وزير خارجية مصر لـ«الشرق الأوسط»: على المهددين بـ«قطع الأيدي» في لبنان التحسب للنتائج

أحمد أبو الغيط قال إن إسرائيل مسؤولة عن نسف قمة المتوسط ولا يتعين الذهاب إلى مجلس الأمن والتصادم مع القوى العظمى

TT

خص وزير خارجية مصر أحمد أبو الغيط، أمس، «الشرق الأوسط» بمناسبة وجوده في العاصمة الفرنسية، بحديث شامل تناول فيه القمة المتوسطية المؤجلة والمفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية المتوقفة وانعكاسات خسارة الرئيس الأميركي للانتخابات النصفية الأخيرة على الدور الأميركي في الشرق الأوسط والوضع المشدود في لبنان وصولا إلى السودان والمخاطر المترتبة على الاستفتاء بداية العام المقبل. وكان أبو الغيط عائدا من زيارة إلى واشنطن تباحث فيها مع المسؤولين الأميركيين وتحديدا مع نظيرته الأميركية هيلاري كلينتون. ونحا أبو الغيط باللائمة على إسرائيل التي تسببت سياستها الاستيطانية وأداؤها المتطرف، كما قال، في نسف القمة المتوسطية التي كانت منتظرة في 21 من الشهر الحالي وتأجيلها إلى وقت غير محدد، بعد أن كانت أجلت مرة أولى من يونيو (حزيران) الماضي إلى نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي. وفي موضوع المفاوضات والدور الأميركي، يرى أبو الغيط أنه يتعين إعطاء واشنطن فرصة إضافية معتبرا أن الرئيس أوباما «لن يتخلى عن مسؤولياته» في الشرق الأوسط. وحث أبو الغيط، الذي أبدى قلقه من مسار الأمور في لبنان، اللبنانيين على الحوار والتفاهم منبها الذين يهددون بـ«قطع الأيدي» من النتائج التي يمكن أن ترتد عليهم. وفي ما يلي نص الحوار:

ميشال أبو نجم

> متى سيصدر إعلان تأجيل قمة الإتحاد من أجل المتوسط؟

- أريد أن أقول بداية إنه لم يسبق تحديد موعد لعقد القمة. كان هناك اتفاق في السادس من يونيو الماضي على أن يكون التاريخ المستهدف لعقد الاجتماع في نوفمبر الحالي، وربما استغلال وجود كل القادة بمن فيهم الرئيس الأميركي باراك أوباما والرئيس الروسي ميدفيديف في لشبونة في 19 و20 الحالي «بمناسبة القمة الأطلسية الرابعة والعشرين» من أجل عقد اجتماع في المساء بين القادة في برشلونة كتابع لاجتماع لشبونة وفي اليوم التالي، أي في 21 نوفمبر، يعقد اجتماع صباحي للاتحاد من أجل المتوسط لنصف نهار وينقضي الأمر.

لذا أقول إننا لم نتفق بشكل نهائي على عقد القمة في هذا التاريخ «أي في 21 الحالي». القمة سوف تعقد، وأشدد على «سوف».

لقد كشفت التطورات في الأشهر الأخيرة أن ثمة شكوكا كبيرة بشأن انعقاد هذه القمة على الأقل من جانب الطرف العربي. فنحن نستشعر في مصر أن أداء الحكومة الإسرائيلية وتصرفات الجانب الإسرائيلي في مواجهة الفلسطينيين لا تشجع القادة العرب على أن يأتوا ويجلسوا إلى الطاولة نفسها التي تجلس إليها إسرائيل. ولكننا لم نتخذ «في مصر» القرار بمفردنا. لقد تشاورت على مدى الأسابيع الأخيرة مع وزراء الخارجية العرب ثم دعونا إلى اجتماع كبار المسؤولين في القاهرة من غير الإعلان عنه يوم 7 نوفمبر وتوصلنا إلى نتيجة مفادها أنه يتعين علينا مصارحة أصدقائنا الأوروبيين أن عقد الاجتماع في التاريخ المستهدف «أي 21 نوفمبر» لن يكون مفيدا؛ لأن المناخ غير مناسب. ولذا مررت على باريس يوم الثلاثاء الماضي واجتمعت مع المستشار الدبلوماسي للرئيس ساركوزي السفير جان ديفيد ليفيت وطرحنا عليه رؤيتنا وأفكارنا ووعد أن يعرض الأمر على الرئيس وهو ما حصل. ثم كانت لي اتصالات موازية مع ميغال أنخيل موراتينوس، وزير خارجية إسبانيا السابق والمكلف بمتابعة هذا الملف. وبمناسبة عودتي إلى باريس، تحدثت إلى شخصيتين أساسيتين هما كلود غيان، أمين عام قصر الإليزيه ومع وزير الخارجية كوشنير، ومجددا مع ممثل البلد المضيف (إسبانيا). وخلاصة مشاوراتنا أننا اتفقنا على أن نبلغ كل شركائنا أن هذا الاجتماع لن يتم في هذا التاريخ المستهدف. وبالتالي نتوقع أن يصدر خلال أيام بيان تصوغه الأطراف الثلاثة «مصر وفرنسا وإسبانيا» أي الرئاستان المشتركتان حاليا للاتحاد والبلد الذي كان سيستضيف الاجتماع كي نقول إن الأمر يحتاج لبعض الوقت «من أجل عقد القمة الموعودة».

وأود أن أقول هنا إن إسرائيل تتحمل المسؤولية بسبب سياساتها إزاء الفلسطينيين. هي تردد أنها ليست مسؤولة لأن المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية يجب أن تتم بمعزل عن الاتحاد من أجل المتوسط الذي ليس هو الإطار الذي سيحل المشكلة. نحن لا نعترض على هذه النقطة. ولكن بالمقابل نقول إن أداء الجانب الإسرائيلي وبالذات من يمثل وزارة الخارجية الإسرائيلية، على مدى الشهور الأخيرة تسبب في تخريب الجهود التي بذلت من أجل القمة.

> لماذا نقول هذا؟

- كل مرة نأتي على تحضير اجتماع من الاجتماعات القطاعية أو لاجتماعات كبار المسؤولين، يأتي موضوع البيان الختامي. وكل مرة نقول إننا نرغب في أن نتناول حق الفلسطينيين في إدارة مواردهم وثرواتهم الخاصة بهم في الأراضي المحتلة. لكن إسرائيل كانت تحتج كل مرة وتقول: ليست هناك أراض محتلة. من هنا، لا يمكن إلا أن يكون المنهج الإسرائيلي مسؤولا عن هذا الأداء وأيضا امتناع دول الاتحاد الأوروبي عن اتخاذ مواقف صارمة تجاه إسرائيل لتقول لها: «إما أن تنحي نفسك ولا تشاركي في هذه الاجتماعات لكي تفضي إلى نتيجة، وإما أن تجلسي وتقبلي بما تقوله الدول الـ42 في الاتحاد (إسرائيل العضو الـ43)».

> هل ستؤجل القمة إلى النصف الأول من العام المقبل؟

- لا نستطيع أن نقول إلى متى سوف تؤجل. ولكن أقول إنه إذا ما تحركت عملية السلام عبر المفاوضات وتبين أن إسرائيل تتعامل بشكل مرض مع موضوع الاستيطان بدا أن هناك نوعا من المصداقية الإسرائيلية في التعاطي مع المسائل المتعلقة بالاتحاد يمكن عندها النظر في موضوع التاريخ الجديد «للقمة».

> أنت عائد من واشنطن حيث كانت لك اتصالات مع المسؤولين الأميركيين بشأن المفاوضات والسلام في الشرق الأوسط. ما هي الانطباعات التي عدت بها؟ وما تعليقك على اجتماع نتنياهو مع الوزيرة كلينتون، حيث يبدو أن لا تقدم في موضوع المستوطنات الذي يعيق معاودة المفاوضات؟ هل انتهت أو أجهضت المفاوضات؟

- المفاوضات المباشرة متوقفة طالما استمر الجانب الإسرائيلي وبنجاح في تحدي الولايات المتحدة الأميركية والمجتمع الدولي. ونرى أنه يتعين على واشنطن وعلى الرباعية الدولية والأسرة الدولية بشكل عام أن تتخذ من المواقف ما يفرض على إسرائيل أن تعود إلى المنطق الصواب.

وثمة مسألة أخرى علينا أن نشجع الجانب الأميركي بصددها؛ المطلوب منه اليوم في مواجهة التعنت والصلف الإسرائيلي أن يعلن رؤيته تحديدا لما يجب أن تكون عليه نهاية الطريق وهو المطلب المصري الثابت. نحن كنا نقول وما زلنا: حددوا نهاية الطريق وكيف تتصورونها والوسائل المفضية إليها والمبادئ الأساسية التي تقوم عليها المفاوضات. وإذا ما وضعت هذه المبادئ الأساسية لقيام المفاوضات والشكل النهائي للتسوية تكونون «أي الأميركيين» قد سهلتم الأمر على الجميع وليدع الطرفان كي يحضرا إلى التفاوض على الأسس التي تكونون قد حددتموها أساسا للمفاوضات.

> هل يمكن القول إن موقف الرئيس أوباما السياسي بعد الهزيمة الانتخابية التي لحقت به في الانتخابات النصفية لا يزال يستطيع أن يطلق خطة من هذا النوع؟

- أعتقد أن الرئيس أوباما سيبقى رئيسا للولايات المتحدة لعامين وأعتقد أنه لن يتخلى عن مسؤولياته كرئيس للولايات المتحدة حتى يعاد انتخابه مرة أخرى أو لا يعاد. من هنا، أنا واثق أن الولايات المتحدة قادرة، إذا ما اعتمدت المنهج الذي أشرت إليه، أن تمضي به. أقول: نحن نطالب واشنطن بأن تضع شكل التسوية النهائي. نطالبها بأن تضع المبادئ الأساسية لهذه التسوية.. وأقول ما يلي:

1- نطالب واشنطن بأن تقول إن الدولة الفلسطينية ستقوم وخلال عام على خطوط عام 1967.

2 - إن الدولة التي ستقوم على حدود الـ67 سوف تقبل التفاوض مع الجانب الإسرائيلي على تبادل محدود للغاية للأراضي.

3- إن الدولة الفلسطينية يجب أن تساعد إسرائيل على تحقيق أمنها وبالتالي يجب التوصل إلى إجراءات أمنية متفق عليها بين الطرفين.

4- إن حجم الأرض الفلسطينية التي احتلت عام 1967 يجب أن يماثل حجم الأراضي الفلسطينية التي سوف تقوم عليها الدولة الفلسطينية.

5- إنه يتعين علينا النظر إلى مسألة اللاجئين بواقعية وموضوعية وتنفيذا لقرارات القمة العربية وبالتحديد قرار قمة بيروت عام 2002.

يمكن القول إن هناك عنصرين: الأول أن القمة العربية أعطت الإدارة الأميركية مهلة شهر للنظر في استئناف المفاوضات المباشرة وهذه المهلة انتهت، والثاني أن أبو مازن يريد اجتماعا عاجلا لمجلس الأمن بسبب تسارع عمليات الاستيطان.

> إذن هل حان زمن التوجه إلى مجلس الأمن الدولي أم أن العرب سيعطون واشنطن فرصة إضافية لتحقيق اختراق ما؟

- الهدف الفلسطيني الحالي مثلما نراه ونتفق معه ونؤيده مثلما قلت في واشنطن، هو أن نعطي الجانب الأميركي «فرصة جديدة» لأنه أكد لنا في واشنطن قبل أيام قليلة أنه ما زال يسعى لتحقيق الهدف الأميركي الأساسي في إقناع إسرائيل بتجميد الاستيطان ووقفه لفترة ممتدة وليس لفترة شهرين. هذه المدة لا تكفي، وهي تعني أن إسرائيل تناور وتتقاعس ثم تعود إلى مواقفها وممارساتها الأولى.

يبقى موضوع مجلس الأمن: أتصور أن أبو مازن عندما يتحدث عن مجلس الأمن فإنه يتحدث عنه في إطار إدانة الاستيطان. ولا أعتقد أنه في الوضع الحالي يسعى إلى طرح كامل للقضية الفلسطينية أمام مجلس الأمن لأن الوقت ما زال في تقديري مبكر.

أقول: لنسع إلى الحصول على موقف أميركي نهائي أما إذا لم ننجح في هذا، فإن الذهاب إلى مجلس الأمن لا يتم من خلال التصادم مع الولايات المتحدة أو القوى العظمى ولكن بالعمل المتسق معها أي أننا لا نفاجئ أحدا ولكن نرتب المسرح ونعد له.

> يعني هذا أن المطلوب إعطاء مهلة إضافية للجهود الأميركية؟

- الولايات المتحدة حصلت على هذه المهلة الإضافية من الجانب الفلسطيني من أسبوع مضى. وأنا أيدت هذا المنهج.

> هل أنت قلق على لبنان؟ وهل يتجه لبنان إلى دورة عنف جديدة؟

- أنا قلق على لبنان، ولكن ليس من حرب أهلية، لأن اللبنانيين نضجوا وظروف الحرب الأهلية السابقة ليست هي نفسها الظروف الحالية.

لكن علينا أن نساعد لبنان على الخروج من المأزق الذي يمر فيه وهذا الخروج يجب أن يتم من خلال سعي كل الأطراف الدولية والإقليمية للتحدث مع اللبنانيين بكافة توجهاتهم وتقول لهم حقائق الأمر. ولا يتصور أحد أنه قادر على «قطع الأيدي». قطع الأيدي يؤدي إلى الكثير من الخسائر التي تصيب صاحب القطع. الأمور يجب أن تتم من خلال التوافق والإقناع والعمل المشترك وبناء الإرادة المشتركة ويقوم من خلال إقناع كل الأطراف الداخلية في المضي في طريق التسوية .

> ولكن ما هو شكل هذه التسوية؟

- شكلها أن يقبل الجميع أن هناك محكمة «دولية» كانت مقبولة لبنانيا وبإجماع ومنذ سنوات. فلماذا هذا الوضع اليوم؟ هل لأن سورية كانت هي المتهمة أم ماذا؟ الأمور يجب أن تبحث بهدوء وحكمة وتوافق وبإنكار للذات وتبحث بتضحيات من قبل الجميع.

> إلى أين آل مشروع الطرح الكونفدرالي في السودان بين شماله وجنوبه. وما هي فائدة هذا المشروع اليوم فيما يتجه الجنوب نحو الانفصال؟

- ما زلنا نقول إن هذا هو الأسلوب الأمثل لتجاوز هذه المسألة. بعضهم يزعم أنها فكرة أكل الدهر عليها وشرب.

ردنا للسودانيين: عليكم أن تنهوا كل مشكلاتكم قبل الوصول إلى 9 يناير (كانون الثاني) المقبل «موعد الاستفتاء في السودان» فإذا فشلتم عليكم أن تبحثوا عن بديل. والبديل الذي نطرحه هو أن تتفقوا جميعا أنه في حال جاءت نتيجة الاستفتاء لصالح الانفصال، فليكن هناك توافق مسبق على أنكم ترغبون في العيش في إطار كونفدرالي. وهذا الحل سوف يمنع العودة إلى الحرب والاقتتال. الجميع سيخسر وفي مقدمة الخاسرين مصر.