القيادات المسيحية في العراق تطالب بدعم دولي لإسكان المسيحيين في كردستان

رحبت بمقترحات الرئيس طالباني في حديثه لـ «الشرق الأوسط»

أرملة أحد ضحايا تفجير كنيسة «سيدة النجاة» في بغداد في 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي
TT

حظيت المقترحات التي تقدم بها الرئيس العراقي جلال طالباني في حديثه لـ«الشرق الأوسط» الذي نشرته في عددها الصادر أمس بدعم وتأييد معظم القيادات السياسية المسيحية في بغداد وإقليم كردستان. وترى هذه القيادات أن مقترحات طالباني بتشكيل قوات خاصة من أبناء الطائفة المسيحية لحماية مساكنهم ودور عبادتهم، أو القدوم إلى إقليم كردستان خطوة إيجابية تسهم في حل جزء من المشكلة التي يواجهها المسيحيون في العراق على خلفية التهديدات الإرهابية التي تستهدفهم.

وصرح السياسي المسيحي البارز وعضو مجلس الحكم السابق والنائب الحالي بالبرلمان العراقي يونادم يوسف كنا الذي يرأس الحركة الديمقراطية الآشورية لـ«الشرق الأوسط» بأن «المسيحيين يثمنون مبادرة فخامة الرئيس طالباني، ويشكرونه على هذه الالتفاتة الكريمة لوضعهم، ويؤيدون ما ذهب إليه من ضرورة توفير الحماية الأمنية اللازمة بتشكيل قوات خاصة من أبناء الطائفة لحماية أنفسهم وأماكن عبادتهم، ومن ثم دمج هذه القوات الخاصة في المنظومة الأمنية الوطنية في العراق». وأعرب القيادي المسيحي عن أمله في «أن تتشكل الحكومة العراقية المقبلة بأسرع ما يمكن لضمان تحسين الوضع الأمني الذي يعاني فعلا من فراغ يهدد مجمل العملية السياسية في العراق».

وحول المقترح الآخر الذي تقدم به طالباني بلجوء المسيحيين المهددين إلى إقليم كردستان، قال كنا: «هذه الدعوة المخلصة نرحب بها، لأنها تشكل بديلا معقولا عن التفكير في الهجرة إلى الخارج، وتفريغ العراق من مكونه المسيحي، وبطبيعة الحال فإننا نعتقد أن إقليم كردستان ورغم الدعوات المخلصة من الرئيسين طالباني ومسعود بارزاني لا يستطيع وحده أن يتحمل هذا العبء الكبير، خاصة أن هناك بطالة في الإقليم والموارد محدودة، كما أن هناك مشكلة كبيرة تتمثل في استيعاب هذا العدد الكبير من المسيحيين الراغبين في ترك بغداد والمناطق الأخرى جراء التهديدات على حياتهم، وطبعا ستكون هناك حاجة لاستيعاب طلبة المدارس والجامعات، وكذلك استيعاب الأفراد الذين لا يجيدون اللغة الكردية بسبب نشوئهم في بغداد، وما يخلق ذلك من مشكلة عدم قدرة دوائر حكومة الإقليم على استيعاب هؤلاء على سبيل التعويض عن وظائفهم الأساسية في بغداد، ويجب أن لا ننسى أن بعض العوائل المسيحية التي نزحت عن محافظة الموصل وتوجهت إلى مناطق أكثر أمنا في دهوك وزاخو والقرى والمناطق التابعة في السنوات الماضية قد عانى من مشكلات معيشية بسبب قلة موارد الحكومة الإقليمية، لذلك أعتقد أن هناك حاجة ملحة لمساهمة السلطة الاتحادية في أي جهد يبذل من أجل استيعاب العوائل النازحة وتوفير مستلزمات المعيشة اللائقة لهم، وكذلك توفير فرص توظيفهم واندماجهم بالمجتمع الكردستاني، فمن الممكن أن تفي حكومة الإقليم ببعض الالتزامات ولفترة مؤقتة، أما في حال استمرار التهديدات الأمنية فيفترض بالحكومة الاتحادية أن تسهم إلى جانب الحكومة الإقليمية بتحمل مسؤولياتها بهذا الشأن».

ويؤيده في ذلك القيادي المسيحي روميو هكاري أمين عام حزب بيث نهرين الديمقراطي الذي يقيم ببلدة عينكاوة ذات الأغلبية المسيحية والتابعة لمدينة أربيل، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إنه «كمبدأ ثابت نحن نعترض ونرفض تماما خروج أي من مواطنينا المسيحيين إلى خارج العراق ومهما كانت المغريات، لأننا جزء من هذا العراق ومنذ آلاف السنين، وكما قال فخامة الرئيس طالباني نحن جزء أساسي من حضارة العراق ومن بناته الأساسيين، عليه فإننا لسنا مستعدين للتخلي عن هذا الدور، ولذلك نحن نؤيد تماما دعوة الرئيس طالباني بتوجه أبنائنا المهددين في بغداد أو المناطق الأخرى بالعراق إلى إقليم كردستان، كما نؤيد دعوته لتشكيل قوات أمنية خاصة بأبناء الطائفة لحماية مساكنهم وكنائسهم، ونرحب بأبنائنا من أي مدينة عراقية يأتون إلى كردستان ويقبلون بها ملاذا آمنا لهم لحين تحسن الأوضاع الأمنية في العراق عموما، فدعوة الرئيس طالباني تزيد الأمل لدينا في حل هذه المشكلة والحيلولة دون هجرة جماعية مسيحية من العراق».

وأشار القيادي المسيحي إلى «أن موضوعا كبيرا كهذا يحتاج بطبيعة الحال إلى إمكانات هائلة، فنحن هنا في عينكاوة استقبلنا العديد من العوائل النازحة من بغداد، وشرعنا أبوابنا لاحتضانهم، وقدمنا لهم ما نستطيع من المساعدة لإيوائهم، ولكن في حال تحولت المسألة إلى هجرة جماعية أو موجة كبيرة فإن الأمر يحتاج إلى دعم كبير، وقبل أيام التقينا بالرئيس مسعود بارزاني للبحث في هذا الموضوع، واستقر الرأي على ضرورة تلقي دعم دولي في هذا الجانب، فنحن على ثقة بأن حكومة الإقليم لن تبخل على أبناء الطائفة بكل ما يمكن لها أن تقدمه، وأعتقد أن الحكومة العراقية ستقوم بدورها بدعم هذه الحلول المطروحة، ولكن الأمر يحتاج إلى مساعدة ودعم دوليين لتمكين سلطات الإقليم لمواجهة الموجات القادمة وتوفير مستلزمات حياة كريمة للنازحين، خاصة أن هناك طلبة مدارس وجامعات وموظفين سيتركون وظائفهم مما يتطلب استيعابهم من قبل حكومة الإقليم، ونشكر سيادة الرئيس بارزاني الذي سبق وأن أمر بقبول جميع الطلبة المسيحيين النازحين في السابق بجامعات ومعاهد ومدارس كردستان».

وفي الوقت الذي تحدثت فيه أنباء عن وصول عدد من العائلات المسيحية إلى مدينة السليمانية والتي تشكل أول وجبة من المسيحيين النازحين من بغداد إلى إقليم كردستان، أكد مصدر في المكتب الخاص لمحافظ السليمانية في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن عدد العائلات التي وصلت قبل أيام إلى السليمانية بلغ سبع عائلات، تم إيوائهم وتقديم المساعدات الأولية لهم، وبحسب تلك العوائل فإن هناك رغبة مؤكدة من العديد من العوائل البغدادية المسيحية الأخرى للتوجه إلى كردستان وخاصة السليمانية، ونحن من جهتنا مستعدون لذلك بناء على توجيهات مباشرة من محافظ المدينة لتقديم كافة أنواع التسهيلات للعوائل التي تتوجه إلى السليمانية». وأضاف المصدر أن «الأوامر الصادرة إلينا من الجهات العليا تتركز في تلبية مطالب جميع المواطنين المسيحيين النازحين بناء على توجيهات الرئيسين طالباني وبارزاني، ونحن مستعدون لذلك، وكما حصل في الأيام الأخيرة فإن جميع الطلبة والموظفين الذين جاءوا إلى السليمانية ضمن هذه العوائل السبع قد تم توفير فرص إدامة دراساتهم ووظائفهم في دوائر الحكومة وجامعاتها بناء على توجيه من رئيس الحكومة الدكتور برهم صالح».

وبسؤاله عن مدى استعداد المحافظة لاستقبال جموع كبيرة من النازحين في حال تواصلت التهديدات الأمنية في بغداد والمناطق الأخرى، قال المصدر: «نحن مستعدون لذلك فالأوامر الصادرة بهذا الشأن واضحة تماما وعلينا أن نبذل قصارى جهدنا لاستيعاب العوائل النازحة وتوفير المسكن اللائق لهم، وكما اتخذنا في السنوات الأخيرة إجراءات طارئة لمواجهة حالة الجفاف على سبيل المثال والتي وفرت حكومة الإقليم موارد إضافية لمواجهتها، فعند حدوث حالة طارئة مماثلة فإن حكومة الإقليم ستوفر بطبيعة الحال الموارد اللازمة لذلك، ومع ذلك فإننا سوف نحتاج بكل تأكيد إلى دعم الحكومة المركزية وإلى الدعم الدولي في حال تطلب الأمر ذلك».

إلى ذلك، قالت عائلة نائب رئيس الوزراء العراقي الأسبق طارق عزيز، أمس، إنها «ممتنة» لموقف الرئيس طالباني، الذي أكد أول من أمس أنه «لن يوقع أبدا» على قرار إعدام عزيز المحكوم عليه بالإعدام. وقال زياد، نجل طارق عزيز المقيم مع عائلته بعمان منذ عام 2003، لوكالة الصحافة الفرنسية: «نحن كعائلة ممتنة من هذا الموقف، ونشكر طالباني كمحامٍ وكرئيس دولة على اتخاذه مثل هذا الموقف».

وأضاف: «نأمل أن يكون للرئيس طالباني اللفتة نفسها تجاه المحكومين الآخرين بالإعدام». وأكد طالباني في مقابلة تلفزيونية مع شبكة «فرانس 24» الدولية الفرنسية، بثت الأربعاء، أنه «لن يوقع أبدا» على قرار إعدام طارق عزيز. وقال طالباني: «لا، لن أوقع أمر إعدام طارق عزيز، لأنني اشتراكي». وأضاف: «أنا متعاطف مع طارق عزيز، لأنه مسيحي عراقي. وعلاوة على ذلك، فهو رجل تجاوز عمره السبعين». وتجدر الإشارة إلى أن موافقة الرئيس العراقي ضرورية لتنفيذ حكم الإعدام.