حجاج باكستان.. حج برائحة السيل والطين

ناجون من كارثة الفيضانات يأملون بحياة جديدة

TT

بصوت متهدج ومسحة حزن لم يستطع إخفاءها، وصف الحاج الباكستاني كريم أرشدي، رحلة الحج التي يقوم بها لهذا العام بأنها آخر ما يملكه في هذه البسيطة. فخلف تعب وسفر وفرحة بوصوله إلى مشعر منى، مرسومة على وجهه، تقرأ قصة مكتوبة بآثار السيل والطين، عاش فصولها في مدينة «تتا» بإقليم السند الجنوبي في باكستان، وهو يقاوم وينجو من الموت الذي اختطف أهله وأصدقاءه في الفيضانات التي اجتاحت بلاده في أغسطس (آب) من العام الحالي.

وبين مشهدين، كان أولهما أرشدي غارقا في فيضانات إقليم السند بباكستان، وثانيهما غارقا بين أفواج الحجيج وهم يلهجون بالتلبية في منى، يصف أرشدي حياته التي يخطو على عتبات سنواتها الخمسين، بأنها كانت مجرد «لحظتين». لحظة أجهش فيها بالبكاء حين فقد فيها كل شيء، بيته ومزرعته التي حولتها السيول إلى مجرد أطلال، وثلاثة أفراد من أسرته، زوجته كانت أحدهم، ولم يبق له سوى مدخراته التي دفعها لحملة الحج في وقت مبكر. ولحظة أخرى ودموعه تسترسل بهجة بمجرد معانقتها للكعبة المشرفة، وهو يبدأ رحلة الحج.

أرشدي الذي يقول إن رحلة الحج كلفته 10 آلاف ريال جمعها خلال أربع سنوات بأن السيول أفقدته كل شيء كان يملكه على الرغم من أنه كان يعد من ميسوري الحال في ذلك الإقليم الذي تعد الزراعة المهنة الأولى لساكنيه. وعلى الرغم من إلحاح الأسئلة، تحاشى أرشدي، الذي كان يتحدث بالأردو عبر مترجم إلى اللغة الإنجليزية، العودة إلى تفاصيل اللحظة التي عصفت بكل شيء. إلا أنه يذكر باقتضاب أن السيول احتجزته لمدة أسبوع، لم يستطع خلالها الوصول إلى عائلته، وحين التقاهم كان عم له وابن أخ وزوجة في عداد الغرقى. ويذكر أرشدي أنه كان من الذين استفادوا من جسر المساعدات التي مدتها حكومة خادم الحرمين الشريفين إلى المنكوبين في باكستان، حيث التجأ إلى مخيم المنكوبين الذي أقامته السعودية في مدينة تتا بإقليم السند الجنوبي.

أرشدي الذي غادر باكستان في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي يصف كل شيء تركه خلفه بأنه ما زال كما مر به السيل البارحة. حيث إن خطط إعادة إعمار القرى والإقليم المنكوب لم تحدث تغييرا يذكر إلى الآن.

يتدخل رفيقه الذي يتولى عملية الترجمة ليقول: «كثير من الذين استعدوا للحج أجبرتهم الفيضانات على استرجاع أموالهم التي دفعوها بعد أن أصبحت آخر ما يملكونه»، مضيفا كنا نتوقع ألا نشاهد أحدا من منكوبي تلك المنطقة في حج هذا العام.