مجلس الأمن يرفض إيفاد بعثة دولية لتقصي الحقائق في الصحراء.. ويأسف للعنف الذي حصل

وزير الداخلية المغربي زار مدريد لتطويق أزمة عابرة بسبب أحداث العيون

TT

أعرب مجلس الأمن عن «الأسف إزاء العنف» الذي حصل خلال قيام قوات الأمن المغربية في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي بتفكيك مخيم احتجاجي في مدينة العيون، كبرى مدن الصحراء، في الثامن من الشهر الحالي، بيد أنه لم يقر بإرسال لجنة لتقصي الحقائق بشأن تلك الأحداث.

ودعا بيان صدر عن المجلس أول من أمس، المغرب وجبهة البوليساريو، إلى «التحلي بمزيد من الإرادة السياسية، من أجل إيجاد حل لقضية الصحراء»، وأعرب عن دعمه مهمة بعثة الأمم المتحدة في الصحراء (مينورسو)، وكريستوفر روس، الموفد الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء.

وأشاد المغرب بـ«روح المسؤولية العالية» التي أبان عنها المجلس، في ختام لقاء إخباري لإدارة عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والموفد الشخصي.

وقال الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، السفير محمد لوليشكي، في تصريح للصحافة: «إننا نشيد، قبل كل شيء، بروح المسؤولية العالية التي أبان عنها مجلس الأمن، ولسنا متأثرين بمناورات الأطراف الأخرى، وخاصة الحملة الإعلامية الهوجاء التي تشنها وسائل الإعلام الإسبانية».

وأضاف السفير لوليشكي أن المغرب «يقدر أيما تقدير أهمية ودلالة» المعطيات الإخبارية التي قدمها رئيس مجلس الأمن، سفير بريطانيا مارك لايل غرانت، وذلك عقب مشاورات مجلس الأمن حول قضية الصحراء.

وأشار السفير المغربي إلى أن «مجلس الأمن، من خلال إدانته لأعمال العنف بالعيون، يقصد بالخصوص الأعمال الهمجية التي تم اقترافها في حق قوات الأمن المغربية التي لم تكن تحمل أي أسلحة، والتي تدخلت بالمخيم من أجل تحرير نساء وأطفال من قبضة مجرمين ذوي سوابق قضائية، وعناصر انفصالية تأتمر بأوامر الجزائر وجبهة البوليساريو».

وشدد لوليشكي على أن «عائلات الضحايا في صفوف قوات الأمن، ومعها مجموع الشعب المغربي، يقدرون بالخصوص التعازي التي عبر عنها، بالإجماع، بهذه المناسبة، أعضاء مجلس الأمن».

وذكر لوليشكي، أمام وسائل الإعلام الدولية، بأن مجلس الأمن دعا الأطراف إلى «التحلي بمزيد من الإرادة السياسية، من أجل التوصل إلى حل سياسي»، وهو الأمر الذي ما فتئ المغرب يبرهن عليه دائما منذ أن خلص المجلس إلى عدم إمكانية تطبيق مخطط التسوية المتجاوز.

وأضاف السفير أن «هذه الدعوة الجديدة موجهة، في الواقع، إلى الأطراف الأخرى (في إشارة إلى الجزائر وجبهة البوليساريو)، بالنظر إلى كون المغرب بذل منذ سنة 2006 جهودا اعترف بها المجلس، وتوجت سنة 2007 بتقديم مبادرة الحكم الذاتي كإطار لمفاوضات من شأنها أن تؤدي إلى التوصل لحل سياسي واقعي ونهائي لهذا النزاع».

وأضاف لوليشكي أنه «بناء على ذلك، فإن مثل هذا الحل يمر بالضرورة عبر التزام أكثر من لدن الأطراف الأخرى في المفاوضات الجارية، وكذا عبر تحليها بروح التوافق والواقعية التي تنص عليها قرارات مجلس الأمن، والتي من دونها لا يمكن لأي مسلسل للمفاوضات أن يبلغ منتهاه».

إلى ذلك، عبرت جبهة البوليساريو عن أسفها للمعارضة «الشرسة» من طرف المغرب وفرنسا ضد إيفاد بعثة دولية لتقصي الحقيقة حول أحداث العيون.

وعبر محمد سالم ولد السالك، وزير خارجية البوليساريو، عن عميق الأسف «لأن فرنسا العضو الدائم بمجلس الأمن تعترض وبقوة الإرادة المعبر عنها من طرف بقية أعضاء المجلس بغية إيفاد لجنة دولية للتحقيق والتحري».

وفي الجزائر، أعرب الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة أمس الأربعاء عن رغبته في تعزيز علاقات بلاده مع المغرب، وذلك في رسالة وجهها إلى العاهل المغربي محمد السادس بمناسبة الذكرى 55 لاستقلال المملكة المغربية المصادفة 18 نوفمبر (تشرين الثاني)، حسب ما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.

وتطرق الرئيس الجزائري إلى «الأحداث التي طبعت تاريخ الشعبين الشقيقين والتضحيات التي قدماها في نضالهما المشترك من أجل الحرية والاستقلال»، مؤكدا من منطلق «الإخلاص لهذا التاريخ المشترك» حرصه «على توثيق العلاقات والتضامن بين الشعبين الجزائري والمغربي».

وتعرف العلاقات المغربية – الجزائرية تدهورا متواصلا جراء اتهام الرباط للجزائر بمناوأتها لوحدة تراب المغرب ودعم جبهة البوليساريو التي تطالب بانفصال الصحراء عن المغرب.

وفي مدريد، سعى الطيب الشرقاوي، وزير الداخلية المغربي، خلال زيارة خاطفة قام بها أول من أمس إلى العاصمة الإسبانية، وأجرى خلالها محادثات مع نظيره الإسباني ألفريدو بيريس روبالكابا، إلى تطويق «توتر عابر» تسببت فيه دعوة ترينيداد خيمينث، وزيرة الخارجية الإسبانية المغرب إلى تقديم توضيحات حول ظروف تفكيك مخيم «كديم إيزيك» في العيون، مما أدى إلى اندلاع أحداث عنف في المدينة، ترافقت مع حملة إعلامية في الصحافة الإسبانية ضد السلطات المغربية، ادعت فيها أنها استعملت عنفا مفرطا ضد المدنيين.

وقدم الشرقاوي خلال مؤتمر صحافي في مدريد عقده الليلة قبل الماضية، توضيحات جديدة إلى الصحافة الإسبانية بشأن أحداث العيون، وسرد الوقائع كما جرت، مشددا على أن قوات الأمن لم تطلق رصاصة واحدة خلال الأحداث، تفاديا لمنع سقوط قتلى وجرحى في صفوف المدنيين.

وتزامنت توضيحات الشرقاوي مع إعلان منظمة «هيومان رايتس ووتش» أن الرواية التي قدمتها السلطات المغربية للأحداث مطابقة للحقيقة، خاصة في ما يتعلق بعدد الضحايا. وكانت الرباط قد أعلنت في وقت سابق أن عدد القتلى بلغ عشرة من أفراد قوات الأمن ومدنيين، أحدهما دهسته سيارة، والآخر توفي في المستشفى.

وانتقد الشرقاوي الصحافة الإسبانية، التي قال إنها شنت حملة شعواء على المغرب. وزاد قائلا: «شنت هذه الصحافة حملة إعلامية شرسة ضد المغرب لقلب الحقائق وتشويه صورته وتغليط الرأي العام الإسباني». وقال إن بعضها استعمل صورا على أساس أنها لأحداث العيون، اتضح أنها صور لحادث مروري في الدار البيضاء، وأخرى لأطفال فلسطينيين في غزة يعالجون في أحد المستشفيات.

ووزع وزير الداخلية المغربي على المراسلين في مدريد شريطا مصورا يشتمل على لقطات مروعة ومناظر مرعبة وباعثة على القشعريرة، تسببت فيها مجموعات كانت مسلحة بأسلحة بيضاء وقنابل يدوية الصنع وأنابيب غاز. وقال الشرقاوي: «تبين أن هذه المجموعات كانت مدربة تدريبا خاصا، وقادرة على التحرك بطريقة الميليشيات المسلحة». وأضاف قائلا: «الميليشيات المسلحة التي أثارت أعمال العنف والتخريب في المخيم وفي العيون، كانت تخدم أجندة سياسية لجهات أجنبية».

وأوضح وزير الداخلية المغربي: «هناك تشابه بين طريقة تحرك هذه الميليشيات والعصابات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء ودول أخرى». وسعى الشرقاوي إلى تهدئة الإسبان بالإقرار أن مغربيا يحمل الجنسية الإسبانية لقي مصرعه في الأحداث عندما دهسته سيارة خلال محاولة مكافحة أعمال الشغب. وكانت وزارة الخارجية الإسبانية قد طلبت توضيحات حول ظروف مصرعه خلال الأحداث. وحذر الشرقاوي من تأثير هذه الحملة الإعلامية سلبا على الرأي العام الإسباني، وإثارة ردود فعل سلبية ومشاعر الحقد والكراهية لدى الإسبان تجاه المهاجرين المغاربة، «مما لا يخدم مصالح البلدين والشعبين المغربي والإسباني»، على حد تعبيره. وأقر المسؤول المغربي بأنه تم منع مراسلين إسبان من دخول الصحراء، وقال إن هؤلاء لديهم آراء مسبقة معادية للمغرب. وطغت أحداث العيون على المحادثات التي جرت بين الشرقاوي وروبالكبا، حيث أكد وزير الداخلية الإسباني أن نظيره المغربي قدم له «معلومات دقيقة ومفصلة تفند أطروحة النشطاء الإسبان الذين يتهمون المغرب بالقيام بمجزرة في العيون»، كما أعطاه ضمانات بتقديم أي توضيحات أو معلومات إضافية.

وفي موضوع منفصل، أعلن الوزيران المغربي والإسباني أنهما اتفقا على إنشاء مفوضيتين للشرطة مشتركة في كل من ميناء الجزيرة الخضراء الإسباني، وميناء طنجة المتوسط (شمال المغرب)، لمحاربة الهجرة غير الشرعية والمخدرات، والجريمة المنظمة. واتفق الجانبان على مكافحة تهريب المخدرات الذي يتم عبر طائرات صغيرة تطير من جنوب إسبانيا إلى شمال المغرب، خشية أن تستعمل هذه الرحلات في عمليات إرهابية.

وقال وزير الداخلية الإسباني، إن المفوضيتين ستعملان بالطريقة نفسها التي تتبعها لجنة الشرطة بين فرنسا وإسبانيا.