محاولة انقلاب تهدد بنسف الاستفتاء الدستوري في مدغشقر

مساعي الخروج بالبلاد من أزمتها السياسية تصطدم بتمرد 20 ضابطا

ملغاشيون ينتظرون دورهم للتصويت في استفتاء دستوري في العاصمة أنتاناناريفو أمس (أ.ب)
TT

شهدت مدغشقر محاولة انقلابية نظمها نحو 20 ضابطا عسكريا، أمس، في اليوم نفسه الذي نظمت فيه السلطة الحاكمة استفتاء دستوريا يهدف لإخراج البلاد من أزمتها السياسية الطويلة. وفيما قال مدبرو الانقلاب إنهم علقوا عمل المؤسسات الحكومية ويعتزمون الاستيلاء على قصر الرئاسة وإغلاق المطار الدولي بحلول اليوم الخميس، سارع كبار القادة العسكريين لعقد اجتماع طارئ في مكتب رئيس الوزراء وبحث التطورات.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن الجنرال نويل راكوتوناندراسانا، وهو أحد الضباط الانقلابيين قوله: «اعتبارا من الآن تعلق كل المؤسسات وتتكفل لجنة عسكرية بإدارة شؤون البلاد». وأعلن الضابط ذلك وإلى جانبه نحو 20 عسكريا حضروا المؤتمر الصحافي الذي عقده في ثكنة عسكرية قريبة من مطار أنتاناناريفو بضواحي العاصمة. ولاحقا، صرح ضابط آخر من الانقلابيين هو الكولونيل تشارلز أندرياناسوفينا لمحطة «فرانس 24» التلفزيونية الفرنسية قائلا: «نعتزم السيطرة على قصر الرئاسة. نحن قريبون من المطار الدولي. ووفقا للموقف غدا (اليوم) سيغلق المجال الجوي. نعتزم السيطرة على المطار ومنع أي شخص من مغادرة مدغشقر».

في غضون ذلك، قال رئيس الوزراء كاميه فيتال في تصريحات له أثناء عقد اجتماع حكومي حضره كبار القادة العسكريين: «إننا نحاول إيجاد حل لتهدئة الوضع لأننا لا نريد تعطيل الاستفتاء». وأضاف: «إنهم في معسكر، وعددهم 18. ولا يجب التقليل من شأن أي شيء كان، لكن همنا هو أن يتم الاستفتاء بشكل جيد». كذلك، نقلت وكالة «رويترز» عن الجنرال أندريانازاري قائد الشرطة العسكرية قوله: «إذا كان هناك عصيان، فيجب أن نتدخل. لا يمكننا التفاوض مع جهة أعلنت العصيان».

وتزامنت هذه التطورات مع استفتاء دستوري نظمه الرجل القوي في البلاد أندري راجولينا ويعد أول اختبار انتخابي له منذ توليه الحكم سنة 2009. وبدأت عمليات التصويت في هدوء في الساعة السادسة صباحا في العاصمة أنتاناناريفو حيث حضر الناخبون بكثافة إلى مراكز الاقتراع التي أقيمت في المدارس وغيرها من المباني العامة.

وتوجه راجولينا إلى مكتب قريب من منزله بحي أمباتوب بعد الساعة الثامنة للإدلاء بصوته معربا عن ارتياحه لحسن سير الاقتراع. ودعي نحو 8 ملايين ناخب للتصويت في أكثر من 18 ألف مكتب اقتراع كان مقررا أن تغلق أبوابها في الساعة الرابعة مساء. وكانت الأجواء عادية في العاصمة التي لم يشاهد فيها انتشار كبير لقوات الأمن في صباح أمس الذي أعلن يوم عطلة. وأشير إلى وقوع حوادث قليلة وبسيطة مساء أول من أمس منها إحراق حافلة صغيرة في أنتاناناريفو.

ويعتبر هذا الاستفتاء أول مرحلة في عملية بدأها راجولينا مع مائة حزب سياسي في أغسطس (آب) الماضي تهدف إلى الخروج من الأزمة وتنص على انتخابات بلدية في ديسمبر (كانون الأول) المقبل وتشريعية في مارس (آذار) المقبل ورئاسية في مايو (أيار) المقبل. وهذا الاستفتاء هو الأول منذ استيلاء أندري راجولينا على السلطة بدعم من الشعب والجيش بعد إقصاء الرئيس المنتخب مارك رفالومانانا في مارس 2009.

ورفضت التيارات الثلاثة للرؤساء السابقين رفالومانانا وديدييه راتسيراكا وألبير زافي الذين تحولوا إلى المعارضة هذه العملية ودعت إلى مقاطعة الاستفتاء، مطالبة باحترام الاتفاقات الملغاشية المبرمة السنة الماضية في مابوتو وأديس أبابا بوساطة دولية.

ولم يعط المجتمع الدولي موافقته معتبرا أن المبادرة «لم تحظ بالإجماع الكافي». وفي هذا السياق يقتصر رهان الاستفتاء خصوصا على مستوى التعبئة الانتخابية. وفي أعقاب حملة واسعة طغت عليها الدعوة إلى الموافقة على مشروع الدستور، يأمل أنصار راجولينا في مشاركة تساوي على الأقل نسبة المشاركة في الاستفتاء السابق على الدستور عام 2007 أي 43% من الناخبين.

وتتخبط مدغشقر في أزمة سياسية واقتصادية خطيرة منذ نهاية 2008 وإقصاء رفالومانانا. ويهدف مشروع الدستور إلى تفادي «الانحرافات الدكتاتورية» وتعزيز اللامركزية وينص على خفض السن الأدنى للترشح إلى الرئاسة من أربعين إلى 35 عاما ما من شأنه أن يسمح لراجولينا، 36 سنة، بالترشح إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة وذلك رغم تعهده بعدم الترشح. وأكد نائب رئيس مكتب اقتراع في مدينة أنتاناناريفو العليا حيث كان 6 أشخاص ينتظرون دورهم للاقتراع أن «الناس يبدون مهتمين وعلى كل حال فإنهم حضروا بكثرة منذ الساعة السادسة» صباحا. وأوضحت زولي، 37 سنة، قبل دخول الخلوة للإدلاء بصوتها «التصويت حق ويجب استخدامه بوصفنا وطنيين»، مؤكدة بابتسامة أنها «واثقة تماما» وتظن أن هذا الاستفتاء «مرحلة إيجابية من أجل الخروج من الأزمة».

وجاء جوليان، 46 سنة، للتصويت «من أجل مستقبل مدغشقر» ولم يخف أنه وضع إشارة على «نعم» لأنه «يريد التغيير» لكنه بدا غير مطلع كثيرا على فحوى الدستور الجديد. وأوضح ناخب آخر: «صحيح أن الأمر معقد لكن ذلك لا يشكل مشكلة حقيقية لأن المطلوب هو خصوصا القول إذا ما كنا نريد البقاء في هذا المأزق أو الخروج منه».