رحيل إبراهام السرفاتي «الأب الروحي» للتنظيمات الراديكالية المغربية

سمح له الملك محمد السادس بالعودة من المنفى واستعادة جواز سفره

إبراهام السرفاتي
TT

غيب الموت أمس إبراهام السرفاتي «الأب الروحي» للمجموعات الراديكالية اليسارية المغربية، التي انطلقت في أواخر عقد الستينات من القرن الماضي لمواجهة نظام الملك الحسن الثاني، وكانت تعمل «تحت الأرض» في خلايا سرية.

وقالت أسرة السرفاتي (84 سنة) إنه أسلم الروح في أحد مستشفيات مراكش، بعد معاناة طويلة من المرض، حيث عاش سنواته الأخيرة مقعدا لا يقوى على الحركة. وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس قد سمح للسرفاتي، بعد شهرين من توليه الحكم أي في سبتمبر (أيلول) 1999، بالعودة من فرنسا، حيث كان قد أمضى هناك 8 سنوات في المنفى، كما أعيد له جواز سفره، لكنه عاد فعليا عام 2000. وطرد السرفاتي في عهد الملك الحسن الثاني من البلاد، بعد خروجه من السجن، على أساس أنه «برازيلي» الجنسية، وكان والده عمل لفترة في البرازيل، وتلك الحجة هي التي برر بها إدريس البصري وزير الداخلية القوي في عهد الحسن الثاني، قرار إبعاد السرفاتي من البلاد، وتردد وقتها أن أحد اليساريين المغاربة الذين لهم خلافات آيديولوجية وسياسية مع السرفاتي هو الذي أوحى للبصري بهذه الفكرة.

وأفرج عن السرفاتي في سبتمبر 1991 بعد ضغوط شديدة على المغرب، وأبعد إلى فرنسا، وظل الملك الحسن الثاني يشترط أن يقر السرفاتي بـ«مغربية الصحراء» حتى يسمح له بالعودة إلى المغرب. وجرت أكثر من محاولة في هذا الصدد للسماح له بالعودة كان من أبرزها محاولة بادر بها عبد الرحمن اليوسفي، الذي أصبح رئيسا للحكومة في مارس (آذار) 1998.

والسرفاتي، يهودي الديانة، ومعارض شرس للفكر الصهيوني، ولد في مدينة الدار البيضاء، لكنه يتحدر أصلا من طنجة في شمال البلاد، درس هندسة المعادن في باريس عام 1944، وفي فرنسا انضم إلى الحزب الشيوعي الفرنسي، ثم انضم بعد ذلك إلى الحزب الشيوعي المغربي عام 1949، واعتقل خلال تلك الفترة، وفي عام 1950 أجبرته سلطات الحماية الفرنسية على مغادرة البلاد، وبعد عودته إلى المغرب تبوأ وظائف حكومية، حيث عمل في مؤسسة الفوسفات، وفي عام 1958 تولى منصب مدير مكتب وزير الإنتاج الصناعي والتعدين، كما عمل في مكتب السياسي اليساري المغربي عبد الرحيم بوعبيد، الذي شغل منصب وزير الاقتصاد الوطني في أواخر عقد الخمسينات من القرن الماضي. وفي عام 1968، ترك السرفاتي وظيفته الحكومية تضامنا مع عمال مناجم الفوسفات، وشرع يدرس في كلية الهندسة (المدرسة المحمدية للمهندسين)، وكان يكتب أيضا خلال الفترة التي امتدت حتى عام 1972 في مجلة «أنفاس» اليسارية، التي كان يصدرها الشاعر عبد اللطيف اللعبي.

وكان السرفاتي أسس منظمة «إلى الأمام» عام 1970، بعد أن انتقد «التقوقع النظري» للحزب الشيوعي المغربي، ومنذ تلك الفترة أصبح السرفاتي أبرز رموز منظمة «إلى الأمام» الماركسية، التي كانت تعمل على مواجهة النظام اعتمادا على أدبيات «العنف الثوري» الماركسية. واعتقل عام 1972 في إطار حملة واسعة النطاق شنتها السلطات الأمنية المغربية لتفكيك الحركات الراديكالية اليسارية، وبقي معتقلا في معتقل «درب مولاي الشريف» في الدار البيضاء. وكانت تهمته «التآمر ضد النظام ومعارضة مغربية الصحراء»، وبقي 17 سنة في سجن القنيطرة (شمال الرباط)، حيث بقي رمزا للمعتقلين السياسيين في عهد الحسن الثاني، وكثيرا ما سئل عنه الملك الراحل خلال مؤتمراته الصحافية، وكان يقول دائما إنه «يعادي مشاعر المغاربة» تجاه قضية الصحراء. وكان السرفاتي قليل الحديث في السنوات الأخيرة، لكنه لم يعلن تراجعا عن أفكاره اليسارية، وكان تردد أنه سيتولى منصبا حكوميا، لكن ذلك لم يتحقق، حيث عين فقط في منصب استشاري في مؤسسة «الأبحاث والتنقيب عن النفط» الحكومية، حيث كان يطلب منه أحيانا تحليلات حول قضايا الطاقة، وكان من أوائل الذين قالوا بعدم وجود نفط في المغرب، ودعا إلى التوجه نحو الطاقات البديلة.