بترايوس يحذر الأفغان من تبعات انتقادات كرزاي لاستراتيجية الحرب

الحكومة الأفغانية تخفف من حدة تحفظات الرئيس على عمل القوات الأميركية

الجنرال ديفيد بترايوس (أ.ب)
TT

حذر الجنرال ديفيد بترايوس، قائد قوات التحالف في أفغانستان، المسؤولين الأفغان أول من أمس من أن انتقاد الرئيس حميد كرزاي العلني الأخير للاستراتيجية الأميركية يهدد بتقويض التقدم في الحرب بشكل خطير، ويخاطر بتقليل الدعم لموقف بترايوس الخاص، حسبما ذكر مسؤولون أفغان وأميركيون. وفي الوقت نفسه، سعت الحكومة الأفغانية أمس إلى التخفيف من حدة التصريحات التي أدلى بها كرزاي.

وقال وحيد عمر، المتحدث باسم كرزاي، إن الحكومة تحدثت مع قادة أجانب، وإن حلف الأطلسي فهم ووافق على معظم مخاوف السلطات الأفغانية، كما يوجد توافق مبدئي على المشكلات التي تواجهها القوات. وأضاف في مؤتمر صحافي في كابل «نواصل الحوار، وكما قال الرئيس فإن هذا النوع من الحوار موجود دائما مع وصول العلاقة إلى مرحلة النضوج». وأكد أن «المجال للتفكير الجدي من قبل الجانبين يتسع، وهذا أمر سيأخذنا إلى مستوى آخر من الشراكة».

وقال عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي، الذين زاروا كابل الأسبوع الماضي والتقوا بكرزاي، إنهم صدموا للتصريحات التي أدلى بها لصحيفة «نيويورك تايمز» لأنه لم يناقش مسألة المداهمات الليلة التي تحدث عنها للصحيفة، أثناء اجتماعه معهم.

وذكر مسؤولون في تقرير لـ«واشنطن بوست» أن بترايوس عبر عن «دهشته وإحباطه» إزاء دعوة كرزاي في المقابلة التي أجراها يوم السبت الماضي مع صحيفة «واشنطن بوست» إلى «تقليل العمليات العسكرية» وإنهاء الغارات والعمليات الأميركية الخاصة في منطقة جنوب أفغانستان، التي قال مسؤولو قوات التحالف إنها قتلت أو أسهمت في اعتقال المئات من قادة طالبان خلال الشهور الأخيرة.

وفي لقاء أجراه صباح الأحد الماضي مع أشرف غاني، الذي يقود تخطيط الحكومة الأفغانية لعملية نقل القوات، قدم بترايوس ما وصفه الكثير من المسؤولين بأنه إشارات افتراضية لعدم القدرة على مواصلة العمليات الأميركية في مواجهة ملاحظات كرزاي.

وتأتي الغارات الليلية في صميم استراتيجية بترايوس لمكافحة الإرهاب، وهي المفتاح الأساسي لآماله في قدرته على تحقيق تقدم واضح عندما يراجع البيت الأبيض الوضع السائد في أفغانستان خلال الشهر المقبل.

وشكك المسؤولون في التقارير السابقة التي تم تناقلها يوم الأحد الماضي، عن أن بترايوس كان قد هدد بالاستقالة. لكن «عندما يسلك كرزاي هذا الطريق، وفي هذه المرحلة الخاصة، فإنه يقوض بذلك فعلا ليس فقط من مساعي بترايوس الشخصية فحسب، ولكن من مساعي المجتمع الدولي أيضا»، حسبما ذكر أحد الدبلوماسيين الأجانب في كابل. وطلب عدد كبير من المسؤولين في واشنطن وكابل عدم الكشف عن هويتهم من أجل مناقشة هذه القضية. وجاء هذا الخلاف الذي حدث خلال نهاية الأسبوع الماضي قبل اللقاء المرتقب لقادة حلف الناتو، ومن بينهم الرئيس أوباما، في القمة المزمع عقدها في العاصمة البرتغالية لشبونة، والتي سوف تبدأ بوضع جدول زمني للعملية الانتقالية، وهي عملية إعادة أجزاء من السيطرة الأمنية داخل أفغانستان إلى قوات أفغانية. وسوف تحدد القمة، التي من المنتظر أن يحضرها كرزاي، أيضا، عام 2014 كمهلة لنهاية العمليات القتالية لقوات التحالف هناك، وسوف تستعرض الشراكة الأفغانية طويلة الأجل مع حلف الناتو.

وقال مسؤول عسكري بارز في قوات حلف الناتو «بترايوس لم يهدد فعليا بالاستقالة على الإطلاق. لكن تعليقاته إلى غاني عكست رغبته في ضمان تفهم الأفغان لخطورة الوضع».

وقال المسؤول «لقد تلقينا تطمينات بعد ذلك بأن الرئيس كرزاي يؤيد تماما الاستراتيجية المشتركة، وإننا نشاطره الرغبة في أن تتولى القوات الأفغانية القيادة، وإننا قد عملنا بجد معا من أجل تناول كل القضايا التي أثار كرزاي مخاوف بشأنها، وسوف نستمر في فعل ذلك».

ولم يحضر بترايوس اجتماعا كان مقررا له يوم الأحد الماضي مع كرزاي، حسبما ذكر المسؤولون. وألغى المتحدث باسم كرزاي أيضا مؤتمرا صحافيا كان مقررا. وحاول بعض المسؤولين الأفغان يوم الأحد الماضي تهدئة القضية بإعلانهم عن احترام كرزاي لبترايوس وثقته في استراتيجيته.

وقال مسؤول أفغاني بارز «من الخاطئ بشكل قاطع تفسير ملاحظات كرزاي على أنها تصويت بسحب الثقة في الجنرال بترايوس». وذكر أنه بالإضافة إلى الاتفاق على إنهاء المهمة القتالية لقوات التحالف بنهاية عام 2014، هناك الكثير من مناطق «الاهتمام والأهداف المشتركة».

وقال المسؤول «إنهما رجلان يشعران بالراحة في العمل مع بعضهما بعضا. وهناك أجواء من الاحترام المتبادل، والثقة قامت بينهما».

وفي مقابلة يوم الأحد الماضي، قال كرزاي إن الديناميكية الأميركية الأفغانية التي كانت تعاني من مشكلات في الغالب قد تحسنت منذ وصول بترايوس خلال الصيف، وإن البلدان يمتلكان «علاقة أكثر نضجا». لكنه لخص أيضا رؤية تجاه الوجود العسكري الأميركية تتعارض بشكل حاد مع استراتيجية إدارة الرئيس أوباما.

وقال كرزاي إنه يرغب في أن تكون القوات الأميركية أقل تدخلا في حياة الأفغان، بالإضافة إلى إنهاء الغارات الليلية. وذكر أن القوات الأميركية يجب أن تسعى للبقاء في قواعدها، وأن تقوم بالأنشطة الضرورية فقط على طول الحدود الباكستانية.

وقال مسؤول آخر بقوات حلف الناتو «أعتقد أن صراحة كرزاي هي ما يثير الضيق بالفعل. إنه يتخذ موقفا متغيرا بمقدار 180 درجة عن الفكرة الأساسية لخطة حملتنا الحالية».

وأضاف المسؤول «من الواضح جدا أنه لم يعد لدينا شريك جدير بالثقة في كابل. وأعتقد أننا كنا حاولنا أن نخفي هذا خلال زيارة كرزاي إلى واشنطن في شهر مايو (أيار) الماضي. لكن المواقف أصبحت أكثر تباعدا بشكل متزايد.. منذ ذلك الحين».

وجاء الصدع الأخير في أعقاب سلسلة من الخلافات العلنية بين كرزاي والغرب خلال الشهور الأخيرة؛ حيث دخل كرزاي في خلافات مع الغرب حول قضايا تتعلق بالفساد خلال فصل الصيف الماضي، بعدما أخرج كرزاي أحد مساعديه من السجن. وكان هذا المساعد متهما بالحصول على رشوة وتحرك لوقف أنشطة التحقيقات المناهضة للفساد التي كانت تلقى دعما من الولايات المتحدة.

وخلال فصل الخريف الحالي، تم النظر إلى حملة كرزاي، لتسريح شركات الأمن الخاصة التي تحمي مشاريع المساعدة الأجنبية، على أنها تمثل تهديدا لاستثمارات تقدر قيمتها بمليارات الدولارات في مشاريع المساعدة التنموية. وقد صعبت تعليقات كرزاي العلنية، التي كانت غالبا ما تنتقد الغرب بعنف لتدخلها أو مفاقمتها للحرب عبر إلحاق الضرر بالمدنيين من مهمة الدول في تقديم رسالة مشتركة.

وفي واشنطن، وصف مسؤولون ملاحظات كرزاي بأنها لا تخرج عن الإطار الطبيعي. وقالوا إن كرزاي كان قد عبر عن آراء مشابهة إلى بترايوس ومسؤولين آخرين بشكل خاص.

وقال مسؤول بارز في الإدارة الأميركية «في حين أننا لم نكن ننتظر تماما القائمة التي وضعها، فإن الحقيقة القائلة بأن هذه البنود كانت تمثل مصادر قلق بالنسبة له لم تكن مفاجأة بالنسبة لنا».

وأضاف المسؤول «لقد عبر الرئيس كرزاي بوضوح عن بعض إحباطاته مؤخرا. وقد عملنا بجد كبير من أجل التعامل مع هذه الإحباطات. إنه أمر مثير للتحديات وليس هذا سرا». وقال إن الإدارة الأميركية شاركت كرزاي في بعض مخاوفه وكانت تحاول «العمل معه» من أجل تبديد هذه المخاوف.

وفي قمة لشبونة، يخطط حلف الناتو للإعلان عن أن التقدم في الحرب سوف يمكن من «نقل» السيطرة على الأمن إلى القوات الأفغانية، وهي العملية التي بدأت في ربيع العام الحالي. وسوف يقرر بترايوس الأقاليم والضواحي المستقرة بشكل كاف لنقلها إلى سيطرة قوات الأمن الوطنية الأفغانية، مع استمرار قوات التحالف في القيام بدور رقابي مع اقتراب موعد الانسحاب الكامل للقوات المقاتلة من أفغانستان بنهاية عام 2014.

ويأمل مسؤولو التحالف في أن تسمح البداية الرسمية لعملية نقل السيطرة الأمنية لكرزاي بالتأكيد على أن مخاوفه بخصوص تقليل الوجود العسكري الأجنبي يتم التعامل معها. وسوف يتم توضيح المناطق المحددة للعملية الانتقالية مع إعلان الحكومة الأفغانية وكرزاي عنها خلال الشهور المقبلة.

وقال المسؤول البارز في الإدارة الأميركية «نحن نعكف على التأكد من أنه هو الشخص الذي يتولى مقاليد الأمور».

وقد أكدت قوات حلف الناتو على أن قرارات «الانتقال» منفصلة عن القرارات التي اتخذها أعضاء فرديون في قوات التحالف بخصوص سحب قواتهم من أفغانستان تماما.

وقد تعهد أوباما بالبدء في إعادة القوات الأميركية، التي يصل إجمالي عددها الآن إلى نحو 100.000 جندي، للوطن من أفغانستان في شهر يوليو (تموز)، على الرغم من أن الإدارة قالت إن حجم وسرعة الانسحاب سوف تحددها «الظروف السائدة على أرض الميدان».

وقال الكثير من مسؤولي التحالف إنهم قد أصبحوا معتادين على البيانات الاستفزازية لكرزاي، وإنهم يعتقدون أن هذه البيانات الاستفزازية مقصودة بشكل أساسي لأهداف دعائية. لكن مسؤولين آخرين يشعرون بالقلق من أن هذه التعليقات قد تحد من تصميم حلف الناتو، الذي يواجه تحديات فعلية بسبب تراجع القبول الشعبي للحرب في الدول الأعضاء بالحلف، على البقاء في أفغانستان.

وقال دبلوماسي أجنبي في كابل «بيانات كرزاي تقوض من دعم وثقة الدول الغربية. وهذا هو ما يجب أن تركز عليه قمة الناتو تماما. ويجب أن تطرح السؤال التالي «هل نحن نفكر بطريقة متشابهة، أم أننا نقف في عوالم مختلفة؟».