انتكاسات السياسة الخارجية تعمق جراح أوباما الانتخابية

عدم موافقة «الشيوخ» على معاهدة «ستارت» الجديدة سينعكس على السياسة تجاه إيران والشرق الأوسط وأفغانستان

رئيس الوزراء البرتغالي خوسيه سقراطيس يرحب بالرئيس الأميركي باراك اوباما قبل افتتاح قمة لشبونة امس (إ.ب.أ)
TT

كثيرا ما كان يتحول الرؤساء بأنظارهم باتجاه السياسة الخارجية بعد أن يمنوا بانتكاسات داخلية - بدءا من جولة رونالد ريغان في أميركا اللاتينية والخطاب الذي وصف خلاله الاتحاد السوفياتي بأنه «بؤرة الشر في العالم الحديث» خلال الشهور التالية لخسائر حزبه في انتخابات الكونغرس عام 1982، وصولا إلى فرار بيل كلينتون إلى إندونيسيا والفلبين في أعقاب الخسائر الكبرى التي تكبدها حزبه في انتخابات التجديد النصفي بعد أكثر من عشر سنوات لاحقة.

والواضح أن أوباما يحذو حذوهما. إلا أنه منذ الهزيمة الساحقة التي مني بها خلال انتخابات التجديد النصفي، عانى من سلسلة من الإخفاقات على صعيد السياسة الخارجية، في الكونغرس والخارج، مما عرض أجندته لتحسين مكانة أميركا وتعزيز نفوذها بالخارج للخطر. فبداية من الفشل في ضمان إبرام اتفاق تجارة حرة في كوريا الجنوبية، ووصولا إلى نضاله للفوز بتصديق مجلس الشيوخ على معاهدة للحد من الأسلحة مع روسيا، حاول أوباما النضال في مواجهة القيود المفروضة على سلطته في لحظة حاسمة من عمر رئاسته.

الآن، قطع أوباما تقريبا نصف الشوط الرئاسي، ويبدو سياسيا أضعف بعد العقاب الذي أنزله الناخبون بحزبه في انتخابات التجديد النصفي. ولا تزال أمامه مجموعة من القضايا المتعلقة بالسياسة الخارجية لم تحسم بعد، بداية من تقليص أعداد القوات في أفغانستان، إلى تعزيز إمكانات السلام في الشرق الأوسط والعلاقات الاقتصادية مع الصين. وستتطلب تسوية هذه القضايا قاعدة تأييد داخلي قوية، ويمكن أن تحدد القضايا السابقة ما إذا كان سيعاد انتخاب أوباما أم لا.

غادر أوباما الأراضي الأميركية، الخميس، لحضور قمة حلف الناتو في لشبونة، حيث يأمل في الحصول من حلفائه على تعهدات عسكرية ومالية حتى عام 2014 في ما يخص الحرب في أفغانستان. إلا أن الاجتماع تخيم عليه سحب تعهد أوباما السابق بتناول أكثر قضايا العالم صعوبة وغياب تقدم دائم على صعيد مساعي تحقيق هذه الأهداف.

من جهته، قال سيمون سيرفاتي، المستشار البارز لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية «لقد افترض أن بإمكانه فرض ما يرغب تحقيقه، وأن الآخرين سيتبعونه لما يتمتع به من شعبية واضحة وقوية. والواضح أن العالم الذي تخيله يختلف عن العالم الحقيقي».

الملاحظ أن الرؤساء غالبا ما كانوا يتحولون بأعينهم صوب الخارج، ليس لتجنب المشكلات الداخلية فحسب، وإنما أيضا لأن قضايا الشؤون الخارجية عادة ما كانت تحتل المرتبة الثانية في حملاتهم الانتخابية.

غادر أوباما الولايات المتحدة في رحلة مطولة لآسيا، اضطر إليها لأسباب عدة، بينها الموعد الثابت لقمتين اقتصاديتين، وذلك في غضون أيام من إعادة الناخبين مجلس النواب إلى الجمهوريين وتقليصهم هامش الأغلبية التي يحظى بها الديمقراطيون داخل مجلس الشيوخ.

ورغم أنه وجد بعض الجماهير الرائعة في آسيا، خاصة في إندونيسيا التي قضى بها طفولته، فإن أوباما قابل أيضا زعماء أجانب متشككين في طموحاته على صعيد التجارة الحرة، ومقترحاته لتناول قضية العملة الصينية المقدرة بقيمة أقل من حقيقتها، والسياسات النقدية الأميركية المصممة لتعزيز النمو على الصعيد الداخلي.

وتصادم عدد من القضايا الأخرى على نحو سلط الضوء على مدى كون أجندة سياسته الخارجية لا تزال غير مكتملة.

يذكر أن عملية السلام في الشرق الأوسط التي أطلقها أوباما منذ شهرين تجمدت، في وقت يطالب فيه حليفه الأفغاني المتقلب، الرئيس حميد كرزاي، بخفض العمليات العسكرية الأميركية هناك، بينما وافق أوباما منذ عام مضى على زيادة أعداد القوات هناك بمقدار 30.000 جندي. ومني تعهده بإنهاء إرث إدارة بوش المثير للانقسام عبر إغلاق مركز الاحتجاز في غوانتانامو بكوبا بصفعة قوية هذا الأسبوع، عندما أدانت هيئة محلفين أول محتجز سابق يقدم إلى محاكمة مدنية باتهام واحد فقط من إجمالي 285 اتهاما موجها إليه.

وصرح بين رودز، نائب مستشار الأمن القومي لشؤون الاتصالات الاستراتيجية، بأنه «من الخطأ الخلط على نحو مفرط» بين نتائج انتخابات التجديد النصفي والمقاومة التي يواجهها أوباما في ما يخص الكثير من قضايا السياسة الخارجية المهمة.

وأكد رودز أن «الرئيس يبقى شخصية قوية وتحظى باحترام كبير على الساحة العالمية، الأمر الذي يتضح في الإعجاب الذي تكنه له جماهير أجنبية وعلاقاته مع قيادات عالمية. ويتجلى أيضا في قدرة الولايات المتحدة على تحديد الأجندات داخل المنتديات الدولية، وهو ما ينطبق بالتأكيد على قمة الناتو خلال عطلة نهاية هذا الأسبوع، وفي العلاقة الجديدة التي يبنيها مع دول مثل الهند».

وأشار إلى أن القيادة العراقية شكلت مؤخرا حكومة جديدة، بعد ثمانية شهور من الانتخابات، بعد متابعة من أوباما وحث مستمر من قبل أعضاء بارزين بالإدارة مثل جوزيف بايدن، نائب الرئيس.

وأضاف رودز «من منظور الأمن القومي، فإنه في أي لحظة ما هناك قضايا يتوافر حيالها زخم إيجابي، وأخرى تجابه تحديات. وأعتقد أنه من الخطأ الانتقاء من بين هذه القضايا للتوافق مع خطاب معين».

الملاحظ أن الكثير مما حققه أوباما داخل آسيا، أبرزه تحسين العلاقات مع الهند وسوقها المتنامية، جاء نتاجا لخطوات كان بإمكانه اتخاذها بمفرده. مثلا، أعلن أوباما تأييده لنيل الهند مقعدا دائما بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وألغى القيود التصديرية التي تزيد صعوبة عقد الشركات الهندية بمجال التقنيات المتطورة صفقات تجارية مع واشنطن. أما المشكلات التي جابهها أوباما فظهرت عندما احتاج لشريك.

من ناحيته، وافق بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، على حشد التأييد لفرض تجميد على بناء المستوطنات في الضفة الغربية لثلاثة شهور أخرى، في محاولة لإعادة المحادثات المباشرة مع الفلسطينيين لمسارها.

إلا أنه في المقابل، وافق أوباما، الذي وصف المستوطنات الإسرائيلية داخل المناطق المحتلة بأنها «غير شرعية»، على ألا يطلب من نتنياهو مزيدا من التمديد لقرار التجميد حال الموافقة على هذا التمديد الأخير والضغط على الكونغرس للموافقة سريعا على بيع معدات عسكرية لإسرائيل بقيمة 3 مليارات دولار.

راهن أوباما بمكانته الشخصية على المحادثات التي أطلقت في سبتمبر (أيلول)، لكنها انهارت في غضون أسابيع قلائل لاحقا لدى انتهاء سريان قرار التجميد المؤقت لبناء المستوطنات من جانب إسرائيل، واستئناف أعمال البناء على أراض يعتبرها الفلسطينيون جزءا من دولتهم المستقبلية.

ويرى محللون معنيون بالأمن القومي أن الثمن الذي يبدي أوباما استعدادا لدفعه مقابل استئناف المحادثات لثلاثة شهور أخرى باهظ، خاصة أنه حدد عاما كي يتم التوصل لنتيجة ناجحة. ويعتقد الكثيرون أن هذا الموعد الزمني النهائي يعكس قدرا مفرطا من التفاؤل، مثلما الحال مع عدد من أهداف السياسة الخارجية الأخرى لأوباما.

داخليا، يعتمد أوباما على مجلس الشيوخ في دعم جهوده لإعادة صياغة العلاقات مع روسيا. وخلال اليوم الأخير من جولته الآسيوية، أخبر أوباما نظيره الروسي ديمتري ميدفيديف على هامش قمة اقتصادية بأن التصديق على معاهدة «ستارت» الجديدة يعد أولوية أولى داخل الكونغرس الراهن الذي يمر بفترة «البطة العرجاء».

وستسمح المعاهدة الاستراتيجية للحد من الأسلحة، التي يفترض أن تحل محل أخرى انتهت العام الماضي، للمسؤولين الأميركيين بالاستمرار في مراقبة الترسانة النووية الروسية وخفض عدد الرؤوس الحربية المنتشرة. خلال اجتماع عقد داخل البيت الأبيض، الخميس، وصف أوباما المعاهدة بأنها «ضرورة يفرضها الأمن القومي».

إلا أن الجمهوريين داخل مجلس الشيوخ الذين ازدادوا جرأة، بقيادة السيناتور جون كيل (أريزونا)، قالوا إنه لم يتح لهم وقت كاف لدراسة المعاهدة، رغم أنه تم توقيعها منذ سبعة شهور ماضية. وتعهد أوباما بتوجيه مليارات الدولارات لتناول النقطة التي أبدى كيل قلقه إزاءها، والمتعلقة بضرورة تحديث الترسانة الأميركية، لكنه لا يزال عاجزا عن التوصل إلى الأصوات الـ67 التي يحتاجها داخل مجلس الشيوخ.

وقال دبلوماسي أوروبي رفيع المستوى في واشنطن «سترون تداعيات لذلك على أسلوب التعامل مع إيران وأفغانستان والشرق الأوسط» حال رفض مجلس الشيوخ التصديق على المعاهدة، بالنظر إلى حجم التأييد الذي منحته موسكو لأوباما بخصوص هذه القضايا.

وأردف الدبلوماسي موضحا «إننا لن نعاين حينها انحسارا في قوة أوباما، وإنما سيحدث الانحسار في قوة الولايات المتحدة. إذا رأى العالم أن الولايات المتحدة ليست في وضع يمكنها من التصديق على معاهدة تحمل لها كثير من المنافع.. ستفقد بذلك الكثير من مكانتها».

من جهته، قال ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية، الذي تقلد الكثير من المناصب الرفيعة على صعيد العلاقات الخارجية في إدارتي بوش «ليست مشكلة كبرى إذا أرجئت المعاهدة حتى فبراير (شباط) أو مارس (آذار)، ثم تم تمريرها».

وقال هاس «بالتأكيد لن ترغب الإدارة في طرح المعاهدة على التصويت ثم تخسر. ولن ترغب في المرور بتجربة مشابهة للسفر إلى سيول ثم الإخفاق في إبرام اتفاق تجاري». وقال سيرفاتي إن أوباما يحمل عبء «شعور بتراجع التوقعات خلال العامين الماضيين».

وأضاف أن أوباما كان ينتظر منه تحقيق المزيد على صعيد الحد من الأسلحة النووية وقضايا منع الانتشار النووي وتعزيز السلام بالشرق الأوسط وتسوية الصراعات في العراق وأفغانستان. وأضاف «هذا هو ما تفجر بوضوح أكبر خلال الأسبوعين الماضيين أو الأسابيع الثلاثة الماضية. بمرور الوقت تشعر بالحيرة تجاه كل ما حولك، وتستشعر وجود جهود لتحقيق نصر سريع، كما لو أن مصداقية الإدارة معلقة بكل قضية».

* أسهم في التقرير ماري بيث شريدان وأليس آر كريتس

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»