مدريد تطلب توضيحات من الرباط حول مقتل صحراوي يحمل الجنسية الإسبانية

وزارة الإعلام المغربية: الصحافة الإسبانية تتحدث عن مئات القتلى في شوارع العيون وتصف المغاربة بـ«المعمرين»

وزيرة الخارجية الإسبانية ترينيداد خيمينيث تتحدث خلال مؤتمر صحافي في مدريد أمس (أ.ب)
TT

أعلنت وزيرة الخارجية الإسبانية ترينيداد خيمينيث، أمس، أن إسبانيا طلبت توضيحات من المغرب بشأن أعمال العنف التي تلت عملية إزالة مخيم محتجين صحراويين في الصحراء. وصرحت الوزيرة في مؤتمر صحافي عقب مجلس الوزراء بأن «إسبانيا تعتبر أنه لا بد من توضيح ظروف (أعمال العنف) بشكل عاجل، وأبلغنا حكومة المغرب بذلك». وأعربت الوزيرة عن «قلقها العميق» من «الحوادث الخطيرة جدا» التي وقعت خلال الأيام الأخيرة في الصحراء. وأضافت أنها طلبت من السلطات المغربية أن «توضح ظروف مقتل المواطن الإسباني بابي حمادي بوجمعة» خلال أعمال العنف التي تلت إزالة المخيم الصحراوي. وكان لحمد حمادي، شقيق بابي حمادي بوجمعة، قد اتهم في مؤتمر صحافي عقد في إليكانتي أمس (شرق جنوب إسبانيا) الشرطة المغربية، بأنها «اغتالت بعنف» شقيقه بدهسه بسيارة.

من جهتها، قالت مصادر رسمية في الرباط إن بوجمعة توفي في حادث مروري خلال أحداث العنف التي شهدتها العيون (كبرى مدن الصحراء) مطلع الأسبوع الحالي، بعد تدخل قوات أمن مغربية لإخلاء معسكر أقامه محتجون صحراويون، ورجحت المصادر أن تكون له جنسية إسبانية، مشيرة إلى أنه مغربي وهي جنسيته التي تسبق أي جنسية أخرى. ولمحت المصادر بأنه ليس من الانفصاليين، وهي إشارة إلى أنه ليس مؤيدا للبوليساريو. ويحمل عدد كبير من الصحراويين الجنسية الإسبانية.

وفي سياق منفصل، وزعت وكالة الأنباء الإسبانية الحكومية (إيفي) صورة نشرتها كبريات الصحف الإسبانية على صفحاتها الأولى لأطفال صغار مصابين بجروح في الرأس ويتلقون العلاج في أحد المستشفيات، قالت «إنهم ضحايا القمع المغربي»، بيد أنه تأكد أن الصورة هي لأطفال غزة ضحايا العدوان الإسرائيلي عام 2006. وقالت روساريو بونس، مسؤولة قسم التصوير في وكالة «إيفي»، لوسائل الإعلام إن الوكالة لا تتوفر على أي مصور في مدينة العيون، وإنها اعتمدت في تغطية الأحداث الأخيرة في المدينة، خاصة في مجال الصور، على بعض المواقع الإلكترونية والمدونات الشخصية لمن سمتهم «نشطاء صحراويين»، وجاء هذا بعد أن أفادت الصحف الإسبانية بأن مصدر هذه الصورة كان وكالة «إيفي». ونشرت هذه الصورة بكل من صحيفتي «إلموندو» و«إيل باييس»، إضافة إلى الصحف الإلكترونية مثل «إيل سيمنال ديخيتال» والصحف المجانية مثل «كي».

من ناحية أخرى، رحلت السلطات المغربية، أمس، ثلاثة صحافيين إسبانيين من العيون، في حين سحبت اعتماد صحافي رابع. وقالت مصادر مطلعة في الرباط إن الصحافيين الإسبانيين الثلاثة (رجلان وامرأة) تقرر إبعادهم من العيون بعد أن وصلوا إلى هناك «متسللين» دون اعتماد قانوني، في حين قالت وزارة الاتصال (الإعلام) المغربية إن اعتماد الصحافي لويس دوفيغا إيرنانديز، مراسل صحيفة «أ.ب.س»، قد سحب منه بسبب سلوكه غير المهني. وانتقد البيان بشدة ما تكتبه الصحافة الإسبانية حول أحداث العيون، وقال إنهم وصفوا المغاربة في الصحراء بأنهم «معمرون»، في إشارة إلى المعمرين الفرنسيين إبان فترة الاستعمار، وأشار البيان إلى أن بعضهم يريد أن يعمل على «ضمان تحرير الصحراء من مستعمريها». وقال البيان إن الصحف الإسبانية قالت بوجود مئات الجثث في شوارع العيون، في حين أن البيانات المغربية أشارت إلى سقوط عشرة قتلى من قوات الأمن، التي كانت اقتحمت الاثنين الماضي مخيما أقامه صحراويون محتجون خارج مدينة العيون دون سلاح، في حين قتل اثنان من المدنيين. وكانت الخارجية الإسبانية عبرت قبل ترحيل الصحافيين الإسبان الثلاثة عن «قلقها بشأن وضعية ثلاثة صحافيين من إذاعة (كادينا سير)». وقالت عن الصحافيين الثلاثة، إنهم اعتقلوا لبضع ساعات من قبل الشرطة المغربية بعد أن نجحوا في التسلل إلى مدينة العيون، ثم قاموا بإرسال تقارير إلى عدة وسائل إعلام إسبانية عن الوضعية بالمدينة. وقالت مصادر الوزارة إن السفارة الإسبانية في المغرب تحركت فور علمها بوضعية الصحافيين: أنجيلز بارسيلو ونيكولاس كاستيانو والتقني أنخيل كابريرا، حيث اتصلت بوزارات الخارجية، والاتصال والداخلية المغربية، للتعبير عن قلقها بشأن وضعية هؤلاء الصحافيين الإسبان. وكان فريق إذاعة «كادينا سير» قال في تقارير إذاعية: «حالة الخوف الشديد التي يعيشها سكان المدينة جراء الوجود الكثيف لقوات الأمن المغربية المدججة بالسلاح» - على حد قولهم. وكان خالد الناصري وزير الاتصال المغربي قد قال إن منع المغرب لبعض الصحافيين من زيارة العيون سببه أنهم يتصرفون «كنشطاء أو خصوم للمغرب».

ومن الجانب الإسباني، طالبت وزيرة الخارجية الإسبانية ترينيداد خيمينيث المغرب بالسماح للصحافة بالعمل بشكل «شفاف» في العيون، وذلك بعد أن تم منع 13 صحافيا، في وقت سابق من الوصول إلى العيون عن طريق الجو دون تقديم تفسير من جانب الخطوط الجوية الملكية المغربية، بعد أن منعت في وقت سابق 12 صحافيا يتبعون لوسائل إعلام دولية من مغادرة الدار البيضاء إلى العيون. وفي سياق متصل، قالت لجنة حماية الصحافيين في نيويورك إن هناك تناميا للروح العدائية ضد الصحافيين الإسبان في المغرب والتي تهدف إلى منعهم من تغطية أحداث العنف في الصحراء، وناشدت اللجنة الحكومية المغربية بالسماح للصحافيين بالقيام بمهامهم.

في غضون ذلك، قال مصدر في السفارة الجزائرية في الرباط إن بلاده غير معنية بما حدث في العيون، وإن موقف الجزائر من نزاع الصحراء واضح. وأضاف المصدر، في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»، ردا على اتهامات وجهتها صحف مغربية حول «تورط المخابرات العسكرية الجزائرية في أحداث العنف والشغب التي حدثت في العيون»: «على الذين أوردوا تلك التهم أن يدلوا بادلتهم لإثباتها» وأضاف: «اطلعت على الاتهامات المذكورة مثلكم من خلال الصحف، وقد تعودنا قراءتها كل صباح، ولا تعليق لدي حولها». وتابع: «علينا أن نتعامل مع هذه الاتهامات بكل مسؤولية ورزانة، لأنه ليس لدينا ما نخشاه، ونحن لسنا معنيين أصلا بما حدث في العيون ولا بالنزاع ككل، فهو مطروح على الأمم المتحدة وموقف الجزائر واضح منه».

وفي موضوع ذي صلة، طالب المركز المغربي لحقوق الإنسان، (هيئة مستقلة)، الأمم المتحدة بالتحقيق في ضلوع البوليساريو والمخابرات الجزائرية في أحداث «الشغب والتقتيل ومحاولتهم استغلال كل مظاهر الاحتجاج الحضاري، في وقت يتخذ فيه النزاع حول الصحراء منحى الحوار والتفاوض تحت إشراف الأمم المتحدة ذاتها»، كما طالب المركز في أول تقرير مستقل يصدر عن أحداث العيون، السلطات المغربية بالكشف عن «ملابسات الأحداث الأليمة وتنوير الرأي العام حول خيوط المؤامرة، التي حاكتها بعض العناصر ذات الأطروحة الانفصالية لاستغلال احتجاجات المواطنين لغايات سياسية»، بالإضافة إلى فتح تحقيق حول ملابسات وفاة عناصر قوات الأمن وأحد المواطنين، وعدم التسامح مع من اقترفوا جنايات القتل، كما طالب المركز بمحاسبة المسؤولين المحليين بالمدينة، الذين رصدت في حقهم مظاهر التقصير أو استغلال النفوذ أو الاختلاس، التي أدت إلى خروج سكان المدينة للاحتجاج. وحمّل التقرير السلطات المحلية المسؤولية الكاملة في طريقة تدبيرها لأزمة المخيم منذ بداية بنائه، مرورا بتوسعته ووصوله إلى الحد الذي وصل إليه.