ترشيح المالكي لمنصب رئيس الوزراء برغم تهديدات بعض أعضاء التكتل بالانسحاب في حال دعمت «العراقية» المالكي، وهو ما يضعف موقف علاوي.

وقال عضو برلماني بارز من كتلة العراقية: «لقد واجهنا ضغوطا قوية من المجموعة السياسية، ولسوء الحظ عقد الاتفاق، ويجب علينا الآن أن نركز على الوزارات».

وستتولى الحكومة الجديدة أعمالها في الوقت الذي تواجه فيه الولايات المتحدة موعدا نهائيا بسحب قواتها بنهاية العام المقبل. وقال وزير الدفاع روبرت غيتس هذا الأسبوع إن «الولايات المتحدة كانت مستعدة لاستمرار وجود في العراق في حال طلبت الحكومة العراقية ذلك».

تولى المالكي منصب رئيس الوزراء في عام 2006 وقاد الحكومة في أحلك أيام الحرب الأهلية، وكان ينظر إليه على أنه شخصية ضعيفة إلى أن أمر بشن عملية عسكرية ضد المقاتلين الشيعة في الجنوب والعاصمة، مما أدهش المسؤولين الأميركيين ونظراءه العراقيين. وقد جافى المالكي حلفاءه الشيعة وكون صداقات مع العرب السنة الذين اعتبروه رمزا طائفيا.

لكنه زعيم مثير للخلاف. فقد استشار دائرة مقربة من المستشارين ويتجنب وزراء الأمن بالقوات الموالية له، بحسب قول منتقديه. ويبدى الكثير قلقهم من أنه إذا ما تولى المالكي السلطة مرة أخرى دون رقابة على سلطاته يمكن أن يتحول إلى زعيم استبدادي.

خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»