خادم الحرمين لرؤساء بعثات الحج: الأمة تمر بأحلك الظروف وتستحق واقعا غير الذي تعيشه

في حفل رعاه نيابة عنه الأمير نايف بن عبد العزيز

الأمير نايف بن عبد العزيز لدى استقباله قادة ورؤساء بعثات الحج في منى أمس (واس)
TT

أكد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، أن الأمة الإسلامية تستحق واقعا غير الواقع الذي تعيشه حاليا، مشددا على أن الأمة تمر في هذا العصر بأحلك الظروف التي تحيط بها، وقال «أخشى ما أخشاه أن تمر مرور الكرام عاجزة أمام تلك الظروف ومتغيرات العصر التي أرجو ألا تكون قد تجاوزتها كثير».

جاء ذلك في كلمة خادم الحرمين الشريفين التي ألقاها الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية السعودي رئيس لجنة الحج العليا الذي رعى نيابة عنه أمس حفل الاستقبال السنوي لزعماء الدول ورؤساء بعثات الحج الذين يؤدون فريضة الحج هذا العام، والذي أقيم في الديوان الملكي بالقصر الملكي بمنى. وفيما يلي نص كلمة الملك عبد الله:

«بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أيها الإخوة الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يسرني أن أرحب بكم أكرم التحية، تحية الإسلام الذي جمعنا قادة وشعوباً سعت إلى هذا المكان الطاهر تلبية لنداء الرحمن فجاءوا من كل فج عميق.

إن امتنا في عصرنا هذا تمر بأحلك الظروف التي تحيط بها وأخشى ما أخشاه أن تمر مرور الكرام عاجزة أمام تلك الظروف ومتغيرات العصر التي أرجو ألا تكون قد تجاوزتها كثيراً.

إن وقفة إسلامية شجاعة لهذه الأمة إنما تستحق ما تستحقه تاريخا وحاضرا ومستقبلا، ولئن غفت طويلا فإنها لا بد في يوم من الأيام وبرحمة الله جل جلاله ثم بالعمل الخلاق قادرة على صحوة لا تشاؤم بعدها.

أيها الإخوة الكرام: لعلي لا أتجاوز الحاضر إلى الغائب حين أقول إن أمة أكرمها الله وجعلها خير أمة أخرجت للناس ليس هذا واقعها الذي تستحقه سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا، فدروس الماضي علّمت الأمم كيف يكون المستقبل زاهراً حين يتسابق كل فكر خلاق مع أكرم الرؤى الحضارية والإنسانية وفق إرادة صلبة عمادها التوكل على الحق جل جلاله. أحييكم مرة أخرى وأقدر تواجدكم مرحباً بهذا اللقاء الكريم ومتمنياًً أن نلتقي دائماً وحال أمتنا قد تجاوزت واقعنا الآن، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».

ومن أبرز الشخصيات التي حضرت الحفل، الرئيس السوداني عمر حسن أحمد البشير، والرئيس الصومالي شيخ شريف شيخ أحمد، والرئيس الغامبي يحيى جامبي رئيس، والرئيس الغابوني علي بونجو، والرئيس محمد سلام محميدوف رئيس جمهورية داغستان، ورئيس الوزراء السنغالي سليمان أنديني، ونائب رئيس الوزراء اليمني عبد الكريم الأرحبي، والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد الرحمن العطية، ووزير الداخلية العراقي جواد البولاني، ووزير خارجية ماليزيا داتو سري انيفة، ورئيس الوزراء لبنان السابق نجيب ميقاتي، ورئيس الوزراء المصري الأسبق الدكتور عبد العزيز حجازي، والسلطان إسماعيل بيترا سلطان ولاية كلنتان.

وكان الأمير نايف الذي صافح القادة ورؤساء البعثات وكبار الشخصيات ألقى كلمة في بداية الحفل فيما يلي نصها: «بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين: أصحاب الفخامة، أصحاب السمو، أصحاب المعالي، أيها السادة الكرام: يشرفني نيابة عن سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أن أقدم لكم التهنئة بعيد الأضحى المبارك وبما فضلّه الله عليكم به من حج بيت الله وإكمال حجكم، راجيا من الله لكم القبول إن شاء الله، كما انقل لكم تمنيات سيدي ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز لفخامتكم ولكم جميعاً تهنئته بعيد الأضحى المبارك وتهنئته لكم بهذه الفريضة، الفريضة الخامسة المفروضة على كل مسلم.

إن حكومة سيدي خادم الحرمين الشريفين وبتوجيهاته الكريمة تسخر كل الإمكانيات من أجل خدمة حجاج بيت الله، ونريد استقرارهم وسلامتهم وأمنهم لينصرفوا إلى هذه العبادة والى هذه الفريضة بكل هدوء واستقرار وراحة وهذا ما تحقق ولله الحمد ونرجو من الله ان يكمل للجميع حجهم ويعودوا غانمين سالمين إلى أوطانهم بكل يسر وسهولة ونحمد الله على ذلك».

من جانبه أكد الدكتور فؤاد بن عبد السلام الفارسي وزير الحج السعودي، أن الاحتفالية تأتي عقب وقوف الحجيج على صعيد عرفات حيث انتظمت جموعهم في أطهر بقاع الأرض وأقدسها وقد غمرهم الفرح والسرور لشرف الزمان والمكان الذي تهوي إليه كل الأفئدة المؤمنة بعقيدة الإسلام، مشيرا إلى أنه ما كان لذلك الانتظام البديع أن يتحقق «لولا أولا توفيق من الباري تبارك وتعالى ثم بفضل ما قامت وتقوم به حكومة المملكة العربية السعودية من استعدادات على مدار العام لتمكين الحجاج والمعتمرين والزائرين من أداء النسك وفق مراد الله عز وجل ليطوفوا بالبيت العتيق الكعبة المشرفة وللسعي على هذه الأرض الطيبة التي مشت على أديمها قوافل الحجيج منذ عهد أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام».

ووصف الدكتور الفارسي في كلمته خادم الحرمين الشريفين بأنه من «الرجال العظام المرموقين» الذي «يفضل العمل بجدية وصمت، ورغبته دائما تحقيق الأهداف من أجل احتساب الثواب»، مشيرا إلى دعم الملك عبد الله لجهود الحوار بين أتباع الأديان وتشجيعها والمساهمة في توجهاتها الإنسانية، وتشجيع الترجمة من اللغة العربية وإليها لأغراض التعريف بالإسلام وللتمكين للحوار بين الحضارات بحكم أن الترجمة على مر العصور أثبتت نجاحاتها لعبور المعرفة بين الحضارات وتلاقحها لمستقبل مزدهر لمصلحة الإنسانية بدون استثناء، وإنشاء مؤسسة الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمية للأعمال الخيرية والإنسانية المعنية بتحقيق ثلاثة عشر هدفا معلنة كلها تصب في مصلحة الإنسان.

وفي الشأن الداخلي أوضح وزير الحج السعودي بأن عمليات البناء والتطوير التي تعم الوطن من أقصاه إلى أقصاه وبخاصة في المشاعر المقدسة، «حيث يتم تباعا رصف المزيد من الطرق السريعة المزدوجة المسارات والجسور والأنفاق ودرء مخاطر الأمطار والسيول واستكمال جسر الجمرات وتوسعة الصفا والمروة ضعف ما كان عليه، إضافة إلى المشروع العملاق لتوسعة المسجد الحرام من الناحية الشمالية، الذي حشد له عشرة آلاف إنسان لإنجاز أكبر توسعة في تاريخه، وكذلك المسجد النبوي الشريف، ومشروع قطار المشاعر المقدسة الذي أسهم بثلث طاقته هذا العام على أن يستكمل خلال العامين المقبلين بمعدل مائة ألف حاج في الساعة، إضافة إلى التوسع في إنشاء الجامعات والمدن الصناعية والمالية والاقتصادية والمعرفية وتقنية المعلومات».

كما ألقى الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي كلمة هنأ فيها القيادة السعودية بمناسبة حج الناس لبيت الله الحرام، شاكرا لخادم الحرمين الشريفين والنائب الثاني الجهود الكبيرة المبذولة في الإعداد للحج والتطوير المستمر للخدمات وخطط الأمن والمشاريع العمرانية في توسعة الحرمين الشريفين وفي المشاعر تيسيرا على الحجاج وحرصا على توفير الاجواء الملائمة لأداء المناسك سائلا الله تعالى أن يجزل المثوبة ويهيئ من الامر ما يعين على خدمة الإسلام والمسلمين.

وأشار إلى أن الرابطة وبعد مضي نصف قرن على نشأتها، عقدت مؤتمرا حافلا، برعاية خادم الحرمين الشريفين، واستمع المشاركون فيه والمتابعون له إلى الكلمة القيمة التي ألقاها الأمير نايف نيابة عنه، مشددا على أن رابطة العالم الإسلامي ماضية - في المهمة التي نشأت لخدمتها، وتعمل على التواصل والعمل المشترك بين الغيورين والمخلصين من أبناء هذه الامة وعلى دعم الجهود الرسمية والشعبية، من أجل تعزيز الجهود الإسلامية.

وبدوره ألقى وزير الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية رئيس بعثة الحج الفلسطينية الشيخ محمود صدقي الهباش كلمة رؤساء بعثات الحج، أكد خلالها بالقول «لقد قدمنا إليكم من كل فج عميق نحمل فى أعناقنا أعمالنا وفى قلوبنا شوقا لمغفرة العزيز الحكيم.. جئناكم وقد تركنا أموالنا وأهلينا بغية التماس الرحمات المنزلة على هذا البيت الطاهر والمكان الطاهر فى هذا الأوان المبارك هذا البيت العتيق الذي بارك الله فيه بما أودعه من شعائر مقدسة ملهمة لهداية الإنسان وباركه بما استودع من الأمانة فى ايدي رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمن أعماق قلوب الحجيج فى كل موطن مقدس نقول بارك الله في خادم الحرمين الشريفين وأعلى مقامه بما أولاه من الرعاية والحماية لهذا البيت».

وقال «إن من لا يشكر الناس لا يشكر الله، فإن أحدا لا يمكن ان ينسى فضائل خادم الحرمين الشريفين على كل بلاد وشعوب الأمة فأياديه البيضاء لا تخفي فى كل البلاد تعطي وتمنح الفقير والمعدم والمحروم، ونحن الشعب الفلسطينى فى بيت المقدس وأكناف بيت المقدس لا يمكن ان ننسى ما أفاضته علينا أياديه من مكارم فى كل المجالات والأصعدة ولعل اقربها في هذا الموسم الإيماني المبارك مكرمته بمنح ألفي حاج وحاجة من عوائل الشهداء والأسرى والأسرى المحررين من سجون الاحتلال شرف الحج لهذا العام»، مؤكدا أن هذه المكرمة جاءت لتساهم فى اعتدال ميزان العدل والتقوى وإنصافا لمن قدموا التضحيات الجسام من أجل المقدسات وفلسطين الغالية». وأضاف «من هنا ومن هذا المقام الطاهر لا يسعنا ومن ورائنا قلوب ومهج شعب فلسطين لا يسعنا إلا ان نقدم واجب الشكر والاعتزاز والتقدير لكم وما لنا ألا نقدم واجب الشكر لملك حفظ أمانة الدين ورعى مصالح المسلمين بما أعطاه الله وأاستحفظه من أمانة العقل والدين».

وأبرز وزير الأوقاف الفلسطيني الأيادي البيضاء لخادم الحرمين الشريفين، مؤكدا إن الأمة الإسلامية بكل حكوماتها وشعوبها بل جميع حكومات وشعوب العالم لتشهد بأياديه البيضاء ومواقفه الجليلة، فهو الذي يبادر بلم الشمل وجمع الفرقاء ونفي الاختلاف لتنطفئ نيران الصراع». واضاف الوزير الفلسطيني «إذا كان الناس في أقطار هذه الأمة وشعوبها قد نالوا قسطا وافرا من رعاية خادم الحرمين الشريفين فقد نلنا نحن في فلسطين أقساطا، فلم تترك المملكة طريقا لدعم الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة إلا سلكته حتى أن مبادرة السلام العربية التي تحولت الى موقف دولي جامع هي في أصلها مبادرة شخصية من خادم الحرمين الشريفين لم يجد العالم بأسره بدا من ان يتبناها لما فيها من العدل والمنطق والواقعية السياسية الملتزمة بضوابط الشرعية الدولية، كما لا يخفى على أحد ما بذلته وتبذله المملكة العربية السعودية وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين لتحقيق المصالحة الداخلية فى فلسطين من أجل تقوية الموقف الفلسطيني في مواجهة الاحتلال وتوفير أقصى عوامل القوة الداخلية للشعب الفلسطينى».

واختتم كلمة الضيوف بقوله «لا تتوقف مكرمات هذه البلاد عند البلاد العربية والإسلامية بل لقد تجاوزتها الى كل بلاد وشعوب الدنيا حتى أصبح موقع خادم الحرمين الشريفين موقعا مميزا، فتم اختياره أهم شخصية فى العالم الإسلامي وأحد أهم ثلاث شخصيات على مستوى العالم، مما يعني ان أمة الإسلام فى تقدم مستمر بإذن الله وقد عادت لتدخل التاريخ من باب يليق بها وعلى يد خادم الحرمين الشريفين الذي يرعى العلم والعلماء وينشر السلام ويبني الثقة ويعلي بناء المبادئ والقيم».

حضر الاستقبال الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة رئيس لجنة الحج المركزية، والأمير سلطان بن محمد بن سعود الكبير، والأمير الدكتور منصور بن متعب بن عبد العزيز وزير الشؤون البلدية والقروية، والأمير الدكتور خالد بن فيصل بن تركي آل سعود وكيل الحرس الوطني للقطاع الغربي، والأمير مشعل بن ماجد بن عبد العزيز محافظ جدة، والأمير تركي بن سلطان بن عبد العزيز مساعد وزير الثقافة والإعلام، والأمير فيصل بن عبد الله بن عبد العزيز رئيس هيئة الهلال الأحمر السعودي، والأمراء والعلماء والوزراء وكبار المسؤولين وسفراء الدول العربية والإسلامية، وقد تناول الجميع طعام الغداء على مائدة الأمير نايف بن عبد العزيز.