فقراء غزة ينعمون بلحوم الأضاحي

في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية

TT

اختار صلاح (45 عاما) بعد عصر أول أيام عيد الأضحى المبارك أن يوقف سيارته عند مدخل الوادي الذي يمثل المسلك الوحيد والذي يفضي إلى منطقة أم الجمال، التي تقع مباشرة على الخط الفاصل بين إسرائيل وقطاع غزة، ويقطع المسافة مشيا على الأقدام وهو يحمل كيسا به فخذ خروف ليعود عمته صبحة في عيد الأضحى.

منذ أن توفى والده قبل عشرين عاما، حرص صلاح في عيد الأضحى، على التوجه من مدينة دير البلح وسط القطاع التي يقطنها، لمعايدة عمته وتقديم لحم الخروف لها. لكن بخلاف الأعوام الماضية، اختار صلاح هذه المرة، ألا يصل منزل عمته بالسيارة خشية أن يتعرض للمتاعب من قبل الجنود الإسرائيليين الذين يتحركون في دوريات منتظمة على الحدود التي تبعد مائة متر عن منزل عمته من تجول في شوارع القطاع وأزقة مدنه ومخيماته في أول وثاني أيام عيد الأضحى، كان لا بد أن يلفت نظره، مشهد الشباب الذين يحملون الأكياس المليئة باللحم في طريقهم لزيارة أقاربهم، وجيرانهم بمناسبة العيد.

ففي ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والارتفاع الجنوني لأسعار الأغنام (500 دولار للخروف الواحد) لم تعد أعداد كبيرة من العائلات الفلسطينية في غزة، قادرة على نحر الأضاحي. وزادت هذه الأوضاع من رقعة التكافل الاجتماعي بين الأقارب والجيران بشكل لافت. فقد حرص الكثير من العائلات التي تمكنت من ذبح الأضاحي، على تطبيق الهدي النبوي الشريف بتقسيم الأضحية إلى ثلاثة أقسام متساوية، قسم منها يوزع على الأقارب وقسم على الفقراء وما تبقى يظل للعائلة. ويقوم بعض ميسوري الحال بذبح أكثر من أضحية لتوزيع لحومها على أكبر عدد من الناس. ومن الميسورين من يوزع اللحوم بشكل شخصي مباشرة للعائلات الفقيرة. ومنهم من يوزع اللحوم على العائلات الفقيرة عبر الجمعيات الخيرية.

لكن مما لا شك فيه، أن العبء الأكبر في إغاثة الفقراء أيام عيد الأضحى، يقع على عاتق الجمعيات الخيرية، التي تشغل المئات من الشبان بشكل غير مؤقت من أجل القيام بهذا الجهد الكبير على الوجه الأكمل.

فما أن أدى محمد صلاة فجر أمس في مسجد الحي الذي يقطن فيه في مخيم المغازي للاجئين وسط غزة، حتى انطلق مسرعا إلى أحد المسالخ التي تقع في تخوم المخيم، حيث يعمل بشكل مؤقت في مجال ذبح وسلخ البقر والماشية لصالح إحدى الجمعيات الخيرية التي تقوم بتوزيع اللحوم على الأسر الفقيرة والعوائل المعوزة في المخيم التي لم تتمكن من ذبح الأضاحي بسبب أوضاعها الاقتصادية الصعبة.

وتحول المسلخ الذي يعمل منذ ساعات الفجر الأولى وحتى منتصف الليل، إلى خلية عمل كبيرة.. قصابون محترفون يقومون بذبح البقر والخراف، في حين يتولى آخرون عمليتي السلخ والتقطيع، وبعد ذلك يتم فرز اللحم حسب نوعيته. ويتولى أشخاص آخرون بعد ذلك وضع اللحوم بعد وزنها في طرود بلاستيكية، بحيث يتفاوت الوزن حسب عدد أفراد العوائل التي ستستفيد من هذا التوزيع. بعد ذلك تنقل الطرود في شاحنة كبيرة إلى مقر الجمعية، حيث يتولى عدد كبير من العاملين فرزها حسب المناطق التي ستوزع فيها، ويتم كتابة اسم رب العائلة على كل كيس، وتبدأ بعد ذلك عملية التوزيع.

ويتابع عامر، مسؤول حملة التوزيع في الجمعية من مكتبه عملية التوزيع، ويكتشف من شكاوى بعض العائلات أن الباحثين لم يقوموا في بعض المناطق بإحصاء العائلات المعوزة بشكل دقيق مما يؤدي إلى تجاوز بعضها، وهو ما يستدعي عامر أن يصدر تعليماته لفرق التوزيع بمنح العائلات التي تم تجاوزها طرودا بما يتناسب مع عدد أفرادها، وفي الوقت نفسه يطلب من طاقم الباحثين مواصلة العمل في مكاتب الجمعية لضم أسماء العائلات التي تم تجاوزها في قوائم العائلات الفقيرة.