بريطانيا تدفع مليون جنيه لمعتقلين سابقين في غوانتانامولوقف دعاوى قضائية

مستشار قانوني سابق في الداخلية لـ «الشرق الأوسط» : التسوية طبيعية وليست اعترافا بالذنب

وزير العدل البريطاني كينيث كلارك في مجلس اللوردات أمس (إ.ب.أ)
TT

أعلنت بريطانيا أمس أنها توصلت إلى تسوية «سرية» مع معتقلين بريطانيين سابقين في غوانتانامو، كانوا تقدموا بدعاوى ضد الاستخبارات البريطانية الذين اتهمتهم بالتواطؤ في تعذيبهم. وقدرت وسائل الإعلام البريطانية أن تكون الحكومة قد دفعت أكثر من مليون جنيه استرليني للمعتقلين السابقين، وهم من أصول مهاجرة، من بينهم بنيان محمد.

إلا أن وزير العدل كينيث كلارك قال في إعلانه أمس، إن الاتفاق سري، ولن يتم الإعلان عن تفاصيله ولا عن مبلغ التسوية. ولكنه أصر على أن التسوية وفرت أموالا على الحكومة البريطانية التي كانت ستتكفل بدفع رسوم أكثر بكثير لو أنها أخذت طريق الإجراءات القضائية. وكان يمكن أن تتكلف الحكومة بدفع عشرات ملايين الجنيهات الإسترلينية رسوم محاكمات في حال عدم التوصل لتسوية. وقال كلارك: «السرية أمر طبيعي في هذه الإجراءات والتسوية حظيت بدعم الحكومة والمخابرات».

وذكر وزير العدل أن هناك 12 دعوى مقدمة أمام المحاكم المدنية، و4 دعاوى لا تزال معلقة، مما يمكن أن يفهم على أن الحكومة ستدفع تسويات لـ16 معتقلا سابقا. وشدد كلارك في كلمة ألقاها أمام البرلمان بعد ظهر أمس، على أن التسوية «ليست اعترافا بالخطأ» من قبل الحكومة البريطانية، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن المعتقلين السابقين لم يتراجعوا بدورهم عن الاتهامات التي وجهوها لرجال الاستخبارات. وقال: «لم يتم الاعتراف بالذنب في هذه التسوية، ولم يسحب الأطراف اتهاماتهم». وبرر كلارك التسوية بأنها تمهد الطريق لعمل اللجنة المستقلة التي كلفها رئيس الحكومة دافيد كاميرون بالتحقيق في دور المخابرات البريطانية في تعذيب السجناء.

وكان كاميرون قد كلف في يوليو (تموز) الماضي، لجنة مستقلة برئاسة القاضي المتقاعد بيتر غيبسون، للتحقيق في مدى تورط عناصر من جهاز الاستخبارات البريطانية (إم آي 5) بتعذيب متهمين بريطانيين بالإرهاب، في معتقلات خارج البلاد. وقال وزير العدل أمس إن لجنة غيبسون لا يمكن أن تباشر عملها ما دامت هناك دعاوى مدنية في القضية نفسها. وقال: «هدفنا أن يتمكن رجال المخابرات البريطانية من التركيز على مهمتهم الأساسية، وهي حماية أمن بريطانيا». وأضاف: «رئيس الوزراء قال إن لجنة غيبسون لا يمكن أن تبدأ عملها، بينما لا تزال هناك دعاوى سائرة ضد الحكومة، ولكي نتأكد من أن تبدأ لجنة غيبسون أعمالها، وافقت الحكومة على اتفاق تسوية بناء على السرية».

واتخذت الحكومة البريطانية قرارها بناء على نصائح مستشاريها القانونيين في وزارة الداخلية.

ودخلت في مفاوضات مع محامي المعتقلين السابقين بعد أن أمرت محكمة بالكشف عن نحو نصف مليون وثيقة سرية، وبعد أن خسرت حكومة حزب العمال السابقة دعوى الاستئناف الذي تقدمت بها لوقف القرار. وقال دافيد بنتلي، وهو مستشار قانوني سابق في وزارتي الداخلية والخارجية وخبير في القانون الدولي، لـ«الشرق الأوسط»، إن النصيحة القانونية التي قدمت لهم، «متعلقة بالكم الهائل من المعلومات التي سيتم الكشف عنها في الإجراءات المدنية للمحاكمة، والوثائق نفسها يمكن أن تكون حساسة جدا». وتقول الحكومة إن الكشف عن الوثائق سيفضح الكثير من طرق عمل المخابرات، وأنها ستعرض الأمن القومي للخطر.

وشرح بنتلي أنه في محاكمة مدنية «قد يكون من الأفضل التوصل إلى اتفاق على أسس نأمل أن تبقى سرية... وليس هناك أي شيء غير اعتيادي في هذه القضية باستثناء الأشخاص والظروف المحيطة بهم». وأضاف: «الخبراء القانونيون عرفوا ما هي الأمور التي على المحك، وقدموا نصيحتهم على أساسها». وشدد بنتلي أيضا على أن هذه التسوية ليست اعترافا بالخطأ من جانب الحكومة، مشيرا إلى أن إجراءات شبيهة تحدث كل يوم في الكثير من القضايا المختلفة. وأضاف: «المهم الآن ما سينتج عن لجنة غيبسون، ويجب أن ننتظر لنرى ما إذا كانت ستجد أدلة كافية وتوصي بإجراء محاكمات».

وستبقى تحقيقات لجنة غيبسون أيضا سرية، خصوصا عندما تأخذ شهادات من رجال استخبارات، ومن المتوقع أن تعلن عن نتائجها بعد عام من بدء عملها. ولكنها لن تصدر قرارا، بل توصية للحكومة، ويعود إلى رئيس الوزراء أن يقبل التوصية أو يرفضها. وفي حال أوصت اللجنة بإجراء محاكمات لبعض المتورطين بالتعذيب، وما إذا كانت جهود التسوية قد ضاعت سدى، قال بنتلي: «المهم اليوم هو السماح بأن تسير هاتان السكتان معا من دون التلهي بالإجراءات المدنية والضغط على وكالات المخابرات. في النهاية الإجراءات المدنية هدفها الحصول على تعويضات، وربما من الأفضل والأكثر أمانا الدفع من دون أن نعلن عن شيء».

وتضم قائمة المعتقلين السابقين بنيان محمد وبيشار الراوي وجميل البنا وريتشارد بيلمار وعمر دغايس ومعظم بيغ ومارتن موبانغا. وقد تسببت قصة هؤلاء المعتقلين السابقين بضجة كبيرة في بريطانيا حول الحقوق المدنية، بعد أن اتهموا الحكومة بأنها نقلتهم إلى غوانتانامو بصورة غير شرعية وأن رجال المخابرات علموا بالتعذيب ولم يبذلوا أي جهد لمنعه. وحاولت حكومة حزب العمال السابقة أن تحافظ على سرية المعلومات التي تلقتها بريطانيا من وكالة المخابرات المركزية الأميركية حول المعاملة التي تعرض لها بنيان محمد، وفشلت. وقد اضطرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إلى تحذير بريطانيا من أن التعاون الأمني بين البلدين سوف يتضرر إذا كشفت المحكمة المعلومات السرية التي قدمتها الولايات المتحدة إلى بريطانيا.