القاهرة ترفض استقبال واشنطن «مجموعة عمل مصر» وتعده «استفزازا»

مسؤول أميركي: أي انتخابات حرة يجب أن تسمح بحرية التجمع وإطلاع مراقبين محليين ودوليين

TT

رفضت القاهرة أمس ما اعتبرته تدخلا أميركيا في شؤونها الداخلية، على خلفية استقبال مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى عددا من الأميركيين الذين يطلقون على أنفسهم اسم «مجموعة عمل مصر»، وهي تجمع يضم ست مؤسسات بحثية أميركية مهتمة بالشأن المصري. وقالت القاهرة على لسان مصدر رفيع بوزارة الخارجية إنها لن تسمح لأي طرف كان، بما في ذلك الولايات المتحدة، بالتدخل في شأن داخلي تحت أي ذريعة. وأعربت عن استيائها مما سمته «إصرارا أميركيا على استفزاز الشعور الوطني»، مشددة على أن من يعتبر مثل هذا التدخل أمرا ممكنا «فهو واهم».

وعلق المصدر على هذا التطور بقوله «هذا الإجراء يعبر عن مواقف أميركية غير مقبولة إزاء التحفظات المصرية القوية والمبررة تجاه تعامل الإدارة الأميركية مع الشأن الداخلي المصري عموما، ومع تلك المجموعة التي تدعي اهتماما بهذا الشأن على وجه الخصوص».

وتابع المصدر في تصريحات للمحررين الدبلوماسيين: «المواقف الأخيرة للإدارة تجاه الشؤون الداخلية المصرية أمر مرفوض بشكل قاطع من جانب مصر، مشيرا إلى أن رفض هذا السلوك الأميركي يأتي بغض النظر عن أية حجج أو ذرائع يمكن أن يسوقها البعض لتبرير هذا الأمر».

وكانت الخارجية الأميركية قد طالبت مصر قبل أيام بالسماح بمراقبين دوليين وإجراء الانتخابات وفق المعايير الدولية، وقالت في بيان للمتحدث باسمها فيليب كراولي: «إن عملية انتخابية حرة ينبغي أن تتضمن آلية محايدة موثوقا بها لمراجعة الشكاوى المتصلة بالانتخابات وجهدا محليا لمراقبة الانتخابات وفق المعايير الدولية وحضور مراقبين دوليين».

لكن المصدر الرسمي المصري أكد اعتزاز مصر بسيادتها واستقلال إرادتها الوطنية. وقال: «لكن يبدو أن الجانب الأميركي يصر على عدم احترام خصوصية المجتمع المصري بتصرفات وتصريحات تستفز الشعور الوطني المصري، وكأن الولايات المتحدة تحولت إلى وصي على كيفية إدارة المجتمع المصري لشؤونه السياسية»، مضيفا أن «من يعتقد أن هذا أمر ممكن فهو واهم». وذكر أن مصر تعلم أن هناك مجموعات مصالح وأشخاصا يقفون وراء تشجيع مثل هذا السلوك من جانب الإدارة، بل الضغط في هذا الاتجاه، موضحا أن مصر ليست معنية على الإطلاق ولا تقبل بسعي الإدارة (الأميركية) للتخفيف من الضغط الذي تواجهه من خلال تدخلها في شؤون مصر الداخلية.

وقال المصدر: «أما هذه المجموعة التي تسمي نفسها مجموعة عمل مصر، فيكفي النظر إلى أعضائها لنتبين أهدافها وأجندتها، فهي مجموعة من أولئك الأميركيين الذين يظنون أنهم على علم بالمجتمعات، إما من خلال قراءة التقارير التي يعدها أتباعهم من ذوي الأجندات المحددة، أو من خلال تنظيم الرحلات، أو اللقاءات القاصرة، وهي من نفس نوعية المجموعات التي تهدف إلى إشاعة الفوضى في الشرق الأوسط دون الاكتراث بأية اعتبارات سوى أجندتها الضيقة في التغيير وفقا لرؤاها القاصرة». واختتم المصدر تصريحه بالتأكيد على أن العلاقات المصرية - الأميركية قامت منذ منتصف السبعينات على أساس الاحترام المتبادل والسعي لتحقيق المصالح المشتركة للطرفين وللإقليم، وأن مصر ستظل حريصة على احترام الأسس التي قامت عليها تلك العلاقات طالما التزم الجانب الأميركي بذات الحرص والاحترام.

وتستعد مصر لإجراء انتخابات برلمانية نهاية الشهر الحالي، وهي الانتخابات التي تمهد للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها خريف العام المقبل. ورفضت القاهرة وجود مراقبة دولية على الانتخابات، وهو موقف ساندتها فيه قوى المعارضة الرسمية، التي اعتبرت المراقبة الدولية تدخلا في شأن داخلي، معربة عن ثقتها في مؤسسات المجتمع المدني التي تم السماح لها بمراقبة عملية الاقتراع المقررة يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي. وفي واشنطن رفض مسؤول في الخارجية الأميركية التعليق على تصريحات المصدر الرسمي في الخارجية المصرية. لكن المسؤول الذي طلب عدم الإشارة إلى اسمه أو وظيفته، قال إن الإدارة الأميركية ترى أن «أي انتخابات حرة يجب أن تسمح بحرية التجمع والصحافة، وإطلاع مراقبين محليين ودوليين عليها لضمان حريتها ونزاهتها».

وأشار المصدر إلى بيان أصدرته الخارجية الأميركية في الأسبوع الماضي جاء فيه أن على مصر أن تسمح بالتجمعات السياسية السلمية وتغطية إعلامية حرة ومراقبين دوليين مع الاستعداد لانتخابات مجلس الشعب التي ستجري يوم 28 نوفمبر الحالي.

وكان فيليب كراولي، المتحدث باسم الوزارة، قال في بيان مكتوب: «نرحب بالتزام مصر المعلن بتوسيع المشاركة السياسية، وضمان إجراء انتخابات حرة وشفافة بما في ذلك تسهيل المراقبة المحلية من قبل منظمات المجتمع المدني. إن انتخابات نزيهة وشفافة يجب أن تتضمن السماح بالتجمعات السياسية السلمية خلال الحملة الانتخابية. ودعوة منظمات المجتمع المدني بحرية إلى توعية الناخبين، ومشاركتهم في الحملة الانتخابية. وتوفير بيئة إعلامية حرة تتيح تغطية متوازنة لكل المرشحين».

وقال كراولي: «إن عملية انتخابية حرة ينبغي أن تتضمن آلية محايدة موثوقا بها لمراجعة الشكاوى المتصلة بالانتخابات وجهدا محليا لمراقبة الانتخابات وفق المعايير الدولية وحضور مراقبين دوليين».

من ناحية أخرى، شاركت السفارة المصرية في واشنطن، في الأسبوع الماضي، في ندوة حول الانتخابات، ومن بين الذين حضروها رئيس مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، سعد الدين إبراهيم. التي عقدتها إذاعة «صوت أميركا» تحت عنوان «مصر تصوت: تحديات وإمكانيات»، وأدارها الإذاعي المصري في «صوت أميركا»، محمد الشناوي. في الندوة، شدد السفير الأميركي الأسبق لدى مصر وإسرائيل، إدوارد ووكر، على أن «الانتخابات وحدها لا تعني الديمقراطية»، معتبرا أن مصر، وكل دول منطقة الشرق الأوسط،: تمر بمرحلة انتقالية مهمة». وطالب ووكر الحكومة المصرية بـ«السماح لمراقبين دوليين بالإشراف على الانتخابات لضمان شفافية أكبر تحتاجها مصر.. القاهرة بحاجة لشهادة دولية على عدالة انتخاباتها».

في نفس الوقت، قال: «الإدارة الأميركية يجب أن لا تفرض الديمقراطية، إذ إنها لا يمكن تصديرها. الشعب المصري هو الذي يجب أن يسعى لتحقيق هذه الديمقراطية».

وحرص مدير المكتب الإعلامي للسفارة المصرية، كريم حجاج، على توضيح أنه يتحدث بصفته ممثلا للحكومة، وليس مندوبا عن أي حزب سياسي. ورفض «تدويل الانتخابات عن طريق السماح لمراقبين دوليين بالإشراف عليها». وقال سعد الدين إبراهيم: «إن أميركا، وكما أظهرت في الماضي، تحبذ استقرار المنطقة واستقرار مصر عن اختيار بديل ديمقراطي»، مطالبا القاهرة بـ«السماح بمراقبة دولية للانتخابات».

وكان سمير شحاتة، أستاذ السياسة العربية في جامعة جورج تاون في واشنطن، قلل، في تصريح لوكالة «إنتربرس»، من أهمية الدور الأميركي في الانتخابات المصرية. وقال: «إن القضية الحقيقية ليس ما يقوله علنا البيت الأبيض، أو وزارة الخارجية، للحكومة المصرية حول الانتخابات المقبلة. القضية الأهم هي أن إدارة أوباما ليست مهتمة بالضغط على القاهرة.

وأسست مجموعة «ووركنغ غروب أون إيجبت» (فريق العمل عن مصر) قبل أكثر من سنة، بقيادة بوب كاغان، الخبير في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي في واشنطن، وميشال دان، أيضا الخبير في كارنيغي، ورئيس تحرير نشرة «الإصلاح العربي» التي يصدرها المركز. وتقول أهداف الفريق إنها تقلق بسبب القضايا المحيطة بخلافة الرئيس المصري حسني مبارك، والحرية السياسية وحقوق الإنسان في مصر. وقال كاغان: «لا أحد في واشنطن يبدو مهتما بهذا الموضوع». إشارة إلى أن الحكومة الأميركية تبدو راضية عن التطورات السياسية في مصر، وذلك بسبب أهمية مصر بالنسبة لواشنطن في النزاع العربي - الإسرائيلي.

بدأ الفريق بإرسال رسالة إلى هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية، حثها على تشجيع الإصلاح الديمقراطي في مصر. وجاء في الرسالة: «نحن قلقون من مرور كل هذه المدة، ولا توجد سياسة أميركية جادة لمصلحة مصر». وأضافت: «تعقد الانتخابات البرلمانية والانتخابات الرئاسية ولا تبدو الحكومة الأميركية مهتمة بأنها يجب أن تكون حرة ونزيهة». وجاء في الرسالة: «بدلا من أن تتقدم تدريجيا على طريق الإصلاح المرغوب فيه، يبدو أننا سنشاهد انزلاق مصر إلى الوراء، نحو السلطة السلطوية المتزايدة».

وكانت كلينتون ردت على الرسالة، قائلة إن الإدارة «ملتزمة تماما لدفع الإصلاح السياسي في مصر». لكنها لم تقدم تفاصيل أكثر.