لوائح الاتهام الوشيكة في مقتل الحريري قد تهز أسس لبنان من جذورها

سياسيون ودبلوماسيون يعربون عن قلقهم

TT

يعلو هدير جلبة البناء على ضجيج المرور في بيروت مع اقتراب ناطحات السحاب من الإنجاز. تضرب شمس الخريف الدافئة المتسوقين الذين يجوبون سوق بيروت، ومحلات السلع المترفة القائمة على أرض شهدت على مدى 15 عاما حربا لبنانية أهلية. أما محتسو القهوة الإيطالية فقد ثبتوا سماعات الآذان في الحواسب المحمولة اللامعة في واجهة مقهى «ستاربكس»، غير آبهين بالتحذيرات بأن هذا المكان قد يكون على وشك الانفجار.

خلال الأيام الماضية عبر السياسيون وعدد كبير من الدبلوماسيين عن قلقهم من أن لوائح الاتهام التي ستصدرها خلال الأيام القليلة المقبلة المحكمة التابعة للأمم المتحدة التي تحقق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري عام 2005، تشير إلى حقبة جديدة من الاضطراب، وربما نزيف الدماء، إذا ما أشارت أصابع الاتهام إلى ميليشيات حزب الله اللبناني بالضلوع في عملية الاغتيال.

ويقول أحد المسؤولين الحكوميين البارزين الذي طلب عدم ذكر اسمه: «الناس قلقة هنا أكثر من ذي قبل. أنا أقول للموظفين، إنني لا أتوقع عنفا في الشارع، لكن لدي انطباع بأنهم لا يصدقونني».

وعلى الرغم من مواصلة اللبنانيين حياتهم اليومية بشكل طبيعي، فإن البعض يحاول الحصول على جوازات سفر ثانية أو تأشيرات في حال خرجت الأمور داخل الدولة - مرة أخرى - عن نطاق السيطرة.

وتقول ريتا مسعد، كاتبة العدل اللبنانية التي تسعى للحصول على جوازات سفر يونانية لأبنائها، وأملها الوحيد في ذلك هو أن خطيبها، محام لبناني، لديه جدة يونانية: «الإقامة في بيروت مثل الإقامة على فوهة بركان، لا تعرف متى ستنفجر. يمكنك أن تحيا فيها أجمل حياة على الإطلاق، ثم تفقد كل شيء في غضون 24 ساعة».

الرهانات كبيرة أيضا بالنسبة للولايات المتحدة التي تراقب حلفاءها الموالين للغرب، وهم الذين وصلوا إلى السلطة قبل خمس سنوات بعد اغتيال الحريري، تخفت أدوارهم، في الوقت الذي تتعاظم فيه قوة حزب الله المدعوم من سورية وإيران.

آخر ما ترغب فيه الولايات المتحدة الآن هو جبهة مواجهة سنية – شيعية، فهي تناضل لاحتواء توتر طائفي مشابه في العراق، حسب قول المراقبين هنا. وتراقب إسرائيل الأحداث، هي الأخرى، عن كثب وتخشى من أن انتقال العنف الداخلي اللبناني إلى الجنوب وتجدد المواجهات مع حزب الله، على غرار ما حدث عام 2006.

رد الفعل الأخير تجاه التقارير بأن أعضاء في حزب الله يمكن أن يكونوا بين قائمة الاتهام في مقتل الحريري، أظهر النفوذ الذي تملكه المنظمة على شؤون البلاد وبنيتها. ففي خطاب حماسي متلفز مساء الخميس الماضي، قال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله للحشود في ضواحي بيروت الجنوبية، معقل حزب الله، إنه لن يسمح باعتقال أي فرد من أعضاء حزبه «وأي يد ستلمس أيا منهم ستبتر».

ويقول المراقبون هنا إذا تمت تسمية أفراد من حزب الله ضمن لائحة الاتهام بقتل الزعيم السني، فسيغذي ذلك التوترات الشيعية السنية التاريخية التي تعود إلى 1400 سنة.

حزب الله عضو قوي في الائتلاف الحاكم غير المترابط الذي شاركت في جمعه قوى خارجية في محاولة للحفاظ على الاستقرار الداخلي. ويعتبر أيضا منظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل.

وقد حاول حزب الله الضغط على رئيس الوزراء سعد الحريري، 40 عاما، بسحب دعمه للمحكمة التي تقودها الأمم المتحدة، وقد حاول إثبات عدم شرعية المحكمة باستبعادها إسرائيل من إمكانية الوقوف وراء الاغتيال، وهو زعم تنفيه إسرائيل. وكان اثنان من محققي المحكمة، قد تعرضا للضرب أواخر الشهر الماضي، عندما وصلا للقيام بمقابلات في الضاحية الجنوبية من بيروت، وهو ما أحرج السلطات اللبنانية.

وقد حاول حزب الله الأربعاء الماضي، لكنه فشل في حمل مجلس الوزراء على التصويت للتحقيق مع أشخاص يزعم أنهم أدلوا بشهادات كاذبة لكي يحاكموا أمام المحكمة العليا في لبنان. ويأمل حزب الله في أن تؤدي هذه الخطوة إلى تأجيل نشر لوائح الاتهام. وقد عارض الحريري وحلفاؤه التصويت، تاركين مجلس الوزراء في مأزق سياسي.

بينما قال أنطوان أندراوس، نائب رئيس كتلة المستقبل التابعة للحريري: «مستقبل هذه البلاد يعتمد على المحكمة».

وأبدى وليد جنبلاط، أمير الحرب والشخصية السياسية اللبنانية البارزة، أسفه على تأييده السابق للمحكمة، وقال: «لقد صنعنا قنبلة موقوتة بأيدينا، قنبلة موقوتة مميتة».

على الجانب الآخر، لا تزال الولايات المتحدة ماضية في دعمها المالي والسياسي للمحكمة، وترى ضرورة المحاسبة كعنصر أساسي من أجل تحول لبنان إلى كيان ذي سيادة، خال من العنف السياسي، وهي الرسالة التي حملها جون إف كيري، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ إلى بيروت ودمشق الأسبوع الماضي.

وقال كيري في محادثة هاتفية من دمشق: «أكدت على أن هذا لا يتعلق بالولايات المتحدة ولا الحريري فقط، بل التزام دولي بإنهاء حقبة الاغتيالات في لبنان». وعلى الرغم من هذا الحديث عن الاغتيالات والعدالة فإن لبنان لا يزال يشهد حالة من الازدهار، فبالإضافة إلى جنون الإنشاءات ارتفعت معدلات السياحة وزادت الأصول المصرفية للمصارف في لبنان عشرة أضعاف في الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي أظهرت أن الأفراد ليسوا خائفين من الإبقاء على أموالهم حيث هي.

وقال محمد على بيهم، المدير العام التنفيذي لمصرف بنك «ميد» اللبناني: «نحن على يقين، وأعتقد أن الفرد في الشارع لديه ثقة في النظام المصرفي أيضا».

وأضاف: «لا يمكننا السماح لأنفسنا بالتلهي في التهديدات. يجب أن نواصل المضي فيما نحن فيه، بغض النظر عن هذه التهديدات».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»