«يانصيب» يحدد للمشرعين الجدد مكاتبهم في الكونغرس

أصحاب خيارات المناظر الخلابة يتلقون أرقامهم بالصيحات.. و«الخاسرون» نصيبهم الطابق الخامس

صور في مكتب السناتور السابق روبرت بيرد («واشنطن بوست»)
TT

لو كان الكابيتول هيل سجنا، فإن أجنحة مكاتبه هي لفائف التبغ فيه. فالمكاتب الجيدة تعد أمرا غير معتاد وسلعة نادرة في عالم الامتيازات والميزانيات الضخمة التي لا تحتاج بالضرورة إلى أن تكون متوازنة. هناك عدد قليل من هذه المكاتب يطل على مناظر فائقة الجمال مثل رايبيرن 2111 الذي يطل على قبة مبنى الكابيتول وهو مزود بمصاعد. في المقابل هناك مبان سيئة للغاية كمبنى كانون 515، الذي تطل نوافذه على وحدات تكييف بسطح المبنى ولا يصل بعض مصاعد البناية إلى الدور الخامس.

ويقول ويلسي غودمان، الذي يعمل لدى النائب جيم غوردن، ويعمل بجد حاليا في المكتب الضيق ولا يستطيع رؤية النافذة «إنها الاستعارة المثالية عن الحكومة الفيدرالية».

ويوم أمس، دخل 85 عضوا بمجلس النواب معترك الصراع القائم منذ قرون حول مكاتب الكونغرس عبر الاشتراك في يانصيب المكاتب. ويعد هذا بالنسبة لهم لمحة لا تنسى عن الحياة الداخلية في الكابيتول هيل، حيث يتقاسم أعضاء مجلس النواب المكاتب على نحو سريع لا هوادة فيه، بينما يتقاسمها أعضاء مجلس الشيوخ على نحو أكثر بطئا ويحصلون على أثاث أفضل. وشهد يوم أمس أيضا درسا متواضعا عن عالم الكونغرس المتقيد بالقوانين وموقع الأعضاء الجدد المتدني به.

وقال ألان هانتمان الذي أشرف على العملية بصفته المهندس المعماري لكابيتول هيل منذ عام 1997 حتى 2007: «الأكثر نفوذا داخل الكابيتول هيل هم الذين يسيطرون على ذلك»، لكنه استطرد قائلا: «هناك قوانين ولوائح في صالح أعضاء مجلس النواب بحيث يحتاجون إلى الالتزام بها».

تكدس أعضاء مجلس النواب في التاسعة صباحا في غرفة إحدى اللجان في مبنى رايبيرن الذي يضم مكاتب المجلس، وسحبوا أقراصا معدنية مرقمة من صندوق. ويحدد هذا العدد ترتيبهم الأولي، وغالبا ما يطلق الذين يحصلون على الأرقام الجيدة صيحات الاحتفال. أما الذين لا يحصلون على أرقام جيدة فيعرفون أنهم سيذهبون إلى المكاتب الصغيرة الوحيدة بالقرب من مكتب غوردن بآخر طابق في مبنى كانون. وقد فقدت هذه المساحات القاسية إحدى مميزاتها العام الحالي عندما أسدى مسؤولون نصيحة للنائب لوي غوميرت بقولهم إنه لا يستطيع شواء الضلوع في الشرفة.

كثيرا ما يقول الخاسرون في هذا اليانصيب: «أيها الطابق الخامس أنا مقبل إليك». وبعد حصول كل عضو على رقم، يكون لدى المشرعين الجدد 4 ساعات لاستكشاف المباني. كان يمكن أن يعرف أغلبهم الخيارات المتاحة من خلال موقع إلكتروني داخلي موضح به تصميم كل مكتب والمنظر الذي يطل عليه عضو الكونغرس من النافذة ثم يعودون في الواحدة مساء للاختيار واحدا تلو الآخر. وإذا لم يكن أحد الأعضاء مستعدا للاختيار بعد، يمكنه أن يؤخر دوره.

ثم تأتي مرحلة من أهم المراحل في هذه العملية وهي التصميم الداخلي. ويمكن للأعضاء أن يأمروا بطلاء مكاتبهم الخاصة داخل الكونغرس باللون الذي يريدونه، بينما تضيق الاختيارات كثيرا في الأجزاء الأخرى.

قال ستيفن أيرز، المهندس المعماري الحالي لكابيتول هيل وهو يعرض جداول الألوان على المنضدة: «هناك درجتان من اللون الأصفر الفاتح هما الأصفر بدرجة صفار البيض والأصفر المائل إلى الزرقة ودرجتان من اللون الرمادي». الخيارات محدودة لأسباب تتعلق بالكفاءة بحسب ما يقال، فمن دون قيود قد ينتهي الحال إلى وجود 14 درجة من اللون الأرجواني في مبنى الكابيتول على حساب دافعي الضرائب (بالطبع لن يقول أيرز تكلفة عملية نقل وطلاء المكاتب بأكملها).

وهنا تفاجأ بعض الأعضاء الجدد بعدم التمتع بحرية الاختيار على حد قول العاملين في مجلس النواب. تذكر أحد العاملين قول أحد النواب عند بداية عضويته: «كيف أعمل وسط هذا؟». وكان الجواب مهذبا لكنه حازم حيث قال مسؤولون بثبات: «لا بد من الالتزام بقواعد المجلس».

تذكر بعض العاملين في الكونغرس عدم انصياع بعض المشرعين الذين يتحلون بالجرأة، فكل الغرف في الجناح سيئة السمعة كانت مطلية بلون فاقع مختلف. وقال عامل آخر: «لم يكن هناك داع لإضاءة الأنوار» فلون الجدران فاقع للغاية.

لكن تعليق أي شيء على الجدار أمر قانوني، فعلى سبيل المثال، يملك العضو جيسي جاكسون جهازا للتدريب على فنون القتال يسمى «فوكسماستر» اشتراه على نفقته الخاصة ويمارس الضرب بقبضة اليد والركل حتى يحافظ على هيئته وينفس عن غضبه.

وسيؤدي الأعضاء الجدد القسم العام الحالي في الخامس من يناير (كانون الثاني) بعد أشهر محمومة قليلة سيتحرك خلالها الأعضاء لتوزيع 300 مكتب وطلاء 441 مكتبا في البناية. ولدى سؤال الأعضاء الجدد الأسبوع الحالي عن اختياراتهم غير الموفقة، قالت فريدريكا ويلسون، وهي واحدة من أعضاء الكونغرس الجدد عن الحزب الديمقراطي من فلوريدا والتي تشتهر بارتدائها قبعات ملفتة للنظر: «أريد الطابق الأول بالقرب من مدخل المبنى». وأضافت: أما بالنسبة إلى ألوان الطلاء، فأريد ألوان الطراز الأفريقي».

كان رد بيلي لونغ، أحد الأعضاء الجدد عن الحزب الجمهوري عن ولاية ميسوري مماثلا، حيث قال إن هذا ليس مهما إلى هذه الدرجة «يمكنهم أن يعطوني خزانة أدوات التنظيف وسأجعلها مناسبة».

لكن دائما ما يكون الأمر هاما، فأعضاء الكونغرس يتقاتلون على المكاتب حتى من قبل أن توجد، فقد عكس تقاسم المكاتب خلال القرنين الماضيين تحولا كبيرا من مجلس غير منظم إلى هيئة تحكمها المكانة. عندما كان أعضاء الكونغرس يعملون في بدايات القرن التاسع عشر من مقاعدهم في القاعة، كانت أفضل المقاعد في الوسط حيث يستطيع الرئيس رؤيتك وأنت ترفع يدك طلبا للكلمة، بحسب شهادة المجلس التاريخية. وكثيرا ما كان أعضاء الكونغرس عن ولايتي فيرجينيا وميريلاند، الذين يقطعون مسافة قصيرة إلى واشنطن، يصلون مبكرا ويطلبون الحصول عليها.

على الجانب الآخر من مبنى الكابيتول، اتبع أعضاء مجلس الشيوخ في القرن التاسع عشر فلسفة يمكن أن ترشد المجلس حتى اليوم وهي وضع قواعد غامضة ثم قضوا وقتا طويلا في محاولة الالتفاف حولها. وتقول القاعدة إنه يمكن لرئيس اللجنة فقط أن يحصل على مكتب، لذا شكل أعضاء مجلس الشيوخ لجانا لا تفعل شيئا تقريبا مثل لجان عن مزاعم الحرب الثورية أو معاناة المرأة. ويقول دونالد ريتشي، مؤرخ مجلس الشيوخ: «لقد كان الغرض الوحيد منها حصول الرئيس على غرفة وموظف».

بنيت أول مبان لمكاتب مجلسي النواب والشيوخ في أوائل القرن العشرين ثم حدث تحول في المعركة، وبدأ الأعضاء يتنافسون على غرف المكاتب بدلا من المكاتب. وتتحول اليوم المكاتب الخاصة مع تحول الأغلبية، حيث يتعين على نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب، أن تتخلى عن جناحها عند تولي الجمهوريين السلطة.

وقد طلب النائب عن ولاية ألاسكا دون يونغ، جناح ديفيد أوبي، النائب عن ويسكونسين، الذي يغادر الكونغرس بعد 21 دورة برلمانية، والذي تبلغ مساحته 1800 قدم مربع. حقيقة الأمر أن يونغ يحتاج مساحة أكبر، فمن بين مقتنياته الموجودة في مكتبه الحالي سجادة من فرو الدب وعمود منحوت مزين برسوم.

وحتى المكتب الذي يغادره يعد محل حسد، حيث يقع في بناية رايبيرن رقم 2111 الراقية ووضع على قائمة الاختيارات أمام الأعضاء الأقل مكانة وهكذا يسير الأمر. أما بالنسبة إلى الأعضاء الذين احتفظوا بمقاعدهم، فالأمر يسير مثل اجتماع اتحاد كرة القدم السنوي، حيث يمنح المسؤولون المشرعين 20 دقيقة لاتخاذ القرار.

أما في مجلس الشيوخ فالأمر يسير على نحو أبطأ، إذ لن يشترك الأعضاء الـ16 الجدد في يانصيب المكاتب إلا بعد بضعة أسابيع وسيمنح كل عضو 4 ساعات للوصول إلى قرار. بينما يضطر الأعضاء الجدد بشكل عام إلى الالتزام بقطع الأثاث التي وجدوها في مكاتبهم، يمكن لأعضاء مجلس الشيوخ الجدد الحصول على قماش جديد للأثاث وإن كان في إطار ميزانية «متواضعة» على حد قول أيرز. تعد الستائر الجديدة في إطار جدول مختلف تماما.

تعد غرف الراحة أكثر الأماكن قيمة وموضعا للحسد، ففي هذه الغرف المجهولة في المبنى يستطيع أعضاء مجلس الشيوخ والقليل من أعضاء مجلس النواب توفير استخدام أحذيتهم وإصلاحها بين التصويت والآخر.

أروع هذه المكاتب، ومنها بعض المكاتب القديمة الخاصة بقضاة المحكمة العليا التي أصبحت خالية بعدما انتقلت المحكمة إلى مبناها الجديد في 1935، تطل على المركز التجاري وقد شغل أشهرها عضوا مجلس الشيوخ إدوارد كنيدي عن ولاية ماساتشوستس وروبرت بيرد عن ولاية ويست فيرجينيا. تم إخلاء هذه الغرف وإعادة تجهيزها منذ وفاتهما وسيتم تقديمها لأعضاء مجلس الشيوخ.

توجد أسوأ غرف راحة في قبو المبنى، فهي غرف مخيفة بلا نوافذ لا تتسع كل منها سوى لمكتب وأريكة وثلاجة، لكن يظل الحصول على ملاذ خاص أمرا مرغوبا فيه، ففي كونغرس يحرم من الراحة والخصوصية بشكل متزايد، تمثل غرف الراحة رمزا حيا لكلا المعنيين. قال ريتشي، مؤرخ مجلس الشيوخ: «دائما ما يكون الباب مغلقا»، لكنه أضاف: «أحيانا يكون الأثر الوحيد لصاحب الغرفة هو صحيفة من مسقط رأس (العضو) أمام الباب الأمامي».

لم تكن الكثير من هذه الأماكن متوفرة لمدة طويلة، فلم يكن هناك سوى 84 غرفة لـ100 عضو في مجلس الشيوخ حتى العام الماضي. ما يحدث بعد ذلك ينبئ بالكثير عن وسائل واشنطن التي سينخرط فيها الأعضاء الجدد هذا العام تقريبا. دفع الكونغرس 621 مليون دولار مقابل بناء مركز زوار الكابيتول بما يتعدى الميزانية بكثير. وتحولت بعض أغراض مبنى الكابيتول إلى هذا المركز مما يوفر مساحة لغرف راحة جديدة على حد قول مسؤولين. والآن يمكن لكل عضو بمجلس الشيوخ أن يحظى بغرفة راحة.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ(«الشرق الأوسط»)