أهالي الغجر سوريون بجنسية إسرائيلية وخياراتهم الخضوع للسيادة اللبنانية أو الرحيل

خبراء عسكريون وقانونيون لـ «الشرق الأوسط»: لا يمكن القبول بانسحاب مشروط

TT

على الرغم من أن المطلب اللبناني بانسحاب إسرائيل من بلدة الغجر اللبنانية ليس بجديد، فإنه من شأن تنفيذ هذه الخطوة في المدى القريب أن يثير الكثير من الإشكاليات على المستوى القانوني والمدني، انطلاقا من أن سكان البلدة هم من غير اللبنانيين ويحملون الهوية السورية، بالإضافة إلى الجنسية الإسرائيلية التي حصلوا عليها في مرحلة لاحقة.

وإذا كان المسؤولون اللبنانيون لا يزالون ينتظرون تبليغهم رسميا بالقرار الإسرائيلي الذي يطرح عدم تحديد موعد له أكثر من علامة استفهام، باعتبار أن القرار 1701 ألزم إسرائيل بتنفيذ ذلك، فإن الخبراء القانونيين والعسكريين يعتبرون أن لا شيء جديد في القرار الإسرائيلي سوى الشروط التي ترفقها إسرائيل برغبتها في تحقيق الانسحاب «الصوري» من الغجر. وأوضح الخبير العسكري والعميد المتقاعد أمين حطيط لـ«الشرق الأوسط» أن إسرائيل «بالتزامها بتنفيذ القرار 1701 في العام 2006 وافقت ضمنيا على الانسحاب من كامل الأراضي اللبنانية المحتلة ومن بينها الغجر، ومرت 4 سنوات من دون أن تنفذ ذلك». وأشار إلى أن «اللافت هو ما تسرب بشكل جانبي عن طبيعة الانسحاب فيما لو تحقق»، ولخصها في 5 نقاط قال إنها «خطيرة جدا»، وهي: «الأولى تنص على امتناع الجيش اللبناني و«اليونيفيل» عن الدخول إلى الغجر، وتمنع الثانية إقامة جدران أو شريط شائك يفصل جزأي البلدة على أن يبقى للفريقين حرية التنقل. وتبقي النقطة الثالثة إسرائيل هي المسؤولة عن تقديم الخدمات للأهالي على أن يدفعوا الرسوم والضرائب لها، فيما تشترط الرابعة أن يتولى الأمن عناصر من الأهالي يتبعون للبلدية بإشراف إسرائيلي. ويمنع أي لبناني، بموجب النقطة الأخيرة، من الدخول إلى الغجر على أن تتولى (اليونيفيل) المنع بإقامة سور أمني خارج البلدة».

وشدد حطيط على أن «هذا الانسحاب بهذه الشروط عبارة عن خدعة موصوفة لخداع العالم وإيهامه بتنفيذها للقرار 1701، في حين أن السيادة لن تكون على الإطلاق للدولة اللبنانية والجيش اللبناني».

وأشار إلى أن بلدة الغجر تقع كلها أصلا في الجزء اللبناني، لكن الأهالي، وهم من العلويين، خيروا في استفتاء عام 1932 بين الجنسيتين اللبنانية والسورية، فاختاروا السورية، وألحق الجزء الذي يقيمون عليه بسورية، وعرفت باسم الغجر السورية. وبقيت الأراضي الواقعة خارج البلدة ضمن السيادة اللبنانية. ومع الاحتلال الإسرائيلي لاحقا، احتلت الغجر ثم الأراضي اللبنانية، وتوسعت البلدة مع بناء الأهالي منازلهم على ملكيات فردية تعود لهم وأخرى ملك للدولة اللبنانية ولأفراد لبنانيين».

وبالتالي، فإن الخيارات المتاحة أمام سكان الغجر، وفق حطيط، هي إما تسوية أوضاعهم والخضوع للسيادة اللبنانية على أراض لبنانية، وإما تركها. وفيما يتعلق بالإشكالية الناجمة عن كون السكان غير لبنانيين ويحملون الجنسية الإسرائيلية إلى جانب هويتهم السورية، لفت حطيط إلى أن «الجنسية الإسرائيلية فرضت على أهل الغجر بالقوة، ولم تسقط سورية عنهم جنسيتها، وبالتالي على لبنان أن يتعامل معهم حتما على أساس أنهم مواطنون سوريون بعد أن يكونوا قد تخلوا طوعا عن جنسيتهم الإسرائيلية».

واعتبر الأستاذ الجامعي في القانون الدولي الأب فادي فاضل، في اتصال مع «الشرق الأوسط»، أن «تنقل سكان الغجر، فيما لو تم تنفيذ الانسحاب، على الأراضي اللبناني سيعرضهم للتوقيف والتحقيق باعتبارهم يحملون الجنسية الإسرائيلية، ومن هنا لا بد من الدخول في مرحلة انتقالية مؤقتة للتوصل إلى تسوية نزاع مع سورية حول الغجر، تراعي الحقوق الإنسانية للسكان من جهة وأحكام القانون الدولي من جهة أخرى».

وشدد فاضل على أنه بما أن «القرار 1701 يطالب إسرائيل بالانسحاب من كل الأراضي التي احتلتها بلا قيد أو شرط على غرار القرار الدولي 425، فبالتالي لا حق لها على الإطلاق في اشتراط أي شرط أو بند أو خطة عملانية للتنفيذ»، موضحا أن «غياب أي شرط في القرارات الدولية المتعلقة بالنزاع بين لبنان وإسرائيل، كغياب أي آلية للدخول في عملية تفاوض يعد في هذا الإطار عامل قوة للبنان». ورأى أنه «على الحكومة اللبنانية أن تمتنع عن الدخول في أي مقايضة وعدم الانجرار إلى اللعبة الإسرائيلية بقبول شروطها»، داعيا «الحكومة ووزارة الخارجية إلى التأكيد لإسرائيل عبر (اليونيفيل) والأمم المتحدة بأنه لا يمكن القبول بأي شرط إسرائيلي».