إدانة معتقل سابق في غوانتانامو بواحدة من بين 285 تهمة

الحكم قد يقوض خطط إدارة أوباما لتقديم معتقلين آخرين للمحاكمة المدنية

TT

أقر التنزاني أحمد جيلاني في نيويورك أول من أمس بتهمة واحدة من التهم الـ285 الموجهة إليه في الاعتداءات التي تعرضت لها سفارتان أميركيتان في أفريقيا الشرقية وأوقعت 224 قتيلا عام 1998. وأقر التنزاني البالغ من العمر 36 عاما بتهمة واحدة وهي «التآمر على تدمير ممتلكات أميركية». وسيصدر عليه الحكم في 25 يناير (كانون الثاني) المقبل وهو يتراوح بين 20 عاما بالسجن كحد أدنى والسجن مدى الحياة! حسب ما قال المدعي العام.

وقد جاءت هذه النتيجة بمثابة مفاجأة مدوية وقوضت على نحو خطير من خطط إدارة أوباما لتقديم معتقلين آخرين داخل غوانتانامو للمحاكمة أمام محاكم مدنية أميركية، وربما تحكم عليها بالإخفاق.

وبعد مداولات استمرت على مدار 5 أيام، خلصت لجنة محلفين تضم 6 رجال و6 نساء إلى أن أحمد جيلاني مدان بالتآمر من أجل الإضرار أو تدمير عقار أميركي، ولكن تمت تبرئته من تهم القتل المتكرر وتهم بمحاولة قتل ذات صلة بدوره في تفجيرات تعود لعام 1998 استهدفت سفارات أميركية في شرق أفريقيا.

وكانت إدارة أوباما تأمل في أن تساعد إدانته في معظم، إن لم يكن كل، التهم على تمهيد الطريق لمقاضاة فيدرالية لمعتقلين آخرين في غوانتانامو؛ ومن بينهم خالد شيخ محمد وأربعة آخرون متهمون بالمشاركة في التآمر والتخطيط لهجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001. ولم ترغب الإدارة الأميركية في الاعتماد فقط على اللجان العسكرية التي جعلتها إدارة جورج دبليو بوش عنصرا أساسيا في سياسة الاعتقال التي اتبعتها.

وعلى الرغم من ذلك، تواجه استراتيجية الرئيس باراك أوباما معارضة قوية داخل كلا الحزبين في الكونغرس ونيويورك، ويرجع ذلك بصورة جزئية إلى مخاوف من أنه ستكون ثمة صعوبة في الحصول على إدانة داخل المحاكم المدنية.

وأعربت الجمعية الأميركية للحريات المدنية (اي سي إل يو) عن ارتياحها لهذا القرار الذي وصفته بذي «المصداقية»، معتبرة أن «ذلك ينبغي أن يضع حدا للمخاوف التي لا أساس لها، التي تقول إن نظامنا القضائي الفيدرالي لا يمكنه إجراء محاكمات عادلة ومنصفة ومجدية في قضايا الإرهاب».

وسيعزز الفشل في الحصول على إدانة لجيلاني، وهو مواطن تنزاني، في التهم الأكثر خطورة والمرتبطة بالإرهاب من حجة مَن يقولون إن السجن العسكري داخل غوانتانامو بكوبا يجب الإبقاء عليه لاستضافة لجان عسكرية تخص بعض السجناء ومن أجل الإبقاء على آخرين إلى أجل غير مسمى ومن دون محاكمة وفقا لقوانين الحرب.

وقال القاضي الأميركي لويس كابلان للمحلفين بعد الإعلان عن رأيهم: «تستحقون الكثير من الثناء، فقد أثبتم أيضا أن العدالة الأميركية يمكن تحقيقها بهدوء وحزم ونزاهة على يد أفراد عاديين لا يدينون بالفضل لأي حكومة، بما في ذلك الحكومة الحالية».

ويمكن أن يواجه جيلاني حكما بالسجن مدى الحياة، أو قضاء 20 عاما على الأقل، وفقا لما ذكرته وزارة العدل الأميركية. وقالت الوزارة في بيان مقتضب: «نحترم قرار هيئة المحلفين، وسعداء بأن أحمد جيلاني يواجه حاليا على الأقل 20 عاما داخل السجن، واحتمالية السجن مدى الحياة لدوره في تفجيرات السفارة».

وسيفرض القاضي كابلان الحكم الصادر بحق جيلاني، ويقول مدعون داخل نيويورك إنهم سيسعون من أجل الحصول على حكم بالسجن مدى الحياة له.

ويعد جيلاني الشخص الخامس الذي يدان على خلفية دوره في التفجيرات داخل العاصمة الكينية نيروبي والتنزانية دار السلام، التي أدت إلى مقتل 224 شخصا من بينهم 12 أميركيا.

وعلى الرغم من ذلك، فقد كان الحكم بمثابة لطمة لمسؤولي الإدارة، الذين كانت لديهم ثقة في أن جيلاني سيدان في التهم كافة. وبالنسبة للبعض، فإن الإدانة بتهمة واحدة فقط تعني أنهم كانوا في وضع خطير، فلو تم تبرئته من التهم كافة كانت الإدارة ستضطر إلى إعادة جيلاني إلى السجن العسكري بدلا من إطلاق سراحه.

وقال محامي الدفاع بيتر كيخانو: «هذا الصبي الساذج البريء استغفله أصدقاؤه. يمكن القول إنه شخص مغفل أو إنه ضحية، ولكن لا يمكن وصفه بأنه مذنب».

ويحتمل أن يركز تحليل للحكم على قرار كابلان إقصاء تنزاني وصفه الإدعاء بأنه «شاهد مهم» محتمل. وكان متوقعا أن يقول الرجل إنه باع لجيلاني متفجرات استخدمت في الهجوم. ولكن حكم القاضي بأن الحكومة لم تعرف عن الشاهد إلا من خلال تحقيقات تعسفية داخل سجن تابع لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) وأن مشاركة الشاهد ستؤدي إلى تشويه العملية.

وكتب كابلان قائلا: «لم تتوصل المحكمة إلى هذه النتيجة باستخفاف، فهي على دراية تامة بالمخاطر الموجودة في العالم الذي نعيش فيه. ولكن الدستور بمثابة الصخرة التي تتكئ عليها دولتنا، ويجب أن نعمل وفق الدستور عندما يكون ذلك مناسبا وأيضا عندما يشير الخوف والخطر إلى اتجاه آخر». ولم يسع الإدعاء إلى تقديم أي اعترافات أدلى بها جيلاني إلى وكالة الاستخبارات المركزية.

وسيستغل هذا الحكم هؤلاء الذين يقولون إن المعتقلين البارزين ممن استجوبتهم وكالة الاستخبارات المركزية يجب أن يحاكموا أمام لجان عسكرية، حيث صيغت القواعد ذات الصلة بصورة تجعلها أكثر قبولا للاعترافات التي نتجت عن تحقيقات قاسية.

ويقول كيرك ليبولد، وهو قائد سابق لـ«يو إس إس كول» التي تعرضت لهجوم من تنظيم القاعدة عام 2000: «الإدانة بتهمة واحدة من بين 285 تهمة لا يعد بالشيء الذي يفخر به الادعاء. وأعتقد أن الإدارة حاليا في وضع يفرض عليها أن تتعامل بجدية مع استخدام اللجان العسكرية. وتبعث هذه القضية إشارة واضحة جلية في ما يتعلق باستخدام المحاكم المدنية: فهي لم تنجح في أداء الدور المنوط بها».

وعلى الفور، قال مشرعون جمهوريون إن الحكم سيدفع إدارة أوباما إلى التخلي عن فكرة استخدام محاكمات مدنية للمعتقلين داخل غوانتانامو. وقال عضو مجلس النواب بيتر كينغ (من نيويورك)، وهو جمهوري بارز في لجنة الأمن الداخلي: «أشعر بالاشمئزاز بسبب إخفاق العدالة تماما اليوم داخل محكمة فيدرالية مدنية بمانهاتن. ويظهر هذا الحكم المأسوي عدم صحة قرار إدارة أوباما محاكمة إرهابيي تنظيم القاعدة في محاكم مدنية».

ولكن يقول حقوقيون دعوا لفترة طويلة إلى استخدام المحاكم الفيدرالية إن الحكم يؤكد على النهج الذي يدعون إليه. وقال توم مالينوسكي، وهو مدير داخل واشنطن لدى «هيومان رايتس وتش»: «التآمر من أجل تفجير سفارة إدانة خطيرة. وآمل أن تكون النتيجة التي يستخلصها الناس من ذلك أن هذه هي الطريقة للحصول على عدالة سريعة ومؤكدة»، وأضاف: «الذنب الأصلي هنا هو التعذيب، وكانت يفترض أن يطارد محاكمة عسكرية، أيضا، باحتمالية الوصول إلى النتيجة نفسها. والاختلاف الوحيد هو أنه في هذه المحكمة أدين جيلاني بصورة شرعية ونهائية».

ولكن يبدو أن مسؤولي إدارة أوباما لم يستخلصوا هذه الدرس، وعلى الرغم من وجود دعم ضعيف داخل إدارة أوباما لاستخدام واسع للجان العسكرية لمحاكمة معتقلي غوانتانامو، يوجد اعتراف متنام بأن المعارضة السياسية لإقامة محاكمات فيدرالية لا يمكن التغلب عليها.

وقال مسؤولون بارزون في الإدارة إن محمد ومتهمين آخرين بالتآمر في هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) يحتمل أن يبقوا رهن الاعتقال العسكري من دون محاكمة في المستقبل القريب.